تفجرت موجات من التساؤلات حول المشهد السياسي اللبناني، وتلحق بها كتيبة من التوقعات والاحتمالات المرتقبة عقب الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، والتي يراها سياسيون لبنانيون، الضربة الاقسى التي يتلقاها عهد الرئيس «عون» غداة طيّه سنته الأولى، مما يضعه أمام الاختبار الأشد ارباكا وحرجا وخطورة منذ انتخابه رئيسا للجمهورية. والحاصل أن الاستقالة، وبصرف النظر عن دوافعها وأسبابها، وما أثير حولها من شكوك حول ضغوط وتدخلات خارجية أسفرت عن القرار المفاجىء، فإن الاستقالة جاءت بمثابة صدمة ضخمة لمجمل القوى الداخلية، لأنها وضعت نهاية مبدئية للتسوية التي قامت مع انتخاب الرئيس عون وكان الحريري ركيزتها الأساسية الى جانب القوى الأخرى التي ايدت انتخاب «عون» على أساس أن يكون تشكيل الحكومة برئاسة الحريري الضلع الثاني الملزم للتسوية. ولعل ما صدم الكثيرين أن أحداً لم يتوقع خروجا مبكرا للحريري من السلطة بهذا الشكل، وقبل اجراء الانتخابات النيابية في شهر مايو/ايار المقبل، ولذلك فإن الاستقالة المفاجئة، فرضت علامات استفهام وشكوكاً إضافية حول الانتخابات البرلمانية أيضاً. وأصبحت المخاوف في لبنانن من الدخول المرتقب في دوامة «الصراع السياسي»، وأمام منعطف حاد.. وتتحسب الدوائر السياسية في لبنان لتداعيات الزلزال السياسي الذي أحدثته استقالة «الحريري» المفاجئة ظهر أمس السبت، وارتداداته على الصعيدين الداخلي والإقليمي، خاصة وأن كتاب الاستقالة الذي أذاعه الحريري من السعودية توجّه إلى «إيران وأتباعها» قائلاً: «إنهم خاسرون في تدخلاتهم في شؤون الأمة العربية» .. وفي إشارة إلى التعاون بين إيران و «حزب الله»، أعلن أن «إيران وجدت في بلادنا من تضع يدها بيدهم»..بينما اعتبرت الخارجية الإيرانية أن خطوة الاستقالة «ستثير التوتر في لبنان والمنطقة». ويرى مراقبون في بيروت، أن استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري من المملكة العربية السعودية في زيارة حددت على عجل وأعطيت طابع زيارة العمل، لم تكن مجرد مفاجاة فقط، ولكنها شكلت سابقة لن يبقى بعدها كما كان قبلها على مستويات عدّة.. ووفقا للأعراف اللبنانية، فإن رؤساء الحكومات عندما كانوا يقدمون استقالة من رئاسة الحكومة إنما كانوا يفعلونها إما بزيارة للقصرالجمهوري فيبلغونها خطياً أو شفهياً لرئيس الدولة، وحتى وإن عمد بعضهم الى إعلانها قبل ذلك..وإعلان استقالة الحريري أعاد خلط الأوراق السياسية الداخلية والاقليمية. ..وبعد أن كان الجو العام في لبنان يشير إلى توجه نحو الاستقرار السياسي، هاجم الحريري «حزب الله» وإيران، مما يعيد الوضع الى ما كان عليه عام 2005 ، بعد استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري. استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ترسم منعطفاً حاداً في الميدان السياسي الداخلي في لبنان، وتتقاطع مع مؤشرات اقليمية ودولية تجعل منها عنصراً أساسياً في مناخ واستراتيجية جديدة تتبلور ضد إيران وذراعها الأقوى والأكثر نفوذاً سياسياً وعسكرياً حزب الله.. وتؤكد الكاتبة اللبنانية، جويس كرم، أن الاستقالة تعيد بالكامل هزّ التحالفات الحكومية، وتضع علامات استفهام كبرى حول الاستقرار الداخلي وما ستحمله المرحلة المقبلة. فاليوم، مبادرة الحريري بالاستقالة، وسعي الرياض الى توحيد البيت السني سيجعل من الصعب تعيين شخصية ذات وزن حقيقي في منصب رئاسة الحكومة اللبنانية. بالمقابل تحول هذه الحكومة الى مجلس تصريف أعمال يرمي بالهواء محطات سياسية حاسمة في لبنان مثل الانتخابات النيابية، قانون النفط والغاز، مشاريع اقتصادية حيوية للنهوض بالبلد. هذا يعني فعلياً عودة شبح عدم الاستقرار الأمني الى بيروت.
مشاركة :