الآن صار على مصر أن تتوقف عن دور حارس المعبر بقلم: أحمد أبو دوح

  • 11/2/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

بناء نفوذ استراتيجي في أكثر الملفات حساسية في المنطقة يحتاج إلى التأثير في الحياة اليومية للناس في أصغر القرى والبلدات والمدن، وتحويل مزاج هؤلاء الناس في اتجاه يحقق مصالح القوة التي تبحث عن النفوذ.العرب أحمد أبو دوح [نُشر في 2017/11/02، العدد: 10800، ص(9)] انتهت القضية ولم يعد أمام مصر حجة بعد ذلك. تسلم السلطة الفلسطينية إدارة معابر قطاع غزة رفع أي حرج (أو حجج) عن قيام مصر بالدور الاستراتيجي المنتظر منها في غزة. الطريقة التي كانت تنظر بها القاهرة إلى غزة خطأ منذ البداية. لم يكن مفهوما التعاطي مع القضية الفلسطينية باعتبارها ملفا مصريا خاصا، وفي الوقت نفسه اعتبار غزة كيانا مستقلا عن تفاعلات الموضوع برمته. مصر كانت تعمل على تحويل غزة إلى منطقة عازلة بينها وبين ممارسة نفوذ حقيقي في فلسطين. هذا يعود في مجمله إلى رؤية قاصرة تبناها نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك. مبارك كانت له حساسية خاصة تجاه غزة. لم ير المسؤولون المصريون وقتها في القطاع سوى مصدر للمشاكل التي لا تنتهي، حتى من قبل الحرب الأهلية عام 2006. هذه الاستراتيجية حولت مصر إلى حارس البوابة الغربية لغزة، بدلا من أن تكون غزة حارس البوابة الشرقية لمصر. لم يكن القطاع يملك أدوات التصرف كدولة مستقلة، لكنه مع الوقت وجد نفسه مجبرا على ذلك. بناء نفوذ استراتيجي في أكثر الملفات حساسية في المنطقة يحتاج إلى التأثير في الحياة اليومية للناس في أصغر القرى والبلدات والمدن، وتحويل مزاج هؤلاء الناس في اتجاه يحقق مصالح القوة التي تبحث عن النفوذ. انظر إلى إيران مثلا. البعد الجغرافي لم يجعل فلسفة التوسع الإيرانية تقف عند الأطراف، بل امتد التأثير حتى وصل إلى أعماق المغرب العربي وغرب أفريقيا. هذا يتم عبر مقاربات اجتماعية واقتصادية وأمنية ودينية وثقافية. استراتيجية مصر في معالجتها لملف غزة فشلت في تحقيق أي من البنود السابقة. المسؤولون المصريون لم تكن لديهم أي ثقة في قدرتهم على الدخول بثقل والتأثير في الواقع السياسي والاجتماعي لنحو مليوني نسمة. قبل ثلاث سنوات لم يأخذ المسؤولان المصريان الكبيران، اللذان كنت أتناول فنجان قهوة معهما في وسط لندن، كلامي على محمل الجد، عندما طرحت عليهما سؤالا بسيطا هو: لماذا لا تنقلون معركة الدفاع، المتجسدة في غلق الأنفاق مع غزة، إلى مرحلة أخذ المبادرة والبدء بتغيير أبعاد المعادلة السياسية داخل القطاع؟ الرد كان مفاجئا. لأول مرة كنت أسمع مسؤولا مصريا (استراتيجيا) يعترف بأن “مصر أضعف من ذلك”، وأن البلد “مازالت تعيش فترة نقاهة مما حدث لها”. وما الذي حدث لها؟ الذي حدث ببساطة هو أن ميليشيات تقلها سيارات دفع رباعي وتحمل مجرد أسلحة خفيفة تمكنت عام 2011 من اختراق الحدود واقتحام سجون وتحرير مجرمين وإرهابيين وقيادات لتنظيمات متشددة، وخرجت مرة أخرى وكأن شيئا لم يكن. المفارقة أن هذه الميليشيات، التي تقودها حركة حماس، جاءت من غزة. هذه الجرأة نتجت عن ترك غزة لتركيا وقطر وإيران لسنوات، دون أدنى مقاومة. المشكلة الحقيقية لم تكن في فترة النقاهة، لكن كانت في العقلية. المشكلة ستتحول إلى مأزق لو اكتشفنا أن هذه العقلية مازالت تدير الموقف اليوم في القاهرة. المعنى وراء ذلك هو أنه ليس منطقيا الاعتقاد بأن تسليم المعابر للسلطة الفلسطينية يعني أن المهمة انتهت، وأن على الجميع أن يعود إلى البيت. لو لم تعمل مصر على نقل ملف المصالحة إلى مرحلة التحكم الكامل في موازين القوى بين الفصائل الفلسطينية في القطاع، وضبط اتجاهات هذه الفصائل على الرؤى المصرية، فستكون كل الجهود الماضية بلا معنى. عمليا المعابر صارت في يد الرئيس الفلسطيني محمود عباس. المشكلة هي أن عباس لا يملك أي شيء يمكن أن يقدمه سوى النوايا الحسنة. قطر وتركيا وإيران لم تكن تعمل في أرض مهجورة طوال هذه الفترة. كل شيء، قبل الانقلاب في غزة، كان يتم تحت عيني السلطة. تسليم ملف غزة لعباس ونسيانه، يعني العودة إلى المربع الأول. معنى هذا المربع الأول أن مصر وغزة كيانان متساويان في الحجم وقوة التأثير. لنتذكر مرحلة ما بعد يوليو 2013. من كان يتخيل أن تستطيع حركة حماس أن تؤثر في أمن سيناء، وأن تدعم تنظيم الإخوان المسلمين، وأن تشن حربا إعلامية على القاهرة؟ هذه طبيعة الأشياء، وجوهر السياسة أيضا. الوضع كان أشبه بهذه المقولة العربية القديمة “إن لم يقس الأب على ابنه في الصغر، فسيقسو الابن على أبيه في الكبر”. حدث هذا لأن أحدا في مصر لم يفكر في الموقع الذي تقف فيه ولا ماهية دورها في الملف الفلسطيني خصوصا. هذا الموقع نتج عن اختصار الاستراتيجية المصرية تجاه القضية فقط في دفع المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. غزة لم تكن، بالنسبة للمصريين، سوى مصدر تهديد، خصوصا بعد تفجير فندق هيلتون طابا عام 2004. الحادث، الذي كان نقطة تحول في مسار الحركة الجهادية في سيناء، خلق أيضا علاقة “ما بعد الانتفاضة الثانية” بين مصر وغزة. هذه علاقة تقوم في جوهرها على الالتباس وانعدام الثقة. المصريون رأوا في غزة التهديد فقط، ولم يروا الفرصة. تُركت غزة منذ ذلك الوقت إلى درجة أنها لم تعد بالطبع جزءا من مصر، لكن مصر كادت تتحول إلى جزء من غزة بكل تعقيداتها وتشابكاتها الأمنية. ملامح هذه المعادلة، التي تبدو منذ الوهلة الأولى شاذة وغير منطقية، تحولت إلى واقع يومي في سيناء بعد الإطاحة بحكم الإخوان. الإرهابيون في سيناء لم تنشق عنهم الأرض فجأة بعد عزل محمد مرسي. من لا يفهم أن هؤلاء نتاج طبيعي لتراكم إهمال مصر للقطاع فلديه مشكلة. المسؤولان المصريان تعجبا كثيرا عندما سألتهما قبل ثلاث سنوات: كيف تتركون حماس تركض باتجاه قطر وتركيا من جهة، وإيران من جهة أخرى، دون محاولة جذبها نحو معسكر الاعتدال الإقليمي؟ ضحكا وقتها. اليوم الاستراتيجية نفسها التي كنا نتحدث عنها صارت قيد التنفيذ، وأحد هذين المسؤولين صار ضمن فريق يلعب دورا محوريا اليوم في تحويلها إلى حقيقة. كاتب مصريأحمد أبو دوح

مشاركة :