سفيتلانا أليكسيفيتش: ليس للحرب وجه أنثوي

  • 11/6/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

بيروت – أنديرا مطر| من يعلم ان المعمورة عرفت أكثر من 3 آلاف من الحروب؟ الروائية البيلاروسية سفيتلانا أليكسيفيتش، صاحبة نوبل للآداب 2015، عرفت ذلك بعدما قرأته في كتاب ما. تقول أيضا «أكتب كتاباً عن الحرب.. على الرغم من أنني لم أستسغ يوماً قراءة مثل هذه الكتب» التي كانت الأشد تأثيراً في قلب الجميع خلال طفولتها. ويصعب معرفة عدد الكتب التي تتحدث عن الحرب في العالم. أفليست الحرب الخبر الأساسي عن التاريخ؟ بل هي لحم التاريخ وشحمه ودمه. مناسبة هذا الكلام صدور آخر كتب أليكسيفيتش «ليس للحرب وجه أنثوي» في ترجمته الفرنسية عن دار «أكت سود».الصمت والدموع بعد كتابتها هذا الكتاب الذي لا يختلف عن سائر كتبها- تستند كلها إلى شهادات حية، لكنه يفترق عنها في أن رواته كلهن نساء يتحدثن عن مشاركتهن في الحرب- تخلص أليكسيفيتش الى ان كل ما نعرفه عن الحرب رواه رجال. ونحن أسرى صور وكلمات مذكرة عن الحرب، وأحاسيس مذكرة بها. أما النساء اللواتي شاركن في الحروب فعبارتهن الأقوى عنها هي الصمت. وإذا تكلمن فإنهن يروين حرب الآخرين. أي بلغة الذكر أو بلغة الرجل النموذجية عن الحرب. لكنهن في منازلهن أو حين اجتماعهن برفيقات الجبهة القديمات، يتكلمن لغة أخرى بينما تسيل من عيونهن الدموع. هن يروين حرباً يرتجف لها المستمع وتؤلمه، فيسكت مشدوها: ليس ما يسمعه حوادث بعيدة ومنقضية، بل شيء لا تنضب حاجة الكائن البشري إليه: الحنان في أوقات القسوة والألم. فالقلب البشري ليس صلباً ولا قوياً ولا عصيّاً على ما نظن ويقال في الروايات القاسية. بل هو يطلب لمسات حنان.الطبيعة تكابد أيضاً مرويات النساء عن الحرب ليست عن بطولات بعض الناس حين قتلوا غيرهم، أو حين هزموهم، أو حين خسروا هم وهزموا. سرديات النساء من طينة أخرى. لأن حربهن ألوانها وروائحها وأضواؤها مختلفة تماما. أخبار ليس فيها أبطال ولا بطولات تصدق أو لا تصدق. بل أشخاص غارقون في فعل غير إنساني لا يحتمل. بشر ليسوا وحدهم يكابدون في الحرب، بل الأرض والأشجار والطبيعة كلها تكابد معهم في صمت فظيع. والنساء أصلا قارة قصية منعزلة في الحرب. أليكسيفيتش تدخل اليها تستمع إلى أهلها النساء يروين آلامهن الحميمة عن الحرب التي شاركن فيها مرغمات. أما الرجل، على ما يقال، فيعيش من أجل الحرب والحديث عنها. شغلت النسوة اللواتي قابلتهن الروائية وظائف عسكرية، ناقلات جرحى، قنّاصات، مدفعيات، في وحدات الدفاع الجوي، وإطفائيات. وهّن اليوم لا يخفين مفاجأتهن بما عاشته الواحدة منهنّ.روائية الأصوات الكثيرة «ليس للحرب وجه أنثوي» هو أول كتب سفيتلانا أليكسيفيتش. كتبته عام 1983 وصدر عام 1985، فنال شهرة واسعة، وصدر منه ما يقرب من 2 مليون نسخة. أقامت الكاتبة منذ عام 2000 في دول أوروبية عدة: ايطاليا، فرنسا، وألمانيا. وفي عام 2013 عادت الى بيلاروسيا. صدرت أعمالها في ما يقرب من 19 لغة، وحصلت على أكثر من عشر جوائز أدبية مرموقة. وهي المرأة الرابعة عشرة التي حصلت على نوبل للأدب. كتبت أعمالها باللغة الروسية ولم تنشر في بيلاروسيا بسبب آرائها المعارضة وتصريحاتها الانتقادية الموجهة الى رئيس بلادها. وعن النوع الأدبي في أعمالها قالت «كل شخص له ظنونه واعتقاداته التي يمكن أن يعبر عنها أفضل من أي شخص آخر. ولو تم جمع هذه الآراء أو الأصوات في عمل واحد معاً فسيظهر ما يُعرف برواية الأصوات المتعددة أو رواية العصر التي لا يمكن لشخص واحد أن يكتبها». بحثت طويلاً عن هذا النوع الأدبي الذي يعبر عن طريقة رؤيتها العالم. وتقول إنها كانت تروي كتبها وتسمعها في الشوارع وخلف النوافذ، حيث يعيش أناس حقيقيون ويتحدثون عن الحوادث الكبرى في عصرهم: الحرب وانهيار الامبراطورية السوفيتية وكارثة تشيرنوبيل. من أبرز أعمالها «شهود عيان» 1958، «فتيان الزنك» 1989، «صلاة تشيرنوبيل» 1997، «زمن مستعمل» 2013، كما كتبت كثيرا من سيناريوهات الأفلام. أنسنة التاريخ رواية النساء عن الحرب تؤنسن التاريخ، تبثّ فيه الاضطراب والانفعال: في حيواتهنّ صفحات يندر أن نصادفها، حيث تصبح الشخصيات لعبة في يد القدر، ولا تفقد القدرة على النظر إلى نفسها تارة من زاوية القدر وأخرى من زاوية الذات الشخصية. «رفضت سيدة اللقاء بي- تروي الكاتبة الروائية- وشرحت لي الأسباب على الهاتف: لا أستطيع. لا اريد أن أتذكر. ثلاث سنوات في الحرب.. ما عدتُ امرأة. وكان جسمي في سبات: توقفت العادة الشهرية، وهجرتني الرغبة. مع أنني كنت امرأة جميلة».. وحين قال لها زميلها: الحرب انتهت، ونحن أحياء، تتزوجينني؟ رغبت أن تبكي، أن تصرخ، أن تصفع زميلها اياه. كانت تود أن تقول له: اجعلني امرأة أولاً. عاملني كما تعامل النساء. سالت الدموع على خده.. على أثر الجرح الذي لم يندمل بعد.. وتروي الكاتبة أنها وصلت إلى منزل عائلة.. زوج وزوجة شاركا في الحرب، وتزوجا في الجبهة. قالت المرأة إنها صنعت ثوب الزفاف من الشاش الرقيق.. فقاطعها زوجها، أمرها أن تدخل إلى المطبخ وقال «أعدّي لنا العشاء». وبعد إصرار الكاتبة، وافق مرغماً على ترك الكلام لها، لتروي قصتها مع الحرب على هذا النحو: «مشينا مسافة 40 كيلومتراً سيراً على الأقدام. كنا نتقيأ من الحر.. كنا نخجل كثيرا من أنفسنا حيال الرجال».

مشاركة :