جفت البذور وقلت مساحة الحيز الذي تشغله حتى ظن العصفور أن عصفورته فرطت في بعض مما جمعه واستهانت بما جمعه وكافح وعانى من أجله. العربرابعة الختام [نُشرفي2017/02/20، العدد: 10549، ص(21)] التسرع في الحكم على الأشياء وافتراض السوء من أخطر الآفات على الأسر، فنحن بحاجة إلى حسن الظن وقدر كبير من التسامح وغض الطرف عن أخطاء وخطايا الطرف الآخر، أن نستمع لغيرنا بتعقل ونرى بعيون القلب، أن ندرك أننا لا يمكننا معرفة كل شيء معتمدين على ذواتنا وزاوية نظرنا للأشياء فقط، وأن التحدث للأخر أمر هام وضروري. دخل زوج جارتي وهي تتحدث في الهاتف إلى أختها، فسمعها تقول لها لا تخافي إنه بالخارج ولا يصله صوتي، وبدأت في همهمات وهمس حتى نهاية المكالمة، ولأنه كان بينهما خلاف كبير قبل ذلك، ظن أنها تحدثها عن خلافهما وتخرج أسرار بيته، و…و… ظنون وهواجس دارت برأسه استسلم لها، وكادت تفترسه دون أن يكلف نفسه عناء سؤال زوجته عن تفاصيل حديثها الذي استرقت أذناه السمع لبعض كلماته كمن ينظر إلى وجهه في شقفة مرآة مشروخة فلا يرى غير نصف ملامح باهتة لا تشي بفرح أو حزن، فقط نصف ملامح لا تحمل الحقيقة كاملة بالتأكيد. هي لم تشعر بوقع قدميه، وهو تراجع بضع خطوات حتى يحدث جلبة ولا تراه عيناها الناظرتان إلى اللا شيء، وهكذا لم تعلم بوجوده وهو لم يسأل عن الحديث الذي دار، وبقيت الظنون وحدها بطلة المشهد. خلاف وخصام، بعاد وقطيعة وفترة طويلة من النفور، حارت الزوجة، وحاولت جاهدة معرفة السبب دون جدوى حتى عاتبها بعد مدة كبيرة. ضحكت بصوت عال موضحة ما حدث وأنه لم يسمع إلا ما وافق هواه، ولو كان تريث وسألها لكانت أزالت غموض ما حدث وما كان الخلاف طال بسبب سوء الظن الذي لم يكن من حسن الفطن. ذكرني هذا الموقف بقصة من كتاب قديم تحكي أن عصفورا أحضر بعضا من البذور في فصل الشتاء فملأت العش كله وشغلت مساحة من غصن الشجرة، بذور غضة وطرية مملوءة بمياه المطر وتحمل علامات الخير، ولما تبدل الحال ولملم فصل الشتاء أوراق الشجر ورحل، وجاء فصل الصيف بجفافه وحره القائظ، ومزاجه المتقلب. جفت البذور وقلت مساحة الحيز الذي تشغله حتى ظن العصفور أن عصفورته فرطت في بعض مما جمعه واستهانت بما جمعه وكافح وعانى من أجله. ظلمها العصفور وقتلها، وحين حل فصل الشتاء من جديد وجادت السماء بأمطارها، ارتوت البذور وتضاعف حجم الحبوب مرة أخرى وعادت إلى وضعها الطبيعي فظل يبكي عصفورته الصريعة ولكن بعد فوات الأوان. وهذا ما يفعله بنا سوء الظن تماما، يدخلنا في مساحة ضبابية بين الوعي واللاوعي، فلا ندري ماذا نفعل، وماذا نقول مما يهدم أسر ويقوض علاقات، خاصة في ظل تعاملاتنا العصبية والصراعية مع أبسط المواقف، ثم نتهم ظروف الحياة وندخل في صراعات نفسية وحالات اكتئاب وقلق وتوتر. كاتبة من مصر رابعة الختام
مشاركة :