تقنية التعرف إلى الوجوه.. «بيزنس عابر للقارات»

  • 11/5/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

إعداد : أحمد البشير يعتبر الوجه البشري قطعة فنية رائعة، التنوع المذهل في ملامح الوجه يساعد الناس على التعرف على بعضهم بعضا، وهو أمر حاسم في تشكيل مجتمع متنوع الأعراق. ويستطيع الوجه إرسال إشارات عاطفية سواء من خلال خجل لا إرادي أو خداع بابتسامة زائفة، ويقضي الناس حياتهم في العمل أو في قاعات المحاكم أو في غرف النوم في محاولة لقراءة الوجوه بحثًا عن علامات الجاذبية والعداء والثقة والخداع، كما يقضون الكثير من الوقت في محاولة إخفاء مشاعرهم.وتحاول التكنولوجيا اللحاق سريعاً بالقدرة البشرية على قراءة الوجوه، ففي أمريكا تُستخدم تقنية التعرف إلى الوجوه في الكنائس لمتابعة حضور المصلين، وفي بريطانيا يستخدمها التجار لمتابعة المتسوقين. وفي مطلع العام الجاري، استخدمت الشرطة في ويلز تلك التقنية للقبض على مشتبه فيه خارج مباراة كرة قدم، أما في الصين فتُستخدم هذه التقنية للتأكد من هوية السائقين وللسماح للسياح بدخول أماكن الجذب السياحي. ويستخدم هاتف آيفون الجديد هذه التقنية لفتح الشاشة الرئيسية عبر التعرف بملامح وجه المستخدم. ولأن هذه التقنية تتعارض مع المهارات البشرية، فهذه التطبيقات تبدو وكأنها إضافية. وبعض الاختراعات العظيمة مثل الطيران والإنترنت تبدو بوضوح أنها تعزز من القدرات البشرية، أما التعرف بالوجوه فيبدو وكأنه يقوم بتحويلها إلى رموز فقط. وعلى الرغم من أن للوجوه سمة شخصية إلا أنها عامة أيضاً، لذا فالتكنولوجيا لا تتدخل في شيء خاص، ومع ذلك، فإن القدرة على تسجيل وتخزين وتحليل صور الوجوه دون تكلفة عالية وبسرعة وعلى نطاق واسع يعدنا بتغييرات جوهرية في مفهوم الخصوصية والإنصاف والثقة.وأحد الفروق الكبيرة بين الوجوه وغيرها من البيانات البيومترية مثل بصمات الأصابع، هي أنها تعمل عن بُعد، فأي شخص يحمل هاتفا يستطيع أن يلتقط صورة ويستخدمها في برامج التعرف إلى الوجوه مثل «فايند فيس» وهو تطبيق روسي يستخدم في موقع التواصل الاجتماعي «في كونتاكت»، ويستطيع التعرف إلى الناس بدقة تصل إلى 70%. ومن الصعب الولوج إلى بنك صور الوجوه الخاص بموقع «فيسبوك»، لكن عملاق وادي السيليكون يستطيع الحصول على صور زوار أحد معارض السيارات على سبيل المثال ثم يستخدم خاصية التعرف إلى الوجوه لإرسال إعلانات عن سيارات إلى هؤلاء الأشخاص. وإذا لم تكن الشركات الخاصة قادرة على توصيل نقاط الترابط بين الصورة والهوية، فالدولة تستطيع ذلك، حيث إن الحكومة الصينية تحتفظ بنسخة لصور وجوه المواطنين، كما أن صور نصف البالغين الأمريكيين مخزنة في قاعدة بيانات يستطيع مكتب التحقيقات الفيدرالية استخدامها، كما تستطيع هيئات إنفاذ القانون استخدام هذا السلاح القوي لتتبع المجرمين، لكنه سيكون ذا تكلفة هائلة فيما يتعلق بخصوصية المواطنين. ولا يعتبر الوجه مجرد شارة للاسم، فهو يعرض العديد من المعلومات التي تستطيع الآلات قراءتها، وهذا الأمر له العديد من الفوائد، حيث تحلل بعض الشركات الوجوه لتقدم تشخيصاً آلياً لبعض الأمراض الوراثية النادرة مثل متلازمة هادجو تشيني في وقت مبكر وأسرع مما كان عليه الأمر في الماضي، في حين يمكن للأنظمة التي تقيس العواطف منح الأشخاص المصابين بالتوحد القدرة على فهم الإشارات الاجتماعية التي تكون صعبة المنال بالنسبة لهم.