وادي السيليكون الذي كان يوماً ما يمثل قوة للخير بات اليوم يشكل تهديداً للديمقراطية. هكذا سيكون انطباعك نتيجة لطوفان الأخبار والتعليقات عن الدور الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ومؤخراً، أدلى ممثلو مواقع «تويتر» و«فيسبوك» وكذلك «غوغل» بشهاداتها أمام الكونغرس بشأن استغلال روسيا لمنصاتهم للتدخل في سير الانتخابات.ورغم أن التدخل الروسي تسبب في مشكلة كبيرة، فإن المشاعر الحالية تجاه وادي السيليكون تبدو كأنها تبحث عن كبش فداء. فـ«فيسبوك» و«تويتر» ليسا سوى مرايا تعكسنا، فهما يعكسان مجتمعا مقسما بشكل مؤسف معرض للشائعات المغرضة وينبهر للموضوعات المثيرة ومغرم بنشر الإشاعات وترويج الكراهية. لا نحب ما تعكسه لنا تلك المرايا، ولذلك فإننا نلوم المرآة، ونصور أنفسنا كضحايا لاستقطاب وادي السيليكون. فخلال جلسة الاستماع، وجه السيناتور ديان فنشتاين، عضو الحزب الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا، اللوم بثقة لمؤسسات التكنولوجيا لسماحها بالتدخل الروسي قائلا: «أنتم تتحملون هذه المسؤولية. فأنتم من صنعتم تلك المنصات».لكننا نحن المستخدمين لسنا أبرياء، فبعض الدعاية الروسية على مواقع التواصل جرى اقتباسها من محتويات نشرها أميركيون، لكن وسائل التواصل تساعد في نشر الدعاية أكثر وأكثر. في الشهور القليلة التي سبقت حملة الانتخابات الرئاسية، خلص تحليل أجرته مؤسسة «بزفييد» الإعلامية إلى أن الأخبار الكاذبة على موقع «فيسبوك» شكلت النسبة الأكبر لما جرى نشره عبر مختلف وسائل الإعلام. لكن لم يكن الروس وحدهم هم من صنعوا ذلك الوضع، فكل ما فعلوه أنهم قفزوا وسط العراك الدائر، والمشكلة الرئيسية تكمن في عجز أو عدم رغبة الأميركيين في التفرقة بين الحقيقة والخيال، وما زاد الطين بلة هو خسارة الإعلام لمصداقيته عندما أراد وضع الأمور في نصابها الصحيح.وأشار السيناتور رو خانا، عضو الحزب الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا إلى أن «ترمب سخر أدوات التكنولوجيا للفوز»، وأن «تويتر» ما زال الوسيلة المثلى التي ينقل الرئيس من خلالها رسائله المكتوبة. لكن ليس «تويتر» وحده هو من جعل ترمب ينتشر، بل مستخدمو الموقع، وشمل ذلك جميع المواطنين والصحافيين الذين تابعوا صفحته وأعادوا تغريداته وردوا على ما قاله ترمب.يمكن لـ«تويتر» العمل بشكل أكثر جدية لمحاربة حديث الكراهية، وإن كان هذا لن يحل المشكلات الصعبة الأخرى مثل غرف الدردشة الآيديولوجية، وانحطاط مستوى النقاش القومي، لأن هذا ما يحدث بالفعل في حياتنا العادية، فالناس تبحث في قنوات التلفزيون الأرضية، وفي أعمدة الرأي في الصحف عما يناسب توجهاتها. فالأعداد الغفيرة لمستخدمي «فيسبوك» شجعت على وجود ما يعرف «بغرف الصدى» لأن مؤسسة «فيسبوك» أدركت ما يريده المستخدمون. ألم يحدث أن حذفت صديقاً أو متابعاً أو أسكت صوت شخص، لأنه لا يتفق معك في الرأي؟ فهؤلاء الذين يقلقون من فكرة أن العديد من الأميركيين ليس بوسعهم رؤية الأمور من منظور مختلف، يجب عليهم التدقيق في الخيارات الشخصية للأميركيين، وكذلك في المنصات التي يجري من خلالها المفاضلة بين الخيارات.أليس من واجب وادي السيليكون تصحيح كل ذلك؟ إذا كان بإمكان «فيسبوك» خلق التواصل بين جميع البشر، كما يريد مديرها مارك زوكربيرغ أن يفعل، فينبغي على تلك المنصة أن تكون قادرة على اجتثاث الأخبار الكاذبة، وهذا ما قد يجادل النقاد بشأنه.لكن بث الأخبار الكاذبة يمثل خداعا، ومن شأن السير في النهج الخطأ أن يعطي وادي السيليكون سلطة أكبر مما يتمتع بها بالفعل. فمن سيكون الحكم الجديد للحقيقة؟ هل الأرقام هي من ستحكم؟ هل الحكومة؟ أم زوكربيرغ؟ أم «تويتر»؟ أم مديرها التنفيذي جاك دورسي؟ أم الجماهير التي يشكل الأميركيون غالبيتها، والتي صدقت الأخبار الكاذبة؟ المشكلة الحقيقية هي أن الأميركيين ليس لديهم حس مشترك بالحقيقة؟بات تشويه صورة وادي السيليكون أمراً شائعاً، فقد وصفت عناوين ثلاثة كتب صدرت مؤخراً التكنولوجيا بـ«الكرة المدمرة» و«التهديد الوجودي» و«مشوهة الديمقراطية».لكن الحقيقة تقول إن مواقع التواصل الاجتماعي ربما تضخم من عاداتنا السيئة، وربما تشجع عليها، لكنها لا تخلقها. وادي السيليكون لا يدمر الديمقراطية، بل نحن من يفعل ذلك.* خدمة «نيويورك تايمز»
مشاركة :