طالما أن المعايير الثقافية مختلفة تماما بين العالم العربي وبريطانيا فإن اعتماد المعايير نفسها قد يعرّض محكات جائزة البوكر العربية للاختلال أيضا.العرب محمد حياوي [نُشر في 2017/10/28، العدد: 10795، ص(15)] مازلت أعتقد أن نمط الثقافة العربية وتركيبتها وآلياتها تختلف اختلافا كليّا عن مثيلتها في الغرب، وتدخل هنا عوامل عدة قد تتحكم بهذا الاختلاف، مثل الذائقة والتركيبة النفسية لكل من الكاتب والقارئ وطبيعة العلاقات الاقتصادية وحجم انتشار الأمية في أوساط الجمهور واختلاف سلّم الأولويات لدى الأفراد، واختلاف القدرة الشرائية وتراجع نسبة القراءة وواقع التجزئة السياسية والجغرافية الذي تعيشه الثقافة العربية، ناهيك عن أن العلاقات الثقافية في كل بلد عربي مختلفة عن مثيلتها في البلد الآخر، وبالتالي لا يمكن التعامل مع ثقافة العالم العربي على أنّها ثقافة واحدة. وفي بحث أجريته على آلية ترشيح الروايات الإنكليزية لجائزة البوكر اكتشفت الكثير من التفصيلات التي لا مجال لذكرها هنا، لكن في المحصلة خرجت بقناعة مفادها أن ما ينطبق على الرواية الإنكليزية وآلياتها وسياسات دور النشر البريطانية يختلف كليّا عما عندنا في العالم العربي، وبالتالي لا يمكن تقليد أو تتبع خطى البوكر الإنكليزية وإسقاطها على جائزة البوكر العربية، فعلى صعيد حجم المبيعات وطبيعة جمهور القرّاء والجدوى الاقتصادية لعملية النشر في بريطانيا تختلف عن مثيلتها في العالم العربي، وفي الوقت الذي تعامل جائزة البوكر البريطانية الرواية الإنكليزية كوحدة واحدة، لا يمكن أن تعامل جائزة البوكر العربية الرواية عندنا كوحدة واحدة، لا من حيث الانتشار ولا من حيث معايير الجودة ولا حتى من حيث سياسات دور النشر. لقد اتخذت جائزة البوكر العربية في الآونة الأخيرة قرارا يصنف دور النشر العربية وأحقيتها في ترشيح عدد من الروايات التي تراها جيّدة ومناسبة للتنافس على الجائزة، مقلدة بذلك جائزة البوكر الأمّ، وهو قرار مجحف، ليس بحقّ دور النشر وحسب، بل بحقّ الروايات العربية نفسها، ذلك لأن غالبية دور النشر العربية على اختلاف مشاربها تنقصها المصداقية في الترشيح، وتتحكم بها عوامل خارجة عن نطاق الجودة في الكثير من الأحيان، مثل المناطقية والانحياز لروايات بلد الناشر وغيرها من العوامل غير الموضوعية، ناهيك عن عدم وجود رؤية واضحة للمشهد الروائي العربي المجزأ، فلا توجد عندنا في العالم العربي مؤشرات لقياس الانتشار طالما أن عملية توزيع الكتب برمتها تعاني من اختلال بنيوي بسبب تغوّل أجهزة الرقابة في الدول العربية واختلاف سياساتها ومعاييرها، وبالتالي فإن تلك التجزئة وهذا الاختلال سينعكسان على طبيعة النتائج وآليات الاختيار لدى لجنة الجائزة. وطالما أن المعايير الثقافية مختلفة تماما بين العالم العربي وبريطانيا فإن اعتماد المعايير نفسها قد يعرّض محكات جائزة البوكر العربية للاختلال أيضا، لأن الخصوصية هنا مفقودة، وبالتالي كان الأحرى بجائزة البوكر العربية استنباط آلية مختلفة تتناسب وواقع الثقافة العربية عموما والرواية بشكل خاص، كأن تعمد إلى تشكيل لجنة دائمة لقراءة الروايات العربية الجديدة التي تصدر في البلدان العربية وفرز الصالح منها للمنافسة آليا من دون الاعتماد على ترشيحات الناشرين، لأن السياسة النشرية في عالمنا العربي مختلفة كليّا عن مثيلتها في بريطانيا، كما هو حاصل في جائزة نجيب محفوظ إلى حد ما، وبالتالي اختصار عدد الروايات المتنافسة وحصرها بالروايات الجيّدة حقّا، وعدم التخوف من الخصوصية، الأمر الذي من شأنه أن يريح لجان التحكيم وينقذها من الضغط الذي تتعرض له سنويا وقراءة المئات من الروايات غير المجدية، ويجنبها الآليات غير الموضوعية المتبعة حاليا، مثل قراءة المئة صفحة الأولى من كل رواية، أو الاكتفاء بتتبع ما كتب عن الرواية في الإنترنت وما شابه، وبالتالي حرمان الكثير من الروايات الجيّدة من فرص المنافسة الموضوعية. كاتب عراقيمحمد حياوي
مشاركة :