لعل النتائج الخاطئة تعد مولوداً طبيعياً للبدايات الخاطئة، وفق ما يرى أهل السياسة في العراق، وما لمسه كل الشعب العراقي بشكل واقعي ومأساوي ربما، إذ قسمت العملية السياسية التي تمخّضت عن الغزو الأميركي، الشعب العراقي إلى كتل طائفية وعرقية بعيدة عن أساس المواطنة والانتماء القومي، فضلاً عن عامل آخر في غاية الغرابة ألا وهو التقسيم المتمثّل في التحالفات الطائفية، . أدّى هذا الواقع إلى توسّع النفوذ الكردي إلى أكثر من ضعفي المساحة المحددة دولياً للإقليم، والمتمثلة بالخط الأزرق «محافظات أربيل والسليمانية ودهوك»، إذ فهم القادة الأكراد وفي مقدمتهم مسعود بارزاني أنّ هذا التوسّع الذي يشمل ثروات هائلة يتيح لهم إعلان دولة، من دون الأخذ بعين الاعتبار النزاعات داخل الإقليم والصراع على تقاسم الثروات الجديدة، وغضب واستياء المواطنين الأكراد، فضلاً عن الرفض الوطني الدستوري والاعتراضات الإقليمية والدولية. لقد كان بارزاني يعول على الدعم الخارجي، الذي يصطدم في أبسط حالاته بالقرارات الدولية، وربما كان مصدّقاً أنّ انتصارات البيشمركة في الحرب على تنظيم داعش في بعض المناطق، ستمكّنه من دحر القوات المسلحة العراقية والبدء في تكوين «الإمبراطورية الكردية»، متناسياً أنّ قوات البيشمركة هزمت أو انسحبت في العديد من المناطق عند دخول داعش، وأنّ استعادتها فيما بعد لم تكن إلّا بالدعم العسكري والمادي الأميركي والدولي. وبعد إصرار بارزاني على الاستفتاء رغم كل الاعتراضات، أخذت دويلته المقترحة في التهاوي، رغم أنّ الاستفتاء جاء بطريقة ملتوية. قراءة خاطئة ويقول المراقب السياسي ساهر عبد الله: «لو أجري استفتاء في الدول العربية بالسؤال: هل تؤيدون الوحدة العربية أم لا؟، فإنّ النتيجة ستكون إيجابية حتماً بنسبة 99 في المئة، ووفق هذا المنظور فهم بارزاني من الاستفتاء أنّ الأكراد يخولونه أن يكون إمبراطور الدولة المنتظرة، فيما يعبر الشارع الكردي ومعظم القوى السياسية عن العكس تماماً». ويشير عبد الله إلى أنّ الكارثة الكبرى تتمثّل في عدم تمكّن السياسي من قراءة الشارع، وهذا ما دفع بارزاني إلى إعلان «حدود الدم» بضم المناطق التي انسحب منها تنظيم داعش، هزيمة أو طواعية إلى إقليم كردستان والدولة المنتظرة التي قوبلت بالانشقاق الكردي حتى قبل الاستفتاء، لاسيّما من قبل الذين فهموا مغزاه. ومع التطورات الأخيرة وانفراط «العقد الشيعي - الكردي»، والانسحابات المفروضة على قوات الإقليم، وتراجع الدعم للأكراد محلياً وإقليمياً ودولياً، كان لا بد أن ينسحب بارزاني من الواجهة، إلّا أنّه لا يمتلك الجرأة لإعلان فشله السياسي والعسكري، فلجأ إلى خطة توزيع سلطاته ليبقى ممسكاً بزمام الأمور. ضريبة وتحمّل هيرو إبراهيم عضوة المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني وزوجة رئيس الجمهورية السابق جلال طالباني، القيادة الكردية تداعيات إجراء الاستفتاء على المواطنين الأكراد، مشيرة إلى أن دولاً قوية مثل أميركا وبريطانيا وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ودول الجوار طالبت بعدم إجراء الاستفتاء في الوقت الراهن، وقدّمت عدة حلول، إلا أن القيادة الكردستانية تحدت العالم، مضيفة: «شعبنا الآن يدفع الضريبة».
مشاركة :