“تنظيف الفساد مثل تنظيف الدَّرج؛ يبدأ من الأعلى نزولا للأسفل”.لي كوان يو أول رئيس لسنغافورة.بالأمس، كان عرسا وطنيا حقيقيا، كشف ما يتمتع به ولي عهدنا الشاب محمد بن سلمان من شعبية جارفة، فمع قراراته بحق إيقاف بعض المشتبهين بالفساد، والذي فغرنا أفواهنا دهشة وتعجبا من الأسماء التي نسمعها؛ لأنه لم يدر في خلدنا أبدا أن يد القانون ستطالهم، وعشنا دهورا في هذا الوهم، حتى أتانا هذا الأمير الهمام ونفذ ما وعد، وترجم ما هدد به واقعا، وأبان بأن القانون يسري على الجميع، وأرسل رسائل قوية للغاية وصريحة لكل الجهات بأننا أمام سعودية جديدة.كانت ليلة فرح استثنائية، تصلّب البعض منا أمام شاشات التلفاز، والأكثر تسمّرت عيونهم على هواتفهم الجوالة، يطلقون الدعوة تلو الدعوة للأمير الشاب مع كل خبر إيقاف يطالعونه، ويفككون عبر الحروف تلك؛ اسم الشخصيات التي لم يتعبوا أبدا في اكتشافها، وأقسم بالله غير حانث بأن كل من لاقيت أو حادثت؛ كان ملء إهابه السعادة، والفرحة تتهدج في صوته وترتسم في ملامح وجهه، وقد أطلق الدعوات تترى للأمير محمد بن سلمان وهو يعيد للوطن ما نُهب من المال العام، لدرجة أن أحدهم -من غبطته وفرحته- قال: لو بدأ سموه الآن الضرائب ورفع أسعار الكهرباء والوقود لما شكونا، طالما أعاد المال المنهوب من هؤلاء الهوامير إلى خزينة الدولة وبدأ بهم، وطالما أن القانون سيسري بحق على الجميع بلا محاباة بين أمير وفقير، ووزير وغفير، لأنه هذا وطننا كلنا، والرؤية التي يقودها سموه هي أملنا اليوم”، فأجبته مباشرة: “ولاة أمرنا أرحم بشعبهم وأكثر حبا، فبمجرد أن ارتفع سعر البترول؛ تأجلت الضرائب ورفع أسعار الكهرباء والبنزين، وبإذن الله يفتح الله على يدي سلمان وابنه محمد كل الخير، ولن يتأخر هذا الشعب -الذي لهج بالأمس يدعو لهما- عن كل جهودهما لبناء دولة حديثة”.أتذكر عندما أمر مليكنا الحبيب عبدالله بن عبدالعزيز –يرحمه الله- بإنشاء هيئة مكافحة الفساد في العام 2011؛ أطلقنا العنان لفرحٍ طاول السماء، وعقدت النخب والمثقفون والمهتمون بالشأن العام الأمنيات الكبيرة عليها في صيانة المال العام ومحاربة الفسدة، وللأسف لم تستطع الهيئة فعل شيء يذكر على الواقع، كانت مجرد أمانٍ وإنشائيات عامة؛ لأنها اصطدمت بهوامير كبيرة تتمترس خلف أسماء أكبر، وكان الأمر أكبر من قدرات مديرها السابق محمد عبدالله الشريف، وأصبنا بحالة من الإحباط، حتى أنني كتبت مقالة في العام 2013 في صحيفة الوطن أشير بحاجة بلادنا لشخصية قوية ذات مواصفات وكاريزما، فكتبت : “لا حلّ برأيي إلا بأن يتصدى لملف الإصلاح والحرب على الفساد وصيانة المال العام شخصية قوية؛ تستطيع تفكيك مداميك الفساد المستعصية والصدئة، وتُجفل بتلويحة من يدها كل الفسدة، صغارا كانوا أم هوامير؛ لأنها قادرة على الوصول لهم ـ مهما عظموا ـ ومعاقبتهم، فالله ينزع بالسلطان ما لا ينزع بالقرآن”.ولم تتحقق هذه الأمنية إلا بقرار مليك الحزم الكبير سلمان بالأمس؛ عندما أمر بلجنة عليا لمحاربة الفساد برئاسة ولي عهدنا الجسور الذي ترجم ما قاله في العام الماضي: «لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد أيًا من كان.. سواء أمير أو وزير أو مهما كان منصبه»، ونفذ وعده، فبدأ بقرارات ترجمت على الواقع فورا، لذلك لن تقف تداعيات ما حصل بالأمس عند هؤلاء الذين أوقفوا، بل هي رسالة تقول بصراحة أن محمد بن سلمان عندما يهدد يفعل، وعندما يعدُ يفي، وأميرنا البطل وعدنا بسعودية حديثة شابة منفتحة على العالم، سعودية قوية تزاحم في سلم الحضارة الإنسانية، ويقينا أننا سنبلغ معه ما وعد.أتمنى على أميرنا الهمام أن يفتح ملفات الشركات الكبرى منها والمتوسطة، التي أتخمت شبعا بسبب الفساد والرشاوى التي كانت تقدمها، لتظفر بالمناقصات، فخزينة الدولة أولى بهذا المال، متمنيا قبلها حملة وطنية كبيرة بإرجاع المال المغتصب أو الحرام إلى صندوق “إبراء الذمة”، ومن لم يفعل فعليه أن يتحمل وزر موبقاته ورشاويه، وأتمنى مساءلة كل من أتخم شبعا من خيرات هذا الوطن، ونراه يخذلنا اليوم ويهرّب أمواله للخارج، في وقت يحتاج وطنه كل ريال هرّبه، يجب أن يحاسبوا على هذا الخذلان منهم للوطن.من جهة أخرى؛ أنادي بضرورة أن تكون لنا أدوار كنخب ومواطنين، فمن المهم تعميم ثقافة وصيانة وحماية المال العام في وعي المجتمع، وخصوصا الناشئة، بأن هذا المال هو حقهم، إضافة إلى المطالبة اللحوحة بفتح كل الملفات السابقة، وعدم سقوطها بفعل التقادم؛ كي لا يهنأ أولئك اللصوص الكبار، وحتى لا يفكر اليوم من سيسرق أنه بمجرد استقالته أو ذهابه سيطوى ملف فساده، وأن عدالة المجتمع لن تطاله أو تصل إليه. كل ذلك سيسهم في تقليص الفساد، وإجفال المفسدين لتكف أياديهم الآثمة عن السرقة، وأوردت “العربية نت” في تقرير لها قبل خمس سنوات معلومة تقول: “لولا الفساد لَقَفز المعدّل السنويُّ لدخلِ المواطنِ السعودي من (87) ألف ريال، إلى (300) ألف ريال..”المال العام ليس كلأً مباحاً، والحرب على سرّاقه فريضة، وصيانة ذلك المال واجب، ومحمد بن سلمان سيضرب بيد من حديد كل من سيقترف تلك الموبقة.“إن القانون يجب أن يكون مثل الموت لا يستثنى أحداً”. المفكر السياسى الفرنسى “مونتسكيو”الرأيعبدالعزيز محمد قاسمكتاب أنحاء
مشاركة :