نعومي شهاب ناي (خمسون عاما منذ دعوت أو فكرت باللغة العربية) كنت فخورا بمهاراتي اللغوية. عندما كنت مراهقا وأعطتني قناة بي بي سي بدلة كاكي لأرتديها، مع وشاح كطفل فرقة كشافة، دفعتني أمام المايكروفون ــ هائل كزهرة عباد الشمس ــ وسلمتني صفحة الأخبار لأقرأها ــ أظن أنني تغيرت للأبد. تلك الذبذبات الهوائية المترحلة عبر أجهزة الراديو جعلتني أشعر بأن لدي ما أعطيه.. شيء ما في اللغة الإنجليزية أشعرني بقدرتي على الترحال أيضا، أزور الأماكن التي تحدث فيها الأخبار، ألتقطها، أضعها في محفظتي وأمررها أيضا. لم تكن نوعا من القوة، كانت سحرا. كان لدي شعور جيد سحري وأنا أمشي في مجال صحف الأخبار لسنوات قادمة. لذا، لم أكن أمضي وقتا للاستماع للراديو، فللصحف صوتها السحري الخاص، ولم أفقد جوعي لتمرير أخبار جيدة. لطالما كنت معجبا بالـ(بي بي سي) رغم أنهم لم يستطيعوا حمايتنا مما حصل، لم يستطع أحد حمايتنا، لم نستطع نحن أن نحمي أنفسنا. وهكذا استمر الحال لاحقا حتى احتضرت.. إنه صوت والدي الذي سمعته مرة أخرى ولأول مرة منذ أن رحل عنا، بالعربية، لكأنه كان واقفا في الطرف الآخر من الجسر، متحدثا بصوت أضخم من الراديو، يتردد صداه فوق المياه، ذلك الصوت المألوف الناعم، يقول: لا بأس، لقد فعلت ما أمكنك فعله، تعال الآن، نحن بانتظارك. (لحظة) إلى المرأة التي سلمتني ورقة مطوية «لدي ما يكفي من الوقت» في قصاصة وردية رقيقة، بلا اسم ولا عنوان ــ أنت أول من خطر لي في اليوم الأول من هذه السنة. أين التقينا؟ ابتسمت بخجل، وخطوت بعيدا. هل تمررين مثل تلك القصاصات كثيرا؟ أم إنها كانت لحظة فريدة؟ ربما تكونين من الأصدقاء الذين يكتبون الرسائل عندما يكتشفون مستمعين جيدين. وماذا أكون أنا؟ هناك حساء جيد من الممكن طهوه كل دقيقة. هناك طريقة للوقوف والحركة بحيث لا يلتقط أحد ما أنت فاعلة. وهناك بحر من الكآبة ــ قريبا جدا تحت الجلد ــ يحب التهكم على ليلة رأس السنة الباردة. هنا، في هذا الصباح الطازج وكل صباح آت، دولاب من رزم الفوط البيضاء، وفير الإضاءة والاتساع. كل مربع في صفحة التقويم يفتح فمه الجائع. (غموض) بزغ الرجال من المنجم في عربة بعجلات.. فابتهج الجميع لهم. في تلال أفغانستان، صحارى غزة، قرى ليبيا، رجال يتقرفصون خلف صخور وبيوت متهاوية.. ليت الناس يعرفون ما يخفون. @al_ali_ahmed
مشاركة :