وقد تصبح أقل أنواع التمييز عنفاً شائعة بسبب تقنية التعرف إلى الوجه، فأصحاب العمل يستطيعون بالفعل اختيار الموظفين بشكل عنصري، لكن التعرف إلى الوجوه سيجعل الأمر روتينيا للغاية، وسيمكن الشركات من تصفية طلبات الوظائف على حسب العرق أو علامات الذكاء أو الجنس، وربما تواجه الملاعب الرياضية ضغوطاً لحماية الناس من خلال مسح وجوه الزوار لتمييز التهديد بالعنف، رغم أن طبيعة الآلة قد تكون منحازة ضد ذوي البشرة غير البيضاء، فعندما تكون الخوارزميات مدربة على بيانات لوجوه معظمها بيضاء فإنها لا تعمل جيداً في التعرف إلى وجوه ناس من أعراق مختلفة. وهذه التحيزات تسبب تعطل عمليات التقييم الآلية المستخدمة للتبليغ بقرارات المحاكم فيما يتعلق بالكفالات أو إصدار الأحكام.وقد ينتج عن الاستمرار في تسجيل الوجوه واستخدام الأدوات التي ترسم البيانات الحاسوبية في العالم الحقيقي تغيّراً في نسيج التفاعلات الاجتماعية، وذلك بدعوى المساعدة في تسهيل عجلة الحياة. وفي حال استطاع شريكك ملاحظة كل تثاؤب تخفيه أو استطاع مديرك في العمل تسجيل كل تعبير غضب على وجهك، فإن علاقات الزواج والعمل ستكون أكثر مصداقية، ولكن أقل انسجاماً. وفي الدول الديمقراطية، تستطيع التشريعات المساعدة في تغيير التوازن بين النتائج الجيدة والسيئة، فالهيئات التنظيمية الأوروبية رسخت مجموعة من الأسس في اللوائح القادمة لحماية البيانات وقررت أن البيانات البيومترية مثل «بصمات الوجه» تخص صاحبها ولا تستخدم دون إذن منه، لذا ففي أوروبا على عكس أمريكا، لا يستطيع «فيسبوك» إرسال إعلانات لزوار معارض السيارات، ومن الممكن تطبيق قوانين التمييز العنصري ضد أصحاب العمل الذين يفحصون صور المتقدمين للعمل، ومن الممكن أن يتعرض نظام تزويد الإعلانات بالصور إلى الفحص للتأكد من أن نظامهم لا ينشر إعلانات عنصرية دون قصد، كما أن الشركات التي تستخدم هذه التكنولوجيا يجب أن تكون عرضة للمساءلة.ومع ذلك، فهذه القواعد لن تغير تقدم الأمر، فالكاميرات أصبحت أكثر شيوعاً، كما انتشرت الجهود المبذولة لخداع أنظمة التعرف إلى الوجوه من خلال ارتداء النظارات الشمسية أو المكياج.ويقول الباحثون في جامعة كامبريدج إن الذكاء الاصطناعي يستطيع إعادة بناء هيكل الوجه للأشخاص المتخفين. أما جوجل فقد أدار ظهره لخاصية مطابقة الوجوه خوفاً من إساءة استخدامها، أما أمازون ومايكروسوفت فيستخدمان خدماتهما السحابية لتقديم خدمة التعرف إلى الوجوه، وبالنسبة لفيسبوك فهذا الأمر رئيسي في خطته، كما أن الحكومات لن تتخلى عن فوائد تلك الخاصية، لذا فالتغيير قادم ويجب أن نستعد لمواجهته.

مشاركة :