عندما أفكر في ظاهرة الإرهاب والحاجة إلى حل شامل يأخذ بكل المتغيّرات الموضوعية المباشرة أجد أن (ظاهرة السهر) في مجتمعنا ربما تكون ذات أثر مباشر على قدرة الأسرة والمجتمع على ضبط المراهقين والشباب عبر التنشئة الاجتماعية السليمة التي تعدهم للحياة المنتجة الكريمة. الآن السهر يمتد إلى بعد منتصف الليل، وفي هذا الوقت المتأخر أصبح مألوفًا وعاديًا جدًا تواجد الأطفال والشباب في عز نشاطهم مع أهاليهم في الأسواق والمطاعم، أو ذاهبين للاستراحات في أطراف المدن!! أو ـ وهو الأخطر ـ (في غرف نومهم يتواصلون مع العالم عبر جوالاتهم)، وكأنه لا مدارس تنتظرهم في الصباح الباكر! هل هذا الوضع سليم وتتقبّله احتياجات هؤلاء الصغار إلى النوم والاستعداد للمدرسة، وهل هذا وضع سليم تتحمّله ظروفنا حيث تستهدف أبناءنا عصابات ومنظمات الإجرام والمخدرات.. والإرهاب؟!المؤسف أننا نفتقر إلى الدراسات العلمية الموضوعية التي تنظر الى خطورة ظاهرة السهر ومدى تكلفتها الكلية على ظروفنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأمنية، وهذه إحدى مشاكلنا الأساسية وهي إهمال الدراسات والأبحاث التي تضع الحقائق الكبرى أمام المسؤولين لمعرفة خطورة الظواهر الجارية على مجتمعنا، مثل ظاهرة السهر. المؤسسات السيادية المعنية بالقضايا الأساسية لمجتمعنا، هل وقفت عند هذه الظاهرة لتتقصى أبعادها على الأمن الوطني، وعلى اثرها على دور الاسرة في مجتمعنا الضروري للتنشئة الاجتماعية، وتعرف أثرها على سوق العمل، فظاهرة السهر وتمدد ساعات النشاط التجاري تساهم بشكلٍ قوي في إفشال توظيف المرأة في محلات المستلزمات النسائية، وتساهم في تكريس ظاهرة التستر التجاري، وترفع التكلفة على الأجهزة الأمنية. أرجو أن أكون موضوعيًا إذا قلت إن السهر هو عدو (الإنتاجية) الأول، ولهذا السبب تتراجع إنتاجية الفرد في المجتمع السعودي.. وبالذات في القطاع العام، الموظف الأكبر للموارد البشرية، وليس غريبًا أن تتراجع القدرة التحصيلية لطلابنا إذ الأغلبية تأتي المدرسة نصف نائمة!! إننا بحاجة إلى مَن يقف عند ظاهرة السهر، وقفة تبصر وإخلاص لمجتمعنا، فإذا لم نسعَ الى إعادة دور الأسرة الأولي الأساسي لتقوم بدورها، فإن مهمتنا لمحاربة واحتواء الارهاب وانحراف الشباب ستكون متعبة ومكلفة سياسيًا واجتماعيًا، وليت فينا مَن يأخذ زمام المبادرة.. لمحاربة السهر كما نحارب الإرهاب!
مشاركة :