ورد لدى محمد بيومي مهران في كتابه دراسات تاريخية من القرآن الكريم ص ٣٧ : إن ( المصحف الذي كتب على أيام أبي بكر هو المصحف نفسه الذي كتب على أيام الرسول صلوات الله وسلامه عليه وهو نفسه الذي كُتب على أيام عثمان، وبالتالي فإن كل قراءة قرآنية يجب أن تكون متفقة مع نصه، وأن الزيادة عليه لا تجوز وأنه القرآن المتواتر الخالد إلى يوم القيامة). كذلك يقر جهابذة المحققين من المستشرقين ببراعة ذلك المنهج الذي سلكته الأمة في حفظ نص القرآن الكريم والثقة فيه وإن كانوا يعودون بالفضل في ذلك للخليفة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كقول بلاشير : ( يعود الفضل إلى الخليفة عثمان بن عفان لإسهامه قبل ٦٥٥م في إبعاد المخاطر الناشئة عن وجود نسخ عديدة من القرآن الكريم، وإليه وحده يدين المسلمون بفضل تثبيت نص كتابهم المنزل على مدى الأجيال القادمة). ويقول موير : (إن المصحف الذي جمعه عثمان قد تواتر انتقاله من يد ليد حتى وصل إلينا دون أي تحريف، وقد حُفظ بعناية شديدة بحيث لم يطرأ عليه أي تغيير يذكر، بل نستطيع القول : إنه لم يطرأ عليه أي تغيير على الإطلاق في النسخ التي لا حصر لها المتداولة في البلاد الإسلامية الواسعة. فلم يوجد إلا قرآن واحد لجميع الفرق الإسلامية المتنازعة، وهذا الاستعمال الإجماعي لنفس النص المقبول من الجميع حتى اليوم يعد أكبر حجة ودليل على صحة النص المنزل) لمزيد الاطلاع ؛ انظر : http://www.mediafire.com/view/7inq8d2qpbggwww/ أما الحديث عن منهجية حفظ السنة وكتابتها وتوثيقها فيأتي في الدرجة الثانية من هذه المنهجية الفذة التي طبقت في حفظ القرآن الكريم وكتابته وتوثيقه. ولا شك في أنها خبرة راسخة ومهارة بارعة وسابقة معتبرة وذات قيمة كبرى ومعادلة مهمة بصفتها المرجعية الأساس التي انطلق منها المسلمون في توثيق السنة لا سيما أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) حث عليها وقرنها بالقرآن الكريم كونها الشطر المتمم له بقوله : ( ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) وقوله : (إني تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما، كتاب الله وسنتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) كذلك حذر تحذيرا شديدا من أمرين عظيمين: أولهما : ترك السنة والزعم بأن القرآن يغني عنها. والآخر : النهي الشديد والوعيد الشديد في حق من كذب عليه متعمداً. لذلك فقد أولى الصحابة والتابعون الحديث جل الاهتمام والعناية فحفظوه وتناقلوه مشافهةً بصدق وبغاية الأمانة والضبط والدقة والحرص والحذر لئلا ينسب أحد للرسول (صلى الله عليه وسلم) ما لم يقل ولئلا يكتم علماً هو مأمور بنشره وإذاعته وبلاغ الناس به عن الهادي البشير. حتى إذا وقع الكذب بادروا بالسؤال: ( سموا لنا رجالكم ) وبدأت العناية بالأسانيد ومن المعلوم بالضرورة أن العناية بالسند عناية بالمتن ولا صحة لما روجه بعض المستشرقين من عناية علماء الحديث بالسند دون المتن، بل اعتنوا بهما معاً وتوجه النقد للسند والمتن للتحقق من صحتهما ونشأت لذلك علوم متخصصة وبارعة وغير مسبوقة مازت غير الصحيح من الصحيح وصُنفت المرويات موسومة بمنزلتها ودرجتها من الصحة والوضع وأسس علم الجرح والتعديل لبيان حال الرواة وسُكَّت المصطلحات المتخصصة حتى نشأ وتكون للحديث علماً متخصصاً غير مسبوق في العلوم الإنسانية اعتبره النقاد المنصفون تاجاً على رأس الأمة الإسلامية أفاد منه المنهج النقدي الحديث. أما الوضاعون والقصاص والمذكرون والمتأولون الذين درجوا على الكذب في الرواية تحت مقولة نكذب له لا عليه فكل أولئك رصدت رواياتهم وصُنفت في كتب ومصنفات موسومةً بمنزلتها من درجات الصحة وعدمها. هذه الحقيقة لا يجهلها المستشرقون الذين درسوا مناهج المحدثين في كتابة الحديث وتصنيفه ولا يجهلون تلك الصفحات البيضاء والجهود العلمية المبدعة، بل أشادوا بها وأشادوا بجهود البخاري ومسلم وغيرهما من علماء الحديث، لكنهم وبخاصة ( جولزيهر ) المرجع الأول عندهم في دراسات الحديث تطرف في موقفه من نتائج تلك الجهود وكأنها لا تكفي لمعرفة الصحيح من السنة. فقد طبق منهجاً متزيداً في قبول الصحيح من حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) وعلى الرغم من كونه لا ينكر الصحيح من الحديث، إلا أنه جعله ملتبساً بالموضوع وكأن المسلمين مازالوا بحاجة لمنهج علمي لمعرفة الصحيح وفرزه والنتيجة المباشرة لهذا المسلك هي عدم الثقة في الحديث جملةً وتفصيلاً لكن جاء من بعده المستشرق ( فيتز جيرالد ) فنقض دعواه ومقت تزيده وبين أن المنهج النقدي الغربي تجاوز منهجه وأنه قد تراجع هو نفسه، كما سبق الإشارة إلى ذلك في مقال سابق. الطريف أن الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - أجرى مقارنات في سند المرويات في الحديث مع سند الكتاب المقدس فوجد أن أسانيد الكتاب المقدس عند أهل الكتاب توازي سند الموضوعات في الحديث عند علماء الحديث ولا غرو فهذا ( وليم باركلي) في نقده لتوثيق الكتاب المقدس يقول : ( إن المتشابهات التي أثارتها التعاليم والإلحاقات التي أدخلت على الكتابات المسيحية بعد عيسى عليه السلام التي حولت عيسى من شخصية بشرية إلى شخصية إلهية، ظلت كتابات وإلحاقات وتعاليم قابلة للتعديل بالحذف والزيادة حتى (٤٠٠ ) ميلادية، وهو تأريخ أول طبعة رسمية للعهد الجديد بالطبعة السريانية المعروفة باسم (البيشيتو ) وظلت قانونية العهد الجديد مجال أخذ ورد وحذف وإضافة ولم تستقر على حالتها الراهنة إلا بعد قرار مجمع (ترنت) سنة ١٥٤٦م فجاء هؤلاء العلماء ليجدوا أمامهم تراثاً هشاً غير متناسق ضعيفاً في إسناده التاريخي وقابلاً بذاته للشك والتفنيد). عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة سابقا - الرياض
مشاركة :