تعد العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية فرنسا نموذجاً متميزاً للعلاقات الثنائية بين الدول يحتذى به على جميع المستويات وفي كافة المجالات، فقد تأسست هذه العلاقات منذ 1971 على أسس الاحترام المتبادل والتعاون والمصالح المشتركة. وتأسست العلاقات على مودة لم يعكر صفوها أي شيء على مر التاريخ، وكما هي سياسة دولة الإمارات الخارجية وعلاقاتها مع الدول الأخرى، وخاصة الدول الكبرى، فقد أسست العلاقات والتعاملات الخارجية على أسس ومبادئ القانون الدولي، تحترم كافة الأعراف والاتفاقات الدولية الثنائية والجماعية التي تجمعها مع الدول الأخرى. الأمر الذي جعل دولة الإمارات العربية المتحدة محل احترام وتقدير الجميع، ومع إنجازاتها الكبيرة التي حققتها بفضل قيادتها الرشيدة على مدى أربعة عقود ونصف مضت، صارت الإمارات في مصاف الدول الريادية في العالم وباتت تنافس كبرى دول العالم في العديد من المجالات الاقتصادية والتجارية والاجتماعية. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء حضوره الافتتاح الكبير لمتحف اللوفر في أبوظبي، أكد في كلمته التي ألقاها بهذه المناسبة أن كل من فرنسا ودولة الإمارات العربية المتحدة شركاء في تعزيز روح التسامح و المساواة بين الشعوب ويعملان معاً من أجل تعزيز مفهوم التقارب الثقافي والإنساني بين مختلف الحضارات. كما أشاد الرئيس الفرنسي بكلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في افتتاح المتحف التي ركز فيها سموه على الجوانب الثقافية والإنسانية وعناصر الابتكار والإبداع من أجل إسعاد البشرية ونبذ الحروب والأفكار الظلامية في المنطقة والعالم. وأعرب الرئيس الفرنسي عن إعجابه بكل ما شاهده من مظاهر الحضارة الإنسانية والتطور الذي تشهده دولة الإمارات في شتى المناحي والميادين، وقال عن دبي: «أعجبت كثيراً بