في الأشهر المقبلة ستتراجع أسعار الفائدة حتما وستبدأ الأموال بالانسحاب من النظام المصرفي وقد تنفجر فقاعة الأرقام البراقة المعلنة.العرب سلام سرحان [نُشر في 2017/11/03، العدد: 10801، ص(11)] تشير الأرقام المعلنة في النظام المصرفي بعد عام على قرار تحرير سعر صرف الجنيه المصري إلى حدوث انقلاب واسع في المؤشرات المالية، لكن تلك الأرقام يمكن أن تكون خادعة وقد تؤدي إلى انفجار فقاعة خطيرة في الأشهر المقبلة. فاحتياطات البنك المركزي من العملات الأجنبية تضاعفت على مدى عام لتصل إلى أعلى من المستويات التي كانت عليها قبل ثورة يناير 2011 وهي تزيد حاليا على 36 مليار دولار. وتشير بيانات المصارف إلى أنها استقطبت خلال العام أكثر من 37 مليار دولار من المدخرات التي كان الأفراد يحتفظون بها في منازلهم. كما ارتفعت تحويلات المصريين العاملين بالخارج من خلال الجهاز المصرفي بنحو 2.4 مليار دولار. ويلخص البنك المركزي حصيلة الدولارات التي تدفقت إلى النظام المصرفي بنحو 80 مليار دولار منذ تحرير أسعار الصرف في 3 نوفمبر الماضي. ويقول مصرف واحد هو البنك الأهلي إنه جمع 25.5 مليار دولار من شهادات الادخار. لكن الجانب الخطير يكمن في أن عوائد تلك الشهادات تصل إلى 20 بالمئة، وهو عائد خيالي قد يقوض النظام المصرفي عن سحبها مع عوائدها في المستقبل. ولا تكشف حمى الاقتراض الخارجي التي رفعت الإقراض الخارجي إلى 79 مليار دولار أي ما يعادل 33.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية يونيو، سوى جانب صغير من المشكلة لأن الفوائد المترتبة عليها تنسجم مع تصنيف مصر والمخاطر المترتبة على إقراض القاهرة. لكن المشكلة تكمن في ارتفاع الاقتراض المحلي بفوائد تصل إلى 20 بالمئة إلى ما يعادل 179.5 مليار دولار في نهاية يونيو أي نحو 91.1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. ويكمن الجانب الـمقلق في أن الأجانب تسللوا إلى إصدارات الدين المحلي وأقرضوا الحكومة نحو 18 مليار دولار بتلك الفوائد الباهظة، بحسب بيانات البنك المركزي. وبذلك تصل نسبة الدين العام الخارجي والمحلي إلى الناتج المحلي الإجمالي في مصر إلى نحو 125 بالمئة في نهاية يونيو وهي واحدة من أعلى مستويات الدين العام في العالم. ظاهر تلك الأرقام يشير إلى تحسن الثقة بالتوازنات المالية المصرية، لكن الكارثة تكمن في أن الفائدة على كثير من تلك القروض وشهادات الإيداع والادخار تصل إلى 20 بالمئة، أي أن القاهرة اندفعت في الاقتراض بفوائد باهظة تزيد بعشرة أضعاف على الفوائد المقدمة في أي عملة مستقرة في العالم. كان من المبرر أن تكون عوائد الأوراق المالية مرتفعة خلال السنوات الماضية حين كان الجنيه المصري يواصل التراجع مقابل الدولار والعملات الأخرى. لكن الأمر يختلف حاليا لأن سعر صرف الجنيه مستقر تحت حاجز 18 جنيها للدولار منذ نحو 6 أشهر. ومن غير المعقول في هذه الحالة أن تكون عوائد الأوراق المالية بهذه المستويات في ظل استقرار سعر صرف العملة المحلية. معظم مستثمري العالم يحلمون بجزء بسيط من هذه العوائد إذا لم تكن هناك مخاطرة كبيرة. وقد تتدفق مبالغ أكبر من ذلك بكثير إذا انتبه مستثمرون آخرون إلى هذه اللعبة المربحة بالنسبة لهم، لكنها تحفر في نهاية المطاف حفرة كبيرة للنظام المالي المصري. الأمر يشبه مفلسا يتفاخر بامتلاء جيوبه بمليارات الدولارات من القروض الباهظة التكلفة، دون أن ينتبه إلى أن المقترضين قد يطالبون بأموالهم في أي لحظة مع الفوائد المرتفعة. جذر المشكلة يكمن في الإصرار على تثبيت أسعار الفائدة في مستوى 18.75 بالمئة للإيداع وعند 19.75 بالمئة للاقتراض في ظل استقرار سعر صرف الجنيه مقابل العملات الرئيسية. فمنح تلك العوائد الهائلة للمودعين يكبد النظام المصرفي خسائر كبيرة، ويعطل في الوقت نفسه نشاط الاستثمار لأن ثمن الاقتراض باهظ ويثبط عزيمة المستثمرين على إنشاء مشاريع جديدة. في السنوات الماضية كان إبقاء أسعار الفائدة فوق 10 بالمئة مبررا في ظل ربط الجنيه بالدولار واستمرار انخفاض قيمته والفجوة الكبيرة بين سعر الصرف الرسمي وأسعار السوق السوداء. كيف يمكن زيادة الاستثمار إذا كان على أصحاب المشاريع الجديدة الاقتراض بفوائد تبلغ نسبتها 19.75 بالمئة، بل ويضاف إليها خدمة تصل في حدها الأدنى إلى 1 بالمئة، لترتفع تكـلفة الاقتراض إلى 20.75 بالمئة. هدف الحكومة من تلك الخطوة هو كبح جماح التضخم الناتج عن تحرير سعر الجنيه وخفض الدعم الحكومي، لكنه غير مبرر لأن التضخم السنوي المعلن يقارن الأسعار بما قبل تحرير أسعار الصرف وزلزال فقدان الجنيه لنصف قيمته فور اتخاذ ذلك القرار، والذي حدث مرة واحدة وانتهى الأمر. سنكتشف في ديسمبر حين يمر أكثر من عام على تحرير الجنيه أن التضخم سينخفض إلى نصف مستوياته الحالية. وسيكون من الحتمي خفض أسعار الفائدة وعوائد شهادات الادخار والسندات المحلية. حينها ستتكشف حقيقة اندفاع البنك المركزي لجمع الأموال السهلة بفوائد باهظة، وستبدأ الأموال بالانسحاب من النظام المصرفي، وتنفجر فقاعة الأرقام البراقة التي يعلنها النظام المصرفي حاليا. كاتب عراقيسلام سرحان
مشاركة :