"التطرف المناخي" ينذر بتزايد "الأفواه الجائعة"

  • 10/30/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لعله من نافلة القول أن للتغيرات المناخية العالمية تأثيرات سلبية على الإنتاج الزراعي، حيث إن الحديث بهذا الشأن والذي ظل لسنوات طوال حبيس أروقة المؤسسات العلمية، والنقاش الأكاديمي المحض بين عدد من المختصين في علم المناخ والزراعة، بات اليوم حديث عام تتناوله وسائل الإعلام، والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي. فالخطر يطول الجميع، والمخاوف عن عجز الإنسان عن مواجهة هذا التحدي، تثير قلقا حقيقيا ومتصاعدا، يتجاوز حدود الدول والمجتمعات الإنسانية منفردة، ليصبح الآن موسوم بصبغة كونية تتطلب عمل مشترك لمواجهته. "الاقتصادية" استطلعت آراء مجموعة من المختصين في مجال التغيرات المناخية وفي الهندسة الزراعية، في مسعى لرسم صورة واقعية حول مدى التأثير الفعلي والمباشر للمناخ على زراعة المحاصيل الرئيسية، والى أي مدى يمكن أن يتراجع الإنتاج العالمي من المحاصيل الأساسية خلال الفترة المقبلة، وهل من خطط واضحة المعالم للتصدي لتلك المشكلة، وهل في مستطاع الجهود الاقتصادية والعلمية التعامل مع تلك التطورات؟. يقول لـ"الاقتصادية"، البروفسير مكارني هاميل استاذ الهندسة الوراثية لتحسين الإنتاج الزراعي، إن "الزيادة المتواصلة في عدد سكان كوكب الأرض وارتفاع المستوى المعيشي سيؤدي إلى زيادة الطلب على الغذاء بنسبة تصل إلى 70 في المائة بحلول عام 2050، وسيحتاج العلماء والمزارعون العمل على عدد من الجبهات لمواجهة انخفاض غلة المحاصيل، حتى يستطيعوا إطعام المزيد من الأفواه الجائعة، وكما هو الحال مع الثورات الزراعية السابقة ، نحتاج إلى مجموعة جديدة من المحاصيل والنباتات ذات خصائص مختلفة قادرة على التعامل مع التغيرات المناخية ". ويضيف "عندما يتعلق الأمر بالمحاصيل الأساسية أي القمح والأرز والذرة وفول الصويا والشعير والذرة الرفيعة، نجد أن التغيرات في هطول الأمطار ودرجة الحرارة تفسر نحو 30 في المائة، من التغير السنوي إنتاجية تلك المحاصيل الزراعية في العقود الخمس الماضية، وقد استجابت جميع المحاصيل الست سلبا لزيادة درجات الحرارة، ويرتبط ذلك على الأرجح بارتفاع معدلات تنمية المحاصيل والإجهاد المائي". ويشير إلى أن القمح والذرة والشعير تحديدا يظهرون استجابة سلبية لزيادة درجات الحرارة أكثر من المحاصيل الأخرى، ومنذ عام 1950، ارتفع متوسط درجات الحرارة العالمية بنحو 0.13 درجة مئوية في العقد، متوقعا تسارع معدل ارتفاع درجات الحرارة بأكثر من 0.2 درجة مئوية تقريبا في العقد الواحد على مدى العقود القليلة المقبلة. ويتابع " مع ارتفاع درجات الحرارة، تتغير أنماط هطول الأمطار، وتؤدي الحرارة المتزايدة أيضا إلى زيادة التبخر وتجفيف السطح، مما يزيد من حدة الجفاف ويطيله، ويمكن أن يحمل الجو الأكثر دفئا المزيد من المياه، حيث نجد أن هناك زيادة بنسبة تقارب 7 في المائة، في بخار الماء لكل درجة مئوية زيادة في درجة الحرارة، وهذا يؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض غلة جميع المحاصيل الزراعية". وبالفعل تشير تقارير منظمة الغذاء والزراعة (فاو) إلى أن تغير الطقس في استراليا على سبيل المثال قد أثر بشدة على جميع المحاصيل الزراعية ، بحيث أدى الطقس الحار والجفاف إلى انخفاض متوسط الغلة من 1-1.5 طن للهكتار إلى 0.1- 0.5 طن فقط للهكتار الواحد، بينما تتوقع "الفاو" انخفاض في إنتاج العديد من المحاصيل الإفريقية الرئيسية وفي مقدمتها الذرة حيث يتوقع أن ينخفض الإنتاج بنسبة 22 في المائة بحلول عام 2050. وتؤكد الدكتورة امبر راهول أستاذة النظم الزراعية أن البلدان التي تراجع فيها إنتاج القمح منذ عام 1980، يعود نحو 5 في المائة من هذا التراجع إلى التغير المناخي. وعلى الرغم من قناعتها بأن التغير المناخي يؤثر فعليا على نوعية وكمية الأغذية المنتجة على الصعيد العالمي، إلا أنها تشير إلى أن انعكاس التغيير المناخي على إنتاج الغذاء ليس بالضرورة سلبي على بقاع المعمورة كافة. وتقول لـ"الاقتصادية" إن التغير المناخي ربما يسهم في تحسن ظروف إنتاج الأغذية في خطوط العرض المتوسطة والمرتفعة خلال العقود المقبلة، أي في الولايات المتحدة وكندا وشمال أوروبا وبعض مناطق روسيا الشمالية، وعلى العكس من ذلك فإن أجزاء من المناطق شبه الاستوائية مثل منطقة البحر الأبيض المتوسط وأجزاء من استراليا وخطوط العرض المنخفضة، يمكن أن تشهد انخفاضا في معدلات إنتاج المحاصيل الرئيسية. وتضيف" المحاصيل الرئيسية مثل الذرة والأرز والقمح التي تنتج في بعض البلدان الإفريقية ستنخفض بنسبة تصل إلى 50 في المائة خلال العقد الثاني من القرن الجاري، وإذا ارتفعت درجة حرارة كوكب الأرض بما يزيد عن 3 درجات مئوية ، فإن أوضاع العديد من البلدان الأكثر فقرا والبلدان الواقعة على خطوط العرض المنخفضة ستتدهور بشكل كبير. من جهته، يوضح لـ"الاقتصادية"، الباحث في علم المناخ كريس لويستي أن الأحوال المناخية المتطرفة يمكن أن تدمر إنتاج الكرة الأرضية من الأغذية إذا وقعت في وقت واحد، ما يسبب مجاعات على نطاق واسع. ويقول "الذرة أحد المحاصيل الأكثر نموا على نطاق واسع في العالم، وقد قام مكتب الأرصاد الجوية أخيرا بدراسة حول كيفية تأثير الطقس الشديد على الذرة، واكتشفنا أن هناك فرصة بنسبة 6 في المائة كل عشر سنوات، يمكن أن نشهد فشل متزامن في إنتاج الذرة في الصين والولايات المتحدة - وهم أهم منتجين للذرة في العالم – نتيجة التغيرات المناخية". ويلفت إلى أن الذرة والقمح تشكلان معا 51 في المائة من السعرات الحرارية في العالم، مبينا أن التغيرات المناخية وبما تخلقه من تأثيرات سلبية وايجابية سيكون تأثيرها موازي لبعضه البعض حتى عام 2030، بعد ذلك يصبح الرصيد السلبي للتغيرات المناخية أكثر تأثيرا بشكل متزايد بحيث تصبح البلدان النامية تحديدا معرضة بشكل أكبر لخطر تراجع إنتاج المحاصيل. تشير الدكتورة باميلي براون أستاذة التكنولوجيا الحيوية والاستشارية السابقة في منظمة الفاو إلى أن زيادة درجات الحرارة ستؤثر سلبا على الغلة العالمية من القمح والأرز والذرة. وتؤكد لـ"الاقتصادية"، أن كل درجة مئوية زيادة في المتوسط العالمي لدرجة الحرارة تخفض متوسط الغلة العالمية من القمح بنسبة 6 في المائة، والأرز بنسبة 3.2 في المائة، والذرة بـ 7.4 في المائة وفول الصويا بنسبة 3.1 في المائة، وتلك المحاصيل الأربعة تمثل أكثر من ثلثي السعرات الحرارية للبشرية. وتتفق الدكتورة باميلي براون مع وجهة النظر القائلة بأن خطورة التغيرات المناخية على الإنتاج العالمي من الغذاء، لا تكمن في تراجع المعدل العام لإنتاج الغذاء، وإنما في كون تأثير التغيرات المناخية غير موزع جغرافيا بالتساوي، وهو ما يؤدي إلى زيادة الفجوة الراهنة بين الدول المتقدمة والنامية في مجال إنتاج المحاصيل الرئيسية. وتقول "معظم الخسائر ستصيب البلدان ذات الدخل المنخفض مثل البلدان الواقعة في جنوب أسيا والمناطق شبه الرطبة في أفريقيا، يضاف إلى ذلك إمكانية التكيف الضعيفة في تلك البلدان، وحتما سيؤثر ذلك سلبا على المواطنين"، متوقعة انخفاض إنتاج الحبوب في تلك البلدان بنحو 50 في المائة بحلول منتصف القرن، وذلك يمثل 7 في المائة من الإنتاج العالمي للمحاصيل، وعلى سبيل المثال سيؤدي الإحترار العالمي إلى خفض القدرة الزراعية للهند بنسبة 40 في المائة. مع هذا تعتقد الدكتورة باميلي أن الوقت لم ينفذ بعد، وأن هناك فرصة حقيقية للتغلب على التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية شريطة عمل أممي جاد ومشترك في هذا الصدد. وتضيف " لابد من مزيد من الاستثمارات في مجال الهندسة الوراثية للمحاصيل، بحيث يمكن تحديد تركيبات مواتية من أصناف المحاصيل، وتحديدا فيما يتعلق بالأنماط الجينية، على أن تترافق مع أساليب أكثر حداثة في مجال الهندسة الزراعية، وأن يعمل الجانبين في نظام متناسق". وتؤكد أن هذه الآليات يمكن من خلالها تخفيف التأثير السلبي للإختلالات المناخية، حيث أن استخدام كل من الحلول الجينية والإدارية لتطوير محاصيل قادرة على التكيف من التغير المناخي يمثل الحل الأمثل لمواجهة تلك التحديات. يشار إلى أن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "فاو" أكدت أن أول ضحايا ارتفاع درجات الحرارة والكوارث المناخية هو الأمن الغذائي، وهو النظام الأكثر هشاشة في الدول النامية والأقل نمواً، ويمس أكثر الناس ضعفاً وأقلهم موارد. وقالت لجنة الأمن الغذائي في "فاو" في تقرير نشر في وقت سابق، "هناك في الوقت الراهن انخفاض عالمي في إمدادات المياه، وتدهور نوعية التربة، وإزالة الغابات، ما يسهم في نحو 11 في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم، وما يسفر عنه من تغير المناخ الذي يؤثر تأثيرا شديداً في الموارد الطبيعية والنظم البيئية للكوكب". وأضافت أن كل هذه الظروف السلبية تأتي في وقت نشهد فيه أكثر من ثلث الإنتاج الغذائي العالمي يضيع أو يُبذَّر. وذكرت اللجنة في بيانات رفعتها للمجلس العام لـ "فاو"، أن سكان العالم يشهدون نمواً مستمراً من المتوقع أن يصل إلى 9.6 مليار نسمة في عام 2050 مقابل أكثر من سبعة مليارات اليوم، وإنه يستلزم زيادة إنتاج الأغذية العالمي بنحو 70 في المائة لإطعام هذه المليارات العشرة، تقريباً، من السكان. وحذرت اللجنة، من أن الإحترار العالمي سيفرض بقوة مزيداً من أوجه عدم اليقين في مجال الزراعة، والغذاء، وبالتالي، على سبل عيش السكان الأكثر ضعفاً، خاصة أن الزراعة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوبي شرق آسيا هي مصدر رزق 80 في المائة من السكان. وقالت بيانات اللجنة إنه بدون تغيير المناخ، شريطة أن يستمر التقدم الاقتصادي، فإن معظم المناطق ستشهد انخفاضا في عدد الأشخاص المعرضين للجوع من الآن حتى عام 2050، لكن مع تغير المناخ، واستمرار التقدم الاقتصادي بالوتيرة نفسها، فإن ما بين 35 و122 مليون شخص إضافي يمكن أن يعيش في فقر من الآن حتى 2030. ووفقاً لواضعي التقرير، فإن تغير المناخ سيعرّض البلدان النامية، في المناطق الحضرية والريفية على السواء، لزيادة أسعار المواد الغذائية، كما أن تغير المناخ سيضر بتوافر الأغذية بما يؤدي إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل، والمواشي، والأسماك، والإضرار بمعيشة ملايين من سكان الريف الذين يعيشون اعتمادا على الزراعة. وبينت اللجنة أن التغييرات المناخية سيكون لها أثر في جميع جوانب الأمن الغذائي، بدءًا بكمية الأغذية المنتجة. وبدون أي جهد حقيقي لوقف هذه التغيرات، يمكن أن تنخفض غلة المحاصيل الكبيرة "القمح، الأرز، والذرة".Image: category: عالميةAuthor: هشام محمود من لندنpublication date: الاثنين, أكتوبر 30, 2017 - 19:00

مشاركة :