لم يتسلم آلاف الموظفين التابعين للسلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة رواتبهم عن شهر أكتوبر من البنوك ما يعني أنهم أحيلوا إلى التقاعد المبكر في ظل استمرار الاجراءات ضد الموظفين منذ 6 أشهر. ووصلت كشوفات الدفعة الثانية من الموظفين المحالين للتقاعد المبكر هيئة التقاعد الفلسطينية في غزة وتقدر أسماء الموظفين بـ6500 عسكري ، وكانت السلطة أصدرت الدفعة الأولي قبل أشهر ويقدر عدد الموظفين في الدفعة بـ6500 عسكري. وأثار التقاعد المبكر حالة من السخط والغضب في صفوف موظفي السلطة الفلسطينية دون أي تعليق من قبل حركة فتح الذي ينتمي غالبية الموظفين للحركة. وتوجه الموظفون إلى هيئة التقاعد في غزة للبدء بإجراءات التقاعد، مبدين استغربهم من وصول سن التقاعد إلى 35 عاما. وأمام الهيئة صب الموظفين جم غضبهم على السلطة التي أحالتهم إلى التقاعد المبكر في ظل التزامهم بقرار الحكومة الفلسطينية التي كان يترأسها الدكتور سلام آنذاك عندما أصدرت قراراً بعدم الدوام في المؤسسات الحكومية بعد أحداث الانقسام عام 2007 مع حفظ حقوقهم. لكن السلطة الفلسطينية في عام 2013 بدأت بوقف العلاوات الاشرافية والمواصلات عن الموظفين. وفي أبريل 2017 فوجئ موظفو السلطة في غزة بحسومات جديدة تطال تتراوح ما بين 30% إلى 70 % من رواتبهم دون المس بالراتب الأساسي. الموظفون المحالون للتقاعد المبكر الذين التقت بهم قناة “الغد” يؤكدون أن هذا القرار سيؤثر على تنظيم حركة فتح في قطاع غزة خاصة في أي انتخابات قادمة. ويعتبر الموظف مازن داربيه 45 عاما أن إحالة آلاف الموظفين التقاعد جريمة وإهانة للموظفين الذين خدموا في صفوف السلطة من أكثر من 20 عاما ، ويقول “نتوجه للبنك ولم نتلق الراتب وأننا محالين للتقاعد هذه إهانة “، مشيرا إلى أن قانون الفلسطيني ينص أن الموظف عندما يبلغ سن 60 عاما يحال على التقاعد . ووصف داربيه الذي عمل في السلطة 25 عاما أوضاع الموظفين بالمأساوية سواء قبل التقاعد أو بعده لاستمرار الخصومات على الموظفين، مؤكدا على عدم وجود ذريعة لاستمرار هذه الاجراءات ضد الموظفين الذين ينتمي أغلبهم لحركة فتح. وتساءل لماذا يحال آلاف الموظفين للتقاعد المبكر بعد تحملهم الانقلاب والانقسام والاهانة والإذلال والتزموا بالشرعية بقيادة الرئيس محمود عباس؟ مطالبا الرئيس بإعادة الموظفين المحالين للتقاعد إلى قيود السلطة وإعطائهم حقوقهم . وبعيون تختنق بالدموع يقول الموظف رامي عبد القادر 35 عاما:” “ضيعنا دمنا في سبيل الشرعية وحركة فتح وبالآخر نطلع متسولين “، لافتا إلى أنه تفرغ في السلطة الوطنية عام 1997 . ويضيف “عملت في تنفيذية حركة فتح واعتقلت لدى الأمن الداخلي التابع لحماس بسبب حركة فتح وما حصلت عليه هو التقاعد “، محملا عبد القادر الذي يعيل 6 أفراد الإدارة والتنظيم المسؤولية عن هذه المجزرة على حد قوله. وتوقع عبد القادر وهو شقيق لشهيدين أن يؤثر هذا التقاعد على شعبية حركة فتح في أي انتخابات مقبلة، مطالبا الرئيس بالتراجع عن القرار وحماية فتح في غزة. ولم يكن الموظف يحيى الداعور 36 عاما أفضل حال من غيره الذي استلف أجرة الوصول إلى هيئة التقاعد في غزة للبدء باجراءات التقاعد المبكر، ويقول الداعور “نحن كنا ننتظر المصالحة على أحر من الجمر لنعود للعمل لكن ما جرى هو على حساب الموظفين وقوت أبنائهم”. ويشير الداعون إلى أنه طرد 6 مرات من أصحاب عدة منازل لأنه لا يستطيع دفع أجرة المنزل الشهرية التي تقدر بـ 250 دولار أميركي. ويقول ” أنا بعت أثاث المنزل حتى أعيش بكرامة وما ضل شيء أبيعه ماذا افعل الآن اجلس بالشارع أنا وعائلتي المكونة من 7 أفراد”، مضيفا “أن راتبه قرابة 500 دولار بعد خصم الـ30 % ويدفع 300 دولار لقرض البنك وما تبقى لا يكفي لأجرة المنزل وتلبية أبسط احتياجات العائلة “. ومنذ أشهر لا يستطيع الداعور تلبية متطلبات عائلته من علاج زوجته أو طعام أولاده ، مطالبا بإعادته على القيود ليعيش بكرامة. بدوره ، اعتبر الخبير الاقتصادي محمد أبو جياب التقاعد المبكر لآلاف الموظفين السلطة بمثابة “الضرب تحت الحزام” للاقتصاد الفلسطيني في ظل استمرار الإجراءات العقابية ضد القطاع واستمرار الحصار. ويقول أبو جياب في حديث لـ “الغد” “الواضح أن السلطة تسعى إلى تفريغ القطاع من القيادات الإدارية والقيادية وهذا يضرب عصب القطاع الاقتصادي”. ويشير إلى أن الأشهر الماضية تلقى القطاع ضربات متتالية منها إحالة آلاف الموظفين للتقاعد، لافتا إلى أن 70 % من الموظفين تلقوا قروضا من البنوك ما يعني أنهم سينضمون إلى فقراء غزة . ويرى الكاتب والمحلل السياسي عدنان أبو عامر قرارات التقاعد المتلاحقة بحق الآلاف من موظفي غزة تعطي مؤشرات جديدة من قيادة السلطة تجاه القطاع وأهله، معتبرا هذه الخطوات بالمجحفة بحق أبناء حركة فتح والسلطة، متسائلا كيف سيكون الحال مع أبناء حكومة غزة السابقة؟ ويرى أستاذ علم النفس في جامعة الاقصى درداح الشاعر أن التقاعد المبكر له انعكاسات خطيرة على الفرد والأسرة والمجتمع، معتبرا إياه موت حقيقي للطاقات البشرية وللإنسان وللحياة النفسية . ويقعد الشاعر في حديث لموقع قناة “الغد” أن الانسان الذي لن يتمكن من إعالة أسرته سيبقى يعيش حالة من القلق والخوف والتوتر أو سيصاب بأمراض نفسية. ويشير إلى أن أي موظف يعمل بالسلطة أو بمؤسسات خاصة يتقاضى مقابله أجرا من المال يسير به حياته حتى يصل سن الـ 60 عاما لكن إخراجه في ريعان شبابه يعد اجحافا وهدر لقدراته.
مشاركة :