يحلّ فخامة الرئيس اللبناني العماد ميشال عون ضيفاً على الكويت يوم الأحد المقبل في زيارةٍ «سريعة» يُجْري خلالها محادثاتٍ مع سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد وكبار المسؤولين تتناول شؤون المنطقة وشجونها «الكثيرة»، قبل أن يلتقي الجالية اللبنانية ليعود يوم الاثنين الى بيروت. وعلى الطريق من لبنان الى الكويت، وفي الاتجاهين، أَوْجُهُ شبهٍ وحبٍّ متبادلٍ وعرفانٍ بالجميل وأحلامٌ بجوارٍ مستقرٍّ وبحياةٍ لا يعكّرها «الإقليم» وكوابيسه وباطمئنانٍ للأوطانِ الصغيرةِ، أوطانِ الآمال الكبيرة... فعلى هذه الطريق تَعْبُر العلاقات الكويتية - اللبنانية بأقلّ خسائر ممكنة في زمنٍ عربي لا يعرف الربح. في القصر المسترخي على التخوم الشرقية لبيروت، خصّ «فخامة الجنرال» «الراي» بلقاءٍ مطوّل و «من القلب الى القلب» لمناسبةِ زيارته الكويت ... هذا القصر الذي خَرَج منه الجنرال عنوةً في يومٍ من الأيام قبل أن يعود إليه وبعد ربعِ قرنٍ رئيساً بقوةِ التسوية التي أخرجتْ لبنان من مَهالَكَ الفراغ وأعادتْ الروح الى مؤسساته. الرجلُ، الذي وصل أخيراً الى ما حارَبَ من أجله طويلا، لم يتعب، وها هو أطفأ الشمعة الأولى من عهدٍ قلْبُه على الاستقرار في بلادٍ كأنها دائماً على حافة الهاوية، وعيْنُه على منطقةٍ تَفْتَرِسُها النيرانُ التي يصيب وهْجُها «الوطنَ الصغير» بأعبائه الكبيرة. من علاقةِ الصفر شوائب مع الكويت و«لغم» خلية العبدلي، الى ما يتربّص بمستقبلِ الجوار السوري، ومن «الغيوم الملبّدة» مع دولٍ خليجية إلى أزمة النزوح السوري وأكلافها، ومن حصاد «سنة أولى عهد» الى التسوية السياسية الصامدة، ومن تهديدات اسرائيل الى الأمن المَمْسوك في الداخل ... مَحاور لحوارٍ مع الشخصية التي تفاخر بأنها ... «لا تُتَوَقَّع». وفي ما يأتي نص الحوار: • تزورون فخامتكم الكويت التي يحتلّ لبنان وعلى الدوام مكاناً بارزاً في قلبها وعقلها... ماذا تحملون الى الكويت في زيارتكم وهي الأولى للبلاد منذ تَسلُّمكم مقاليد الحُكْم في لبنان؟ - أولاً وقبل أيّ شيء نحمل صداقتنا، فروحُ التعاون بيننا وبين الكويت معروفةٌ وراسخةٌ وتعود لأزمنةٍ غابرة منذ أن قامتْ علاقات مباشرة بين بلدينا. فالتعاون السياسي بين لبنان والكويت كان دائماً على ما يرام والحضور الكويتي في ربوعنا علامةٌ مميّزة، هكذا كان وهكذا نريده دائماً. العلاقات بين لبنان والكويت لم تشبها أيّ شائبة في أيّ يوم من الأيام، ونحن نؤكد تصميمنا على ديمومة هذا الصفاء وعلى تطوير تلك العلاقات، فما يهمّنا يهمّ الكويت وما يهمّ الكويت يهمّنا. • تربطكم علاقة قديمة بسمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد تعود لأيام المساعي لوقف الحرب، وهو الذي كان «خيْر نصيرٍ للبنان في الظروف الصعبة» بحسب قولكم... ماذا عن هذه العلاقة؟ - تربطنا بصاحب السمو علاقةٌ مميزة وقديمة تعود لأيام اللجنة السداسية في تونس. ففي تلك الاجتماعات أَظهر سموّه تَعاطُفاً حيال الأزمة اللبنانية، وكنا على تَفاهُمٍ بعدما تأكد من بعض الوقائع في الأوضاع التي كنا نواجهها آنذاك، وكان مقتنعاً بأننا أصحاب حق. وهو بذل جهوداً كبيرة لكن لعبة القوى الدولية كانت ضدّنا، فعطّلوا اللجنة السداسية وعمدوا الى تشكيل لجنة ثلاثية أكدت هي الأخرى على ما خلصتْ اليه السداسية وهو كان في مصلحتنا. اغتاظ الاميركيون من هذا الوضع وعُقد لقاء بين وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل ووزير الخارجية الاميركي جيمس بيكر، فجرى نقاشٌ بينهما انتهى الى ما يشبه فرْض بيكر تغيير نتيجة تقرير اللجنة الثلاثية الذي كان وصل إلينا، قبل ان يتمّ تغييره. • لا شك في أن علاقتكم بسمو الأمير وبالكويت مميّزة... ما الذي تتوقّعونه من زيارتكم؟ - ستكون الزيارة مناسبةً لمناقشة العلاقات اللبنانية - الكويتية والرغبة الدائمة في تطويرها خدمةً لبلدينا وشعبينا، والتداول بالقضايا ذات الاهتمام المشترك. فالأوضاع الراهنة في العالم العربي تعنينا ونتأثّر بها كوننا جزءا من المشرق العربي، فالمنطقة مضطربة وهو الأمر الذي ينعكس علينا، فكل طرقنا في اتجاه الخليج مقفلة (بسب الأحداث في سورية). • هل تتوقّعون عودة العلاقات مع دول الخليج الى سابق عهدها؟ - ليست لدينا عداوة مع أحد. على العكس نسعى دائماً من أجل أن تكون علاقاتنا مع الجميع في أفضل حال، تماماً كما هي مع الكويت، وكما تسعى الكويت اليه دائماً تجاه لبنان وغيره من الأشقاء العرب. فها هو سمو الأمير يقوم بالمساعي الحميدة للتوفيق بين المُخْتَلِفين في الخليج، ونحن بالمناسبة نشجّع هذا الدور ونتمنّى له التوفيق. في خطابي في اجتماع القمة العربية دعوتُ كل العرب للجلوس حول طاولةٍ مستديرة لمناقشة مصالحهم الحيوية حتى نحترم تلك المصالح ونتصالح، لكن للأسف كانت حرارة الأحداث مرتفعة ولم نستطع إطفاء أيٍّ منها، والأمور ما زالت مستمرّة في المنحى عيْنه، بل ازدادتْ أكثر، بعدما أُضيفت اليها القطيعة مع قطر. • رغم ان العلاقات اللبنانية - الكويتية تشكّل نموذجاً بين بلديْن شقيقيْن، فإنها عانتْ أخيراً من «وعكةٍ» سببها ارتباط «حزب الله» بقضية «خلية العبدلي»... هل تحملون الى الكويت ما يُطَمْئنُها؟ وأين أصبحت معالجات هذا الملف؟ - نحن وبالتأكيد حريصون على أمن الكويت كحرصنا على أمن لبنان، اذ بالفعل يجب ان نُبقي العلاقة بين لبنان والكويت بمنأى عن أي شائبة وأن تكون سليمة مئة في المئة، الى ان جاءت هذه القضية. ونحن كلّفنا الأجهزة الأمنية بالبحث عمّن وردتْ أسماؤهم ويبدو أنهم غير موجودين هنا، فلم نكتشف وجودهم، لكن تعليماتنا الدائمة هي متابعة هذه القضية وإن شاء الله نتوصل الى القبض عليهم. وثانياً، طبعاً إذا صحّ - باعتبار انه لم يتمّ توقيفهم بعد - ان هؤلاء انطلقوا من لبنان... • فخامة الرئيس التهمة الموجَّهة إليهم أنهم تلقّوا التدريبات في لبنان. والخارجية الكويتية كانت سلّمتْ لبنان رسالة احتجاجٍ على تَورُّط «حزب الله» في «خلية العبدلي» الإرهابية وتَدخُّله في شؤون الكويت وتهديده لأمنها واستقرارها، وعبّرت عن انزعاجٍ شديد من ان بعض إرهابيي «خلية العبدلي» تَدرّبوا في لبنان؟ - نحن منزعجون أيضاً إذا كانوا انطلقوا من عندنا. ومصرّون على اتخاذ الإجراءات في حال كان أحدٌ موجود هنا. ألم تقبض دولة الكويت عليهم جميعاً؟ • ألقي القبض على الجميع باستثناء المتهَم الرئيسي الفارّ الذي لا يُعرف اذا كان موجوداً في لبنان أو إيران أو غيرهما...؟ - ليس عندنا، فلبنان بلد صغير والناس على معرفة ببعضهم البعض. ولكن أقول ليس عندنا الى الآن، ولا يمكن ان أنفي بشكل مطلق إمكان التخفي، فاليوم هناك هويات مزوّرة، ولا يمكن التواري الى الأبد، لكن سنكون بالمرصاد. بالأمس هرب من مخيم عين الحلوة اثنان من الإرهابيين ببطاقاتٍ مزوّرة وتم تغيير مظْهرهما كما فعل سابقاً أحمد الأسير الذي حاول الفرار عبر المطار، لكن بفضل المتابعة أُلقي القبض عليه. • تحدثتْ تقارير صحافية عن مشكلة ما في مسألة تعيين سفير جديد للبنان في الكويت بسبب تَحفُّظ الكويت عن الاسم المقترح... هل هذه المسألة قيد المعالجة؟ - لم يُرسل للكويت اسمٌ لسفير لبناني جديد بسبب ما بَلَغنا من تحفظات وتماشياً مع رغبة الكويت، وهذه المسألة ستُحل. • هل تعتزمون طرْح قضية النازحين السوريين في لبنان خلال زيارتكم للكويت التي كانت استضافتْ مؤتمراً للدول المانحة؟ - بالطبع سيُطرح هذا الموضوع، فنحن نستقبل ما يوازي نصف سكان لبنان. والاكتظاظ على مساحة لبنان الصغيرة يولّد مشكلات كبيرة، فالنازحون يعيشون في ظل أوضاع لا تليق بالانسان، ولديهم حاجات كثيرة ما يتسبّب بظواهر مُقْلِقة متزايدة من أحداثِ سطوٍ وقتْلٍ وسلْب وغيرها. ولا يمكن إنكار ان لبنان بات يواجه مشكلات أمنية بسبب وجود طبقة فقيرة دخلتْ علينا، ناهيك عن أن مواردنا محدودة ونعاني أزمات متعددة. فبداية الأحداث (في العالم العربي) صودفت مع أزمة عالمية جعلت النمو سلبياً في الدول الأوروبية، ونحن نتأثّر جراء علاقاتنا الاقتصادية والتجارية مع الغرب، ثم جاءت الحرب في الجوار (في سورية) فأقفلت طرق التواصل مع الدول العربية عبر البرّ، الى ان دهمتْنا أزمة النزوح والتي كانت أشدّ تأثيراً علينا اقتصادياً ومادياً. •... هذه اضافة الى تحدي الإرهاب الذي واجهه لبنان على حدوده؟ - طبعاً، والحمد لله لقد قضينا على الإرهاب في معركةٍ عسكرية حقّق خلالها جيشنا انتصاراً باهراً، وما زالت هناك خلايا نائمة نقوم بتفكيكها وإلقاء القبض على رؤوسها وأفرادها عبر الجهد الاستباقي الذي تبذله مؤسساتُنا العسكرية والأمنية، فها نحن تمكنّا من شلّ قدرة الإرهاب ومنْعه من الحركة عبر اكتشاف خلاياه النائمة والانقضاض عليها قبل ان تحقق مخططاتها. • بالنسبة الى الوضع السياسي في سورية، كأن هناك تفاؤلاً بأن الأزمة على طريق الحلّ، ولكن ألا تخشون ان هذا الحلّ قد يقوم على أساس تقسيم سورية؟ - هناك دولٌ كبرى تريد التقسيم، وهذا أمرٌ تعبّر عنه تقارير في الصحف الأميركية خصوصاً. ولكن في المرحلة الأخيرة، أعتقد أن ما حصل في العراق أَبْعَدَ شبح التقسيم عنه. ومسعود البارزاني نفسه صرّح «ان أميركا تركتْني». ويمكن اعتبار ذلك انكساراً لفكرة التقسيم. وفي سورية حيث تُطرح ايضاً مسألة الأكراد، أعتقد ان الخطّ الدولي الأكبر بات ضدّ التقسيم. وفي رأينا ان التقسيم يزيد الكراهية بين الناس على عكس التعايش الذي سيجعلهم، بحال نجحوا في بلوغه مجدداً، يعيشون أكثر معنى التآلف ضمن الاختلاف. ونتمنى ألا يحصل أي تقسيم لأن من شأن ذلك ان يُفْقِد الدول العربية قوّتها وتَضامُنها، فنصبح كتلة ضعيفة. • قبل يومين صدرتْ تصريحات اسرائيلية تهدّد لبنان. هل تتوقعون حرباً اسرائيلية على بلدكم؟ - لا أعتقد ان هناك حرباً لأن اسرائيل لن تربح مثل هذه الحرب. فكل اللبنانيين مستعدّون لمقاومتها. صحيح اننا بلد صغير، ولكننا أرسينا مجدداً وحدتنا الوطنية التي ترتكز في أحد جوانبها على رفْض كل اللبنانيين أن يعتدي أحد على بلدهم. • تتزامن زيارتكم الى الكويت مع مرور سنة على تولّيكم سدة الرئاسة في لبنان. إذا أردتم تقديم «جرْدة» بأبرز الإنجازات في «سنة أولى» من العهد، رغم ان هذه الفترة الزمنية قصيرة وفخامتكم انتُخِبْتم في مرحلةٍ ترزح البلاد تحت أعباء كبيرة على أكثر من صعيد؟ - إنهاء الشغور الرئاسي في ذاته شكل إنجازاً، الى جانب ما استتبعه من تشكيل حكومة وحدةٍ وطنية. وخلال هذه السنة تَحقق أمرٌ بالغ الاهمية لطالما كان مطلباً رئيسياً ويتمثّل في إقرار قانون انتخاب جديد، والأهمّ انه يقوم على نظام الاقتراع النسبي الذي لم يسبق ان اعتُمد في لبنان والذي يسمح بعدالة التمثيل داخل الطوائف وحُسن التمثيل السياسي لمختلف الأحزاب والتيارات والفئات. وهذا القانون يجعل الانتخابات التي ستجري في مايو المقبل تكتسب أهمية خاصة، وهي ستحصل في موعدها. كما نجحنا في السنة الأولى من العهد في بتّ مجموعة ملفات كانت عالقة منذ فترة طويلة بفعل التجاذبات السياسية، ومنها التشكيلات الديبلوماسية والقضائية وتعيين أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي كان عمله معلّقاً منذ نحو 15 عاماً، وغيرها من تغييراتٍ طاولت مؤسسات رقابية وقطاعات ادارية (ولا تزال مستمرّة). وكل هذا كان ضرورياً في الطريق لإنهاء حال الترهل التي قبضت على المؤسسات التي وضعناها على سكّة اصلاحية لأنها جزء أساسي من بنية الدولة. طبعاً لبنان، كما الكويت، دولة ديموقراطية، ويشهد برلمانها نقاشات ساخنة، كما يسود الحكومة أخْذ وردّ لا يخلو من الحدة أحياناً بين الوزراء، ولكن في النتيجة نصل الى التفاهم المطلوب، لان الأهمّ في نهاية النقاشات اتخاذ القرار الأنسب وليس إدخال البلاد في حلقة من العجز عن الإنجاز. فالمؤسسات دورها ان تكون مُنتجة وهذا يقتضي القدرة على تحويل التباين في الآراء حول هذا الملف او ذاك فرصة لبلوغ القرار الأفضل الذي يراعي الدستور والقوانين والمصلحة العامة. • غالباً ما تتعرّض التسوية السياسية التي أعادتْ انتظام عمل المؤسسات في لبنان الى اهتزازاتٍ ولكن من دون ان تقع... ما سرّ صمود هذه التسوية وهل تعتقدون أنها تملك ما يكفي من الحصانة وصولاً الى الانتخابات النيابية؟ - أكيد. لأن هذه التسوية لها مرتكزاتٌ، أبرزها عدم التعرض للمعتقد السياسي للأفراد او الجماعات - وفي لبنان حرية المعتقد يكفلها الدستور بمختلف جوانبها السياسية والدينية والفردية - واحترام حقّ الاختلاف في الرأي الذي يسمح نتيجة تَعدُّد الافكار والطروحات بالوصول الى قرارات أكثر صوابية مما لو كنا أمام أحادية في التفكير او القرار. وطبعاً هذا شرطه القدرة على التفاهم كما سبق ان ذكرتُ، لان العكس يعني شلّ المؤسسات ووقْف عجلة الدولة. وثمة مرتكزٌ أساسي في التسوية عنوانه استبعاد «العنف» في التعاطي بين بعضنا البعض ووضْع نصب عيوننا بناء لبنان على قاعدة الـ «لا عنف» والتفاهم على حفْظ أمن بلدنا بإزاء أي تهديد يتعرّض له من اي جهة. وبالنسبة الى علاقاتنا مع الدول العربية، فهي محكومة بالحرص عليها أشدّ الحرص مع حرصٍ موازٍ على وحدتنا الوطنية واعتماد الحياد حيال أشقائنا العرب بحال كان هناك خلاف بين شقيق وآخر، والاستعداد لتوظيف أّي كلمة طيبة في سبيل التشجيع على العودة الى التوافق والسلام. • قال الرئيس سعد الحريري في إحدى المرّات: «ليتنا انتخبنا العماد عون العام 2008». وهناك انطباعٌ، ان ثمة «كيمياء» مستجدة بينكم وبين رئيس الحكومة. فماذا تقولون عن هذه العلاقة؟ - من الأساس، وحتى عندما لم نكن متفقين سياسياً لم ينقطع التعاطف على المستوى الشخصي. ولديّ نوع من الغيرة على سعد، لانه بدأ باكراً مسيرته السياسية بعد استشهاد والده، وهو طيّب القلب ولديه إرادة لخدمة لبنان. بمعنى اننا نلتقي معه على الأهداف نفسها. البعض يلوم الرئيس الحريري على انه لا يَدخل في مشاكل معي، وأنا أتعرّض للوم في السياق نفسه (يضحك)، اي انهم يلوموننا لأننا متّفقان. • التسوية السياسية قامتْ على تحييد الملفات الخلافية. هل يمكن القول انكم تشكّلون ضمانة لعدم خروج أطراف التسوية عن مندرجاتها؟ - بالتأكيد. وربما يعمد هذا الحزب او ذاك قبل الانتخابات النيابية، اي لأسباب انتخابية، الى محاولة إثارة القلاقل سياسياً، ولكن التسوية صامدة والأمن لن يهتزّ. ونحن ماضون في القيام بما يلزم لترسيخ الاستقرار. والأمن يشكل ضمانة للجميع وهو ركيزة الاستقرار. ويمكن القول ان لبنان ينعم باستقرار أمني أكثر مما هو الحال في الدول الاوروبية. وإذا أضفْنا الى الأمن أن القضاء صار ضمانةً لكل اللبنانيين بفعل التعيينات والتشكيلات التي أنجزناها، يمكن القول إنه مع التسوية التي تشكل مظلة سياسية، فإن هذا الأمر يهيئ بيئة مناسبة لجذب المستثمرين. وفي هذا السياق يجب الإشارة الى العمل الجدي الذي يجري لتطوير البنية التحتية، وخلال أيام سيتم تلزيم عملية التنقيب عن النفط. ورغم التعثر في ملف الكهرباء فإن الجهد منصبّ أيضاً على بتّ هذا الملف. • الى اي حد فخامتكم تعتقدون أن بالإمكان الحفاظ على التسوية بإزاء ملفات خلافية تَظهر التباينات حيالها علناً، مثل التطبيع مع سورية؟ - نحن نحافظ على خط التوافق ولن نفترق كلبنانيين حول هذا الملف (التطبيع مع سورية) ولن أدخل فيه. ولكن لدينا مشكلة تتمثّل في قضية النازحين السوريين الذين يناهز عددهم 1.6 مليون نازح، وفق إحصاءات اوروبية تبلّغتُها من المعنيين يوم الاثنين. وهذه صارت مشكلة لبنانية نحاول ان نعالجها مع المجتمع الدولي. وحتى الآن لم نصل الى نتيجة. ولاحظْنا ان ثمة استعداداً سورياً لحلول ثنائية لهذا الملف، وهذا ما حصلت معارضة داخلية له وتوقّف الأمر. والآن، هل سيكون بمقدورنا ان نتحمّل المزيد من أعباء هذا الملف المُكْلف على مختلف المستويات في ظل عدم وجود استعداد دولي لإيجاد حلّ له في الوقت الحالي؟ هذا سؤال كبير، علماً ان واقعنا المالي والاقتصادي لم يعد يسمح لنا بمزيد من الاستنزاف. فنحن بلد لم تتجاوز نسبته النمو فيه 1.1 في المئة، وتالياً لا يمكنه تحمل أعباء مادية اضافية، وليس خافياً على أحد حجم الدين العام الذي يثقل كاهله. • ثمة رغبة لبنانية بأن تضطلع روسيا بدور في ملف النازحين على قاعدة ضمان إعادتهم الى مناطق خفْض التوتر. هل لمستُم استجابةً من موسكو في هذا السياق؟ - لا أعتقد انه ستكون هناك استجابة في هذه المرحلة. اجتمعتُ قبل مدة بسفراء الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن ومعهم سفيرة الاتحاد الاوروبي ومندوب الجامعة العربية وممثلة الأمين العام للامم المتحدة في لبنان. وثمة اختلاف في الرأي معهم، فهم يقولون ان الأمن الشخصي للنازحين غير مضمون في سورية ويريدون انتظار الحلّ السياسي لإطلاق مسار العودة مع تأكيدهم عليها. في المقابل لدينا وجهة نظر مغايرة تنطلق من ان سورية تشهد مصالحات في مناطق عدة، ومَن يختار البقاء فيها يبقى، ومَن يفضّل المغادرة ينتقل الى حيث يريد، وغالبة هؤلاء يتوجهون الى ادلب. ومن هنا قلنا للمجتمع الدولي ان هذا يحصل مع المقاتلين فكيف بالحري مع مدنيين؟ علماً ان بينهم مَن يذهب الى سورية ويعود الى لبنان. وأحْدثُ التقارير التي تلقيتُها عن عدد النازحين لشهر أكتوبر تشير الى ان العدد ارتفع. وثمة أشخاص يأتون ومعهم بطاقات نازحين ويأخذون مساعدات، ثم يذهبون للعمل في سورية ويعودون نهاية الشهر لتقاضي ما هو مخصص للنازحين. على الأقل هذه الفئة يمكن ان تبقى في سورية، ونحن لا نتحدث أبداً عن إجبار معارضين للنظام على العودة عبر دفْعهم بالقوة الى ذلك، بل عن عودة تدريجية تبدأ أقلّه بالذين يدخلون الى سورية ويعودون الى لبنان. • في موضوع السياح الخليجيين، هل هناك تَصوُّر لطمْأنتهم؟ - لو كان هناك أي خطر لكنتُ اول من دعاك لعدم المجيء. ولكن لا توجد مخاطر على السياح الخليجيين ولا غيرهم وهم مرحّب بهم في بلدٍ لطالما احتضنهم على قدر محبّتهم له. • لكن من الواضح ان العلاقات اللبنانية - الخليجية الى حد ما ليست على ما يرام؟ - بأي معنى؟ • من الواضح ان ثمة حال تشنج في المنطقة... وبعض الخليجيين يعتقدون بصراحة ان «حزب الله» هو المتحكم بلبنان وان سيطرته الأمنية على بيروت والبلد تجعلهم يخشون المجيء. وحتى ان بعضهم يخاف ان يكون كتب اي مقال او رأي يتناول الحزب أو إيران ما قد يعرّضه للخطف او ما شابه؟ - لا يمكن ان تسأل شخصاً لماذا هو خائف؟ انه خائف، ولكن ما أقوله إن هذا الخوف ليس في محلّه، لان الحركة الأمنية الداخلية ممنوعة على اي حزب. والحمدلله لم يقع أي حادث يعكّر أمن السياح هذه السنة، اذ شهدنا مجيء سعوديين وإماراتيين. والكويتيون يأتون الى لبنان دائماً ولا يتعرّضون لأي مخاطر. وسأقولها بكل وضوح، أي جريمة سياسية يتعرّض لها كويتي او غيره في لبنان، فهذا بالنسبة لنا أمر غير مقبول وعقوبته تصل الى الإعدام. ولا تَهاوُن في مثل هذه المسائل الحساسة. • أي تؤكدون ان الأمن ممسوك في لبنان ولا يمكن لأي حزب ان يتعرّض لأي مواطن خليجي؟ - طبعاً. علماً ان حصول أمر من هذا النوع من شأنه التسبّب بحال حرب داخلية في لبنان. • هل انتم واثقون من قدرتكم على جعل لبنان يتجاوز هذه المرحلة الصعبة في ظل التوتر الاقليمي؟ - إذا اخذتَ الواقع في العام 2014، كانت «الصواريخ» الكلامية تهزّ المشهد السياسي لدرجة الاعتقاد ان لبنان سيحترق بخلاقات أفرقائه السياسيين. ورغم ذلك، تجد اليوم ان التفاهم مستمرّ على حرية كل فريق سياسي في اتخاذ خياراته وتحالفاته ولكن «ممنوع» اللجوء الى العنف او القوة لحل اي خلاف سياسي. وهنا أعتقد ان الدور الذي لعبتُه في هذا السياق أَوصلني الى رئاسة الجمهورية واستطعتُ تكريس وضْع حد لكل مسارٍ عنفي في الداخل والتزام قواعد اللعبة الديموقراطية في الاختلاف بالرأي والتعبير عنه، ولكن على قاعدة بقاء الجميع في الحكومة وتفادي اي مسارات تشلّ المؤسسات وتحوّل الخلافات حول هذا الملف او ذاك مدخلاً لأخذ الحكومة وقضايا الناس رهينة. • أحياناً هناك انزعاج خليجي نتيجة ان بعض الأطراف في الداخل توجه إساءات لدول خليجية؟ - الخليجيون يأتون الى لبنان وربما ثمة مناطق لا يحبّذون ان يقصدوها، ولا احد يجبرهم على زيارتها. ولكن المناطق التي يحبون ان يسكنوا فيها او يتواجدوا فيها كلها مصدر ارتياح لهم. • الكويتيون من باب الطمع في حبّ لبنان وأهله يرغبون في الانخراط بالدورة الاقتصادية لا مجرّد المجيء كسياح الى لبنان، الى متى سيبقى تحديد ملكية الكويتي العقارية خارج بيروت؟ ولماذا لا تحصل استثناءات تشجيعية في هذا المجال؟ - هذا الأمر يحتاج لتعديل القانون الذي يحدّد النسب المئوية للبيع، ونحن أمام مشكلة أخرى في هذا المجال. فبعض الإخوة العرب اشتروا أراضي ولم ينفذوا مشاريعهم، يأخذون الأرض للبناء على أساس رخصة لخمس سنوات بحسب القانون الذي ينص على استرداد الأرض في حال لم يُنفذ مشروع البناء. وتفادياً للمشكلة، مددنا الرخص لخمس سنوات اضافية. لذا نتمنى تنفيذها، اضافة الى ان هناك الكثير من المباني التي يملكها كويتيون ما زالت خاوية. هكذا هو الحال في مار تقلا وبعبدات وسواهما. نريد رؤية هذه المباني والفلل عامرة، وقد اتخذنا تدابير أمنية في إطار عقدٍ اجتماعي نرعاه وهو ان ما من أحد يعتدي على أيّ زائر عربي مهما كانت الخصومة او حتى العداوة وفي أي حال من الأحوال.
مشاركة :