قرأت مصادر حكومية حيثيات المشهد السياسي بعد استجواب وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء وزير الاعلام بالوكالة الشيخ محمد العبدالله، بكثير من الموضوعية، وارتأت ضرورة توافر الكثير من الحصافة والتؤدة والتمهّل والأناة والشفافية، للخروج من الوضع الذي ترتب على طلب طرح الثقة بالوزير العبدالله واستقالة الحكومة والإتيان بتشكيل وزاري جديد، على اعتبار أن «فن الممكن» هو وحده القادر على تقريب المسافات بين السلطتين، بعد «الجراحات» التي تركها استجواب العبدالله. وبينما أكدت المصادر أن خيار استقالة الحكومة كان «أهون الشرين» فيما لو تم اللجوء الى حل مجلس الأمة، المحصّن باعتبارات عدة، لعلّ أهمها عدم منح الحالمين بالحل «مكافأة» على طبق استجواب العبدالله، على أن من المهم أيضا التساؤل عن أي حكومة ستأتي؟ هل ستضم «عناصر التأزيم» كما يرى عدد من النواب، سواء لجهة عودتهم بحقائبهم الوزارية نفسها او عن طريق التدوير؟ كم من الوزراء يمكن أن تتخلى عنهم الحكومة؟ وهي إن تخلت عن البعض ألا تكافئ بذلك «نواب الاستجوابات»؟ واستطرادا جعل المنصب الوزاري طاردا... جدا؟ هل تتوسع الحكومة في توزير النواب وماذا ستجني من وراء ذلك؟ هل تسترضي نواب المعارضة بتحقيق شيء معقول من مطالبهم، حتى لو كان إعادة الجناسي المسحوبة؟ هل تتكئ على توزير تيار معيّن لتأمن «غدر» الأيام؟ وقبل ذلك كله، هل تقبل نظرية «الاعدام السياسي» لأي وزير، وعندها من سيتقبل التوزير في مثل هذه الظروف «الضاغطة؟». تقول المصادر إن الوزير العبدالله، لم يكن مرتاحاً وداخلته الريبة وكثير من الشكوك والظنون، منذ لحظة تقديم الاستجواب، من منطلقين، الأول قراءة مسار الريح، التي استشف أنها لن تكون مريحة، والثاني لإدراكه من موقعه المسؤول أن بعضا من محاور الاستجواب خارجة عن اختصاصه كوزير دولة ووزير للإعلام بالوكالة، وأن وراء تحميله مسؤولية ما ليس من مسؤوليته، ما يشي بأمور أبعد من مجرد تقديم استجواب، قد ينتهي بملاحظات وتوصيات يتعهد الوزير بالعمل على معالجتها، كما حصل في استجوابات سابقة، وأن العبدالله كان يخشى أن تكون هناك مآرب أخرى، وفقا للمصادر، من وراء الاستجواب، وكانت الظنون «السود» في محلها، بالنظر إلى ما آل إليه الاستجواب من طلب طرح ثقة موقع من عشرة نواب، تم تسريبه عبر مواقع التواصل، والوزير العبدالله والنائبان المستجوبان، يتبارون على المنصة، ولم يفرغوا بعد، خصوصا وأن العرف جرى أن يستمع النواب الى المرافعات حتى آخر كلمة، وعندها يبنون على الشيء مقتضاه، وهو ما لم يحصل في استجواب العبدالله. وتعود المصادر بالأذهان الى ما اعلنه النائب الدكتور عبدالكريم الكندري، أحد مقدميّ الاستجواب، في مؤتمر صحافي بعد الإعلان عن الاستجواب، الذي اعتبره «جزءا من مناورة سياسية»... وكان صادقاً. وتلفت المصادر الى الأجواء التي أحاطت بالاستجواب حتى قبل تقديمه، وكانت عنصرا مهيئاً لما آل إليه، دون نسيان أن الوزير العبدالله لم يكن مُدرجا على قائمة الوزراء المُستجوبين، وأنه قد يكون أُخذ على حين غرّة، حيث تسابق عدد من النواب على التلويح باستجواب وزيرة الشؤون وزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية هند الصبيح، مع التعهد بانه سيكون على جدول جلسة افتتاح مجلس الأمة، إضافة الى التهديد باستجواب وزير النفط وزير الكهرباء والماء عصام المرزوق من أكثر من نائب، وطبعا دون إغفال التلويح باستجواب نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الشيخ محمد الخالد، وحتى وزير التربية وزير التعليم العالي الدكتور محمد الفارس، ووزير الصحة الدكتور جمال الحربي. «مناورة سياسية»؟ بالفعل كانت كذلك، وأتت «الضربة» لتصيب من لم يكن متوقعا له الإصابة بها، تؤكد المصادر، مستندة في ذلك إلى شخصية الوزير العبدالله، قبل أدائه، وهو الذي لم يكن صداميا، ولا على خطوط تماس مع النواب، وبمعنى أدق لم تكن له «عداوة» مع أحد بل كان على علاقة طيبة وصريحة ومتوازنة وشفافة مع الكثير من المجاميع النيابية، إن لم يكن كلها. وأكدت المصادر أنه قبل الاستطراد في الحديث عن مآل الاستجواب، والكلام في أي حكومة قادمة، لا بد من الإحاطة بالمشهد السياسي الذي سبق تقديم الاستجواب، وتدرّج في «قساوته» على امتداد أيام الإجازة الصيفية، واستمر في التصاعد الى ما قبل افتتاح دور انعقاد مجلس الأمة بأيام، وهو كان يوحي بالفعل ان هناك استجوابات كثيرة، وأن العلاقة بين السلطتين ليست على ما يرام، لكن ما لم يكن بالحسبان أن يكون المُستهدف هو الوزير العبدالله. وفي المشهد، قرأت المصادر القريبة من الوزير العبدالله أن هناك «جوا» من خارج المجلس كان يضغط بشدة وفي أي مناسبة للنيل من مجلس الأمة، ومحاولة «تقزيم إنجازاته» والتشكيك به، لغايات كثيرة في «نفوس أكثر من يعقوب»، لعلّ في طليعتها الضغط في اتجاه حل المجلس، مع الإدراك بأن هذا الأمر من صلاحيات واختصاص صاحب السمو وحده. ولفتت المصادر الى الأيام السابقة على موعد جلسة افتتاح مجلس الأمة، التي كانت حبلى بالكثير من المواقف النيابية، وتجاوزت المطالب الشعبية، من إلغاء زيادة البنزين وإقرار المعاشات الاستثنائية للعسكريين المتقاعدين، وزيادة بدل الايجار وعلاوة الاولاد، إلى أمور «سياسية» تتعلق بالعفو العام، تلك النغمة التي تسيدت أكثر من موقف نيابي، رغم «حساسية» مثل هذا الطرح، إضافة الى تعلية قضية إعادة الجناسي المسحوبة، والتلويح بأنها قد تكون «القشة التي تقصم ظهر التعاون»، خصوصا وأن تلك «اللغة الخشنة» ترددت على لسان غير نائب عشية انعقاد جلسة مجلس الوزراء السابقة على جلسة الافتتاح، والتي أتت خلوا من أي إشارة إلى موضوع إعادة الجناسي، لا سيما وان الحكومة متكئة على اللجنة التي تم تشكيلها برعاية رئيسي مجلس الأمة والحكومة، والتي تقوم بعملها، دون التأثر بأي ضغوط نيابية. ولفتت المصادر إلى أن أبواب المقايضات فُتحت على آخرها عشية جلسة الاستجواب، وربما خلالها، ولم يكن هناك من حرج في مساومة الحكومة بالوقوف معها في استجواب العبدالله، إن هي تعهدت بإعادة الجناسي المسحوبة وتقديم قانون العفو العام على ما سواه والإعفاء عن بعض الموقوفين، وحتى بعض سجناء «خلية العبدلي» المدانين بأحكام القضاء، الأمر الذي لم يكن له مطرح لدى الحكومة، التي ربما كانت واثقة إلى أن الأمور لن تبلغ مرحلة «الإرباك والارتباك» التي بلغتها جلسة الاستجواب وصولا الى طلب طرح الثقة، حتى لو بلغ الأمر عند بعض النواب حدّ اتهام الحكومة بانها نكثت بوعدها في موضوع إعادة الجناسي المسحوبة، وبرّات ذمتها من «تحصين» رئيس الوزراء من المساءلة، بل وهددت بأن يقف شخصيا على المنصة. وقالت المصادر ان كل ما جرى لا يمكن بحال من الأحوال فصله عن الجو العام للبعض من خارج المجلس، المشحون بل والشاحن ضده، والمؤلّب عليه، والذهاب الى حد التأكيد بأن المجلس لن يعيش طويلا وانه سيحلّ دون ريب، الأمر الذي كان له مفعول «السحر» لدى بعض النواب، الحريصين، وفقا للمصادر على العودة الى الكرسي الأخضر، وتسجيل المواقف، أقلّه أمام الناخبين في «اللحظات الحرجة» التي توقعوا أنها آتية دون ريب، وعلى ذلك بدأت المواقف تعلن من قاعة عبدالله السالم بتأييد طلب طرح الثقة بالوزير العبدالله، حتى بلغ الرقم حوالي 28 نائبا، لم يكونوا «معبّأين» ضد الوزير العبدالله، ولا يمكن أن يكونوا كلهم كذلك، لولا محاولة اقتناص «الفرصة الملائمة»، المتمثلة في محاولة الاستفادة من قرار حل المجلس قبل أن يصدر، ودغدغة مشاعر الشارع الانتخابي، التي نجح أعداء المجلس في زرعها في أذهان البعض. وأضافت المصادر أنه في هذه «اللحظة المفصلية»، بدأت المقايضات حتى بين النواب الملوّحين بالاستجوابات وهي كثيرة، وتبادل الوعود في الدعم المتبادل للاستجوابات، بمعنى «هات وخذ». وتشير المصادر إلى أن هناك من يأخذ على الحكومة عدم قراءتها «الجيدة» لمسار الريح، وهي تسمع يوميا التلويح بمساءلة وزرائها، وتأكيد جملة أولويات لدى النواب لعلّ في طليعتها إعادة الجناسي المسحوبة، على وجه التحديد، وهي عقدت على مستويات عالية اجتماعات بعيدة عن الأنظار من أجل بحث الملف، وانتهت الى أن هناك لجنة مكلفة الملف وهي تعمل عليه وفق الأصول، وعليه امتنعت عن تقديم تنازلات، بعد أن تعذر أن تعطي وعودا إضافية، وهناك من يتهمها بنكث الوعود ويهدد حتى بمساءلة رئيسها. تضيف المصادر أن الحكومة كانت أبعد من التفكير في أنها أو وزيرها العبدالله قد يؤخذ على حين غرّة في الاستجواب المقدم اليه، وأنه ربما تراءى لها، من منطلقات دستورية تتعلق بمحاور الاستجواب أن الوزير العبدالله لا بدّ ناج من المساءلة، وهي دعمت موقفها بالرد على المشككين بأنها كانت صادقة في تشكيل لجنة عليا للنظر في موضوع إعادة الجناسي، وعقدت قبل العطلة الصيفية اجتماعت عدة، وبحثت الملفات المعروضة أمامها واحدا واحدا، وتوّجت مصداقيتها بإعادة جنسيات أسرة عبدالله البرغش وغيره من الملفات ليس لأصحابها نشاط سياسي وليسوا معروفين على صعيد الاعلام، كما هناك عشرات من الملفات أمام اللجنة، وكل صاحب حق سيأخذ حقه، وفقا لما صرحت به لـ«الراي» مصادر اللجنة، التي أكدت رفضها للضغوط النيابية. لماذا استقالة الحكومة وليس حلّ المجلس؟ تفسّر المصادر أن خيار استقالة الحكومة أقلّ كلفة (معنوية) من حلّ المجلس، الذي كان سيعتبر لو تمّ، مكافأة غير متوقعة للطامحين من خارجه الى حله، سواء من شيوخ أو تجار أو سياسيين، لذا فإن استقالة الحكومة هي «أهونّ الشرّين» وهي إن لم يكن متوقعا ان تستقيل أمام استجواب الوزير العبدالله، فربما كانت ستستقيل أمام استجوابات أخرى لعلّ منها مساءلة وزير الدفاع، مسبوقا أو متلازما مع استجوابات الصبيح والمرزوق وربما الفارس والحربي، وآخرين قد لا يكونون معلنين، كما الحال في استجواب العبدالله. وعن المرئيات الى التشكيل الحكومي الجديد، لم تخف المصادر أن شرارات الاختلاف الحكومي - النيابي ستبقى كامنة في التفاصيل. وهي ترى أن التشكيل قد يأتي خلوا من بعض الأسماء المهددة بالاستجوابات، وربما ضم بعضهم عن طريق التدوير، وقد تكون الساحة مهيّأة لاستجواب آخر، بغض النظر الى من سيوجه اليه ما يفتح الباب امام «معارضة» نيابية يستحيل تلبية كل متطلباتها. هل من الممكن أن تقدم الحكومة على استقطاب تيار نيابي بتوزير قد يضمن بعضاً من الاستقرار؟ تقول المصادر إن هذا أمر نسبي، ورغم ذلك يبقى نجاحه غير مضمون. وأكدت المصادر أنه لا بد لتحقيق الاستقرار في علاقة السلطتين من منح التشكيل الحكومي أكثر من فرصة كي يعمل الوزراء تحت مظلة آمنة بعيدا عن تسليط سيف الاستجواب الى الرقاب، على أن الأكثر رجوحا لدى المصادر هو أن يعي النواب أنه ليس بالإمكان الإطاحة بوزير كل يوم، وإن كان عن طريق ممارسة الحق الدستوري بالمساءلة، خصوصا وأن ما يتم تداوله هو نتاج حكومات سابقة ومسؤولين سابقين، وأن ما تمت مراكمته، وعلى اهمية معالجته، لن يستقيم أمره بين ليلة وضحاها، ولا بد أولا من زرع عنصر الثقة بين السلطتين مع ضرورة قراءة الوضع الإقليمي الذي يستدعي المزيد من الحرص على الاستقرار. هل تهادن الحكومة النواب وتوافق على مطالبهم أو غالبية مطالبهم؟ الأمر في غاية الصعوبة والتعقيد، بل إنه ضرب من المستحيل، خصوصا لجهة قانون العفو العام وإعادة الجناسي، لأن الحكومة وفق المصادرتكون بذلك قد خسرت آخر حصونها التي تحتمي بها بتأكيدها أنها حريصة على الدستور والقانون ومنح الحقوق لأصحابها، كما أن مجرد تنازل من «العيار الثقيل» قد يفتح شهية النواب للمزيد، وعندها ماذا ستفعل الحكومة بكثير من الملفات المفتوحة، ومنها موضوع تزوير الجناسي الذي أثاره الرئيس مرزوق الغانم في دور الانعقاد السابق، بل ماذا ستفعل في ملف تجاوزات وزارة الصحة، لجهة التحقيق في المخالفات المليونية للمكاتب الصحية في الخارج، خصوصا منها مكتب ألمانيا؟ وماذا ستفعل في ملف «العُهد» وسواها كثير من الأمور؟ هل ستقدم الحكومة على استقطاب نواب من «المعارضة»؟ تقول المصادر ان هذا الأمر صعب أيضا، وقد لا تكون الفكرة ناجحة، لافتة الى وجود وزير الأشغال عبدالرحمن المطوع في الحكومة، وهو القريب من توجه مجموعة من النواب وكان يعمل مع أحد النواب الحاليين في حملته الانتخابية، فماذا فعل للحكومة؟هل تمكن من تهيئة حائط صدّ في مواجهة طلب طرح الثقة؟
مشاركة :