محللون: السيسي لا يريد أن يستسلم لـعقدة عامر التي استمرت خلال أكثر من 60 عاما في علاقة الرئيس بكبار مساعديه.العرب أحمد جمال [نُشر في 2017/10/30، العدد: 10797، ص(1)]مساع لمعالجة التقصير الأمني القاهرة – لجأ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى تغييرات واسعة في صفوف قيادات أمنية أساسية، بعيد أيام من مقتل رجال شرطة بالقرب من منطقة الواحات في الصحراء الغربية، واتهمت بعدها أجهزة أمنية بعدم التنسيق وضعف المعلومات الاستخباراتية وغياب تقدير الموقف بشكل صحيح. وتعكس إجراءات السيسي، الذي حافظ على صمت طويل في أعقاب الحادث، اعترافا بتقصير أمني يقول كثيرون إن تغيير الأشخاص على رأس المؤسسات الأمنية لن يقدم حلولا حاسمة له. وأقيل رئيس أركان القوات المسلحة الفريق محمود حجازي من منصبه وتم تعيينه مستشارا لرئيس الجمهورية. وتمت ترقية اللواء محمد فريد حجازي مساعد وزير الدفاع وتعيينه رئيسا للأركان. وفي وزارة الداخلية، التي كانت مسؤولة عن تنفيذ العملية التي راح ضحيتها 17 ضابطا ومجندا الأسبوع الماضي، تمت الإطاحة برئيس قطاع الأمن الوطني (الاستخبارات الداخلية)، ومدير أمن محافظة الجيزة التي وقع الحادث في نطاقها الأمني، ومدير إدارة العمليات الخاصة بالأمن المركزي (المسؤول المباشر عن تنفيذ العملية)، بالإضافة إلى رؤساء قطاعات التدريب وحقوق الإنسان والوثائق. ووزارة الداخلية في مصر أكثر أجهزة الأمن التي لم تشهد إصلاحا جذريا منذ ثورة 1952 وحتى الآن. وتتعايش الشرطة في مصر مع ثغرات أمنية ونقص في التأهيل والتدريب والتكنولوجيا، وسط عقلية أمنية تعود إلى عقود مضت. وكشفت العمليات الإرهابية الحديثة وتطور عمل الجهاديين تلك الثغرات التي يقول خبراء غربيون إنها لن تنتهي من دون إعادة النظر في ثقافة المؤسسة وإعادة هيكلتها. ووقع عدد كبير من الضحايا إثر عدم توفير غطاء جوي لقوات الشرطة التي وجدت نفسها وسط فخ. وتقول مصادر أمنية مصرية إن “خيانة” بين صفوف الأمن تسببت في معرفة المتشددين بنوايا العملية واتجاهاتها. لكن الغطاء الأمني الذي لم يتم توفيره كان كافيا لإجهاض فخ الإرهابيين بسهولة. وتسبب ذلك في رحيل الفريق محمود حجازي عن قيادة الجيش. والفريق حجازي هو صهر السيسي وتربطهما علاقات صداقة قديمة إلى جانب العلاقات العائلية. ورغم ذلك لم يتردد الرئيس المصري في عزل حجازي بشكل سريع ودون انتظار لمرور بعض الوقت على الحادث كما هو العرف في قرارات الحكم. ويقول محللون إن السيسي لا يريد أن يستسلم لـ”عقدة عامر” التي استمرت خلال أكثر من 60 عاما في علاقة الرئيس بكبار مساعديه. ويشير مصطلح “عقدة عامر” إلى وزير الدفاع المصري الراحل عبدالحكيم عامر الذي كانت تربطه صداقة وثيقة وعلاقة استثنائية مع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. ودفعت هذه العلاقة عبدالناصر إلى التغاضي عن غياب كفاءة عامر الواضحة في قيادة الجيش إلى جانب ممارسات وصفت بـ”الفساد العميق” داخل المؤسسة. وانتهت قيادة عامر للجيش بهزيمة مصر في حرب 1967. ومنذ أن كان مرشحا، لا يفضل السيسي النظر إلى حكمه عبر أناس يحسبون مباشرة عليه. كما اتسم في مواقف صعبة كثيرة، خصوصا خلال الحرب الطويلة على الإرهاب، بالحسم في تبنّي ردود فعل عاجلة، على عكس نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي اتسم بالبطء والتردد وتأجيل القرارات الصعبة أو الهرب منها. وعكست قرارات السيسي رسالة سياسية مفادها أنه ليس هناك تهاون مع أيّ مقصّر، وأنه لا توجد تفرقة بين التعامل مع عناصر المؤسستين، خاصة وأن البعض حاول اللعب على هذا الوتر مرارا وتكرارا في محاولة لإضعاف التنسيق بين المؤسسات الأمنية. جاءت التغييرات في القيادات الأمنية بعد يوم واحد من إعلان وزارة الداخلية مقتل 13 مسلحا في هجوم شنته قوات الشرطة المصرية بالمنطقة 175 على طريق الواحات، فيما أعلن الجيش المصري في بيان رسمي قصف 8 سيارات حاولت اختراق الحدود من المنطقة الغربية. وقال خالد عكاشة الخبير الأمني وعضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب (هيئة حكومية) في تصريحات لـ”العرب” إن القيادة السياسية المصرية رأت أن هناك ضرورة ملحة لتصعيد قيادات جديدة من الصفوف الثانية والثالثة إلى الصفوف الأولى، خاصة وأن غالبية تلك القيادات منخرطة بشكل أساسي في خطط مكافحة الإرهاب على مدار السنوات الثلاث الماضية، وهو أمر انعكس على القيادات الشرطية وكذلك رئيس أركان الجيش الجديد. وشارك محمد فريد حجازي في الحرب التي يقودها الجيش المصري في سيناء ضد الإرهاب في الفترة ما بين عامي 2010 و2012 باعتباره قائدا للجيش الثاني الميداني آنذاك، ووقتها كانت لديه وجهة نظر مختلفة بشأن التعامل الأمني مع أبناء سيناء، وطالب بإعادة النظر في الأحكام المدنية والعسكرية الغيابية الصادرة في حقهم مع ضرورة الاستفادة منهم استخباراتيا في تلك المواجهات. وتوقع العديد من العسكريين أن يكون تعيين حجازي مرتبطا بنقل استراتيجية مواجهة الإرهاب المشتركة بين قوات الجيش والشرطة في سيناء إلى الصحراء الغربية، وأن ذلك سيكون مرتبطا بتعاون أكبر بين المؤسسات الأمنية المصرية، وبالتالي فإن وجود قيادات جديدة أمر مطلوب أيضا لمواجهة تأثيرات حادث الواحات الأخير. وكان السيسي قد أعلن في مطلع عام 2015 عن تشكيل قيادة موحّدة لمنطقة شرق قناة السويس ومكافحة الإرهاب، بحيث تتشارك قوات من الجيش والشرطة تحت هذه القيادة الموحدة التي تتبع قائد الجيش الثالث الميداني الفريق أسامة عسكر. وقال مجدي البسيوني، مساعد وزير الداخلية الأسبق، لـ”العرب”، إن حادث الواحات كشف عن وجود خطط جديدة للتنظيمات الإرهابية سواء من ناحية تغيير مناطق انطلاق عملياتها الإرهابية أو حتى على مستوى السلاح المستخدم، وأن ذلك لم يقابله رصد دقيق من قبل الأجهزة المعلوماتية، كما أن أجهزة التقييم التابعة للشرطة المصرية أثبت أن هناك قصورا في وضع خطط المواجهة وفي تنفيذها. وأضاف أن التغييرات الأخيرة هدفها التعامل مع خطط التنظيمات الإرهابية بالإضافة إلى كونها تعبّر عن وجود استراتيجية جديدة للتعامل مع تلك العناصر من خلال تقسيم مناطق المواجهة بين مناطق صحراوية يصعب على قوات الأمن رصدها والتعامل معها بمفردها، وأخرى داخل الظهير الصحراوي القريب من المدن والقرى المصرية والتي يسهل اقتحامها والتعامل معها من قبل قوات الأمن من دون تدخل القوات المسلحة. وقال اللواء علاء عزالدين، مدير مركز القوات المسلحة للدراسات الاستراتيجية سابقا، إن إدخال تعديل على رأس القيادة الميدانية للجيش يعبّر عن وجهة نظر ترى ضرورة ضخ دماء جديدة تتعامل مع ظروف مواجهة الإرهاب الحالية، والذي يبحث حاليا عن مناطق استيطان جديدة داخل الصحراء الغربية في وقت تتزايد فيه المخاطر من ناحية الحدود الليبية بسبب هروب قيادات التنظيمات الإرهابية من سوريا والعراق إلى هناك ومحاولة تسللها إلى مصر.
مشاركة :