الأمر يشبه مفلسا يتفاخر بأنه اقترض مليارات الدولارات بفوائد تصل إلى 20 بالمئة ويمكن أن يطالب بها المقترضون في أي لحظة مع الفوائد المرتفعة.العرب سلام سرحان [نُشر في 2017/10/07، العدد: 10774، ص(11)] تتفاخر السلطات المصرية منذ عدة أشهر بارتفاع تدفقات الأموال الأجنبية المستثمرة في سندات وأذون الخزانة المحلية وهي لا تدرك حجم الثمن الباهظ الذي تدفعه مقابل تلك التدفقات. وقد أعلنت وزارة المالية في الأسبوع الماضي أن رصيد استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية بلغ 18 مليار دولار منذ تحرير أسعار الصرف وحتى نهاية سبتمبر الماضي. ظاهر تلك الأرقام يشير إلى تحسن الثقة بالتوازنات المالية المصرية، لكن الكارثة تكمن في أن عوائد تلك الأوراق المالية تصل إلى 20 بالمئة، أي أنها اقترضت أموالا بفوائد باهظة تزيد بعشرة أضعاف على الفوائد المقدمة في أي عملة مستقرة في العالم. كان من المبرر أن تكون عوائد الأوراق المالية مرتفعة خلال السنوات الماضية حين كان الجنيه المصري يواصل التراجع مقابل الدولار والعملات الأخرى. لكن الأمر يختلف في مصر حاليا لأن سعر صرف الجنيه مستقر تحت حاجز 18 جنيها للدولار منذ نحو 6 أشهر. ومن غير المعقول في هذه الحالة أن تكون عوائد الأوراق المالية بهذه المستويات في ظل استقرار سعر صرف العملة المحلية. معظم مستثمري العالم يحلمون بجزء بسيط من هذه العوائد إذا لم تكن هناك مخاطرة كبيرة. وقد تتدفق مبالغ أكبر بذلك بكثير إذا انتبه مستثمرون آخرون إلى هذه اللعبة المربحة بالنسبة لهم، لكنها تحفر في نهاية المطاف حفرة كبيرة للنظام المالي المصري. الأمر يشبه مفلسا يتفاخر بأنه اقترض مليارات الدولارات بفوائد تصل إلى 20 بالمئة ويمكن أن يطالب بها المقترضون في أي لحظة مع الفوائد المرتفعة. ويرتبط ذلك بحماقة تثبيت أسعار الفائدة في مستوى 18.75 بالمئة للإيداع وعند 19.75 بالمئة للاقتراض في ظل استقرار سعر صرف الجنيه مقابل العملات الرئيسية. فمنح تلك العوائد الهائلة للمودعين يكبد النظام المصرفي خسائر كبيرة حين يمنح تلك الفوائد المرتفعة للمودعين، ويعطل في الوقت نفسه نشاط الاستثمار لأن ثمن الاقتراض باهظ ويثبط عزيمة المستثمرين على إنشاء مشاريع جديدة. في السنوات الماضية كان إبقاء أسعار الفائدة فوق 10 بالمئة مبررا في ظل ربط الجنيه بالدولار واستمرار انخفاض قيمته والفجوة الكبيرة بين سعر الصرف الرسمي وأسعار السوق السوداء. أما في ظل استقرار الجنيه مقابل العملات العالمية منذ عدة أشهر، بل وتحسن قيمته من 18 إلى نحو 17.7 جنيه للدولار، يجعل تثبيت الفائدة في تلك المستويات المرتفعة استنزافا غبيا للأموال العامة. كيف يمكن زيادة الاستثمار إذا كان على أصحاب المشاريع الجديدة الاقتراض بفوائد تبلغ نسبتها 19.75 بالمئة، بل وتضاف إليها خدمة تصل في حدها الأدنى في البنوك إلى 1 بالمئة، لترتفع تكلفة الاقتراض إلى 20.75 بالمئة. هدف الحكومة من تلك الخطوة هو كبح جماح التضخم الناتج عن تحرير سعر الجنيه وخفض الدعم الحكومي، غير مبرر لأن التضخم السنوي المعلن يقارن الأسعار بما قبل تحرير أسعـار الصرف وزلـزال فقدان الجنيه لنصف قيمته فور اتخاذ ذلك القرار، والذي حدث مرة واحدة وانتهى الأمر. وسنكتشف في ديسمبر حين يمر أكثر من عام على تحرير الجنيه أن التضخم لا يتجاوز 10 بالمئة بدل أكثر من 30 بالمئة حاليا، وسوف يتراجع إلى مستويات مستقرة بعد زوال تأثير زيادة أسعار الوقود والمياه والكهرباء. ستكتشف الحكومة أن الأموال الهائلة التي رفعت احتياطات النقد الأجنبي إلى أكثر من 36 مليار دولار مجرد أموال انتهازية ساخنة، وأنها سترحل عن البلاد مع الفوائد الكبيرة التي غرفتها، بمجرد خفض أسعار الفائدة. حينها ستكتشف حجم الأخطاء التي ارتكبتها. كاتب عراقيسلام سرحان
مشاركة :