يبدو أن اسم "سمية عبيد" ما يزال يشغل الرأي العام المصري. فبعد تعرضها قبل سنتين للتحرش والاعتداء، عادت إلى الواجهة من جديد؛ فقد تعرضت لمحاولة قتل على يد نفس الجاني. فما تفاصيل ما حدث؟ وكيف تعاني المصريات من وطأة التحرش؟ تعرضتْ للتحرش والتعنيف، فأبلغت السلطات. ليدخل المجرم السجن، ومن ثم يخرج منه عازماً على الانتقام. هذه هي قصة "سمية عبيد" باختصار شديد. قصة تنطبق على ما يحصل لكثير من النسوة المصريات اللواتي يتعرضن للتحرش والتعنيف، دون أي رادع يؤمن لهن حرية التنقل والتصرف دون إزعاج أو اعتداء. تشوه جسدي كانت شمس ذلك اليوم تستعد للرحيل. "رأيت نفس المجرم، هرولت لأركب سيارتي" تصف لنا سمية الموقف بنبرة خافتة تنبثق منها رنات الألم، وتضيف "لم أتوقع أنه جاء ليذبحني". بهاته الجمل المتقطعة، تروي سمية لـDW عربية، أحداث تعرضها للاعتداء من طرف نفس الشخص الذي تحرش بها سنة 2015. آنذاك وبعد تعرضها للتحرش رفعت قضية ضده ليسجن أسبوعين ويخرج بعدها بكفالة قدرها 100 جنيه مصري. كان كل هذا يوم السبت 14 أكتوبر/تشرين الأول، على الساعة الثالثة ظهراً، وفي وسط العاصمة المصرية القاهرة. أمام الملأ انقض المتهم على سمية، التي تُعرف منذ سنتين ب"فتاة المول"، نسبة إلى المكان الذي تعرضت فيه للتحرش والتعنيف. "وضع سكيناً على رقبتي"، تقول سمية وهي تسترجع شريط السبت الأسود، الذي شوهت فيه معالم وجهها دون أن تقدر على الفرار من قبضة "المجرم" كما تصفه. بعد ذلك سقطت سمية ضحية تبليغها عن متحرش لم تكن تعرفه قبل أن تصادفه ذات يوم في المول. بعد التبليغ بدأت حكاية قلبت حياة سمية وأسرتها رأساً على عقب وحولتها لجحيم لا يطاق. ترك السبت الأسود جرحا غاراً بطول عشرين سينتمتراً على محياها. جروح غائرة في النفس وفي الروح سكين الجاني لم تترك جروحاً على جسد فقط، بل انغرزت عميقاً في نفسها وروحها. الفتاة تقطع كلامها في كل مرة بفاصلة: " لن يعود وجهي كما كان" أو "شوه وجهي". إنها ضحية تحرش ذاع صيتها وسمع صوتها حين خرجت بوجه مكشوف دون خوف لتعرّف العالم على "الويل" الذي يلاحق بنات جنسها كلما حاولن الخروج وحيدات، ولتجد نفسها الآن تدفع ثمن إبلاغها عن "المجرم". "حتى هذه اللحظة لم يتواصل معي أي متبرع" تشكو سمية هنا من ضيق ذات اليد الذي أرغمها على الاقتراض لتسديد تكاليف العملية. جرحها فرض عليها الجلوس في البيت والتخلي عن عملها، بتوجيهات من الأطباء الذين نصحوها بعدم التعرض لأشعة للشمس أو القيام بأي مجهود عضلي. "وشي مش حيرجع زي الأول" (لن يعود وجهي كما كان قبل الحادث) بلهجتها المصرية تشكو "سمية" سوء وضعها. تحسب سمية عدد العمليات التي تنتظرها ويخيم اليأس على كلامها: "لست قادرة تماماً على دفع ثمن العمليات، غير أني بنفس الوقت لا أستطيعالعيش مشوهة الوجه". هاتان اللازمتين تزيدان من توتر سمية خاصة. وتقول أن جلّ الأطباء يرجحون صعوبة شفائها التام. جريمة مع سبق الإصرار والترصد "ذهب مسرعاً، دفع له المال وغادر جرياً" هذا آخر ما رصدته الكاميرا التي كانت في الشارع حيث تعرضت سمية لمحاولة ذبح انتهت بـ"عاهة" قد تصبح مستديمة يصعب مسح آثارها. الفتاة أكدت في حديثها أن "المجرم" خطط للانتقام منها مع سبق إصرار وترصد. كما أكدت سمية على "تنسيقه" مع شخص آخر كان يلاحقها. وذلك الشخص الذي رصدته الكاميرا هو نفسه من أعطى الإشارة "للجاني" لينقض على "فريسته". حدث هذا في "مكان آمن" حسب وصف سمية، حيث وقع الحادث بالقرب من القصر الرئاسي المصري والبنك المركزي وأكبر كنيسة بالبلد. "طلبت النجدة ولا أحد ساعدني"، هكذا تجيب "سمية" على سؤال: "كيف كان رد الشارع وأنت تتعرضين للحادث أمام أعينهم؟". الجاني خرج من السجن قبل سنتين بحجة "الجنون ومرضه النفسي"، حسب قولها. وهو اليوم يعود لينتقم منها أمام الملأ دون أن يساندها أحد، هي التي خرجت في يوم عطلة قاصدة الصيدلية، فصارت مرغمة على تجاوزها حتى المستشفى حيث أجرت أول عملية دامت لساعات طويلة. #أنا-سمية انتشر عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" هاشتاغ "أنا سمية" وتم إنشاء صفحة كاملة تحمل نفس الاسم، لمساندة "فتاة المول" مادياً، كما روت مديرة الصفحة لـDW عربية. وعن الهدف من إنشاء الصفحة قالت: "أن تأخذ سمية فعلاً حقها. كما نحاول أن نبحث عن جهة تتحمل تكاليف علاج وجه سمية". ونشر الفتيان والفتيات على هذه الصفحة صوراً لهم، واضعين لاصقات طبية على الخد الأيمن كنوع من "التضامن" معها. القانون المصري "قاصر" الكثير من المجموعات النسائية رفضت ما تعرضت له سمية، خاصة وأن الأمر صار يهدد الأمان الشخصي للنساء. مجموعة "نظرة للدراسات النسوية" بمصر، واحدة من المجموعات النسائية التي أصدرت بياناً للتنديد بالوضع الذي آلت إليه "امرأة قوية، عاقبت شخصا تحرش بها". رئيسة المجموعة، مزن حسن، تحدثت لـDW عربية عن البيان الذي يحاول رصد "قصور" القانون المصري، وعدم تأمينه لأي حماية للناجيات من قضايا التحرش. وتضمن البيان ثلاث محاور أساسية: توفير قانون حماية الناجيات من هذه الجرائم، الإعلان بشفافية عن سير المحاكمة، توفير الحماية الكاملة للمتحرش بهن. وقالت مزن في حديثها أن القانون المصري لا يحمي خصوصية الضحية، حيث يمكن للجاني معرفة الاسم الشخصي، العنوان، وحتى الرقم القومي للضحية. وهو الأمر الذي ساعد المتحرش بـ"سمية" على الوصول إليها والانتقام منها، وهذا من تتناقض مع حق الأشخاص في الخصوصية، حسب حديثها. مجتمع أبوي "كل الناس بدأت تبرر تحرشه وتسأل عن شكلي، وعلاقتي به" هذا هو رد فعل الناس بعد تعرض سمية للتحرش، وهو ما أفصحت عنه هي، وأكدته الحقوقية مزن الحسن بحديثها عن التبريرات التي يجدها "المجتمع الأبوي" في مصر، للعفو عن الجاني. وطالبت المجتمع المصري بالتعامل مع القضية بشكل جدي لأن مشوار الحد من كل هذا، حسبها دائماً، يحتاج إلى تظافر الجهود الرسمية والمدنية للوصول إلى بوادر النجاح. االحقوقية مزن الحسن، ترى أن الأسر جزء من المجتمع وبالتالي تخليها أو عدم تشجيعها لبناتها وتربيتها على التبليغ على الجاني، هو وليد الوسط الذي توجد به. وفي هذا السياق، قالت سمية، إن أسرتها كأي أسرة مصرية كانت تعيش حياة عادية حتى وجدت نفسها محط أنظار وسائل الإعلام. ضيق ذلك على حياتهم كثيراً وزاد الطين بلة. مريام مرغيش
مشاركة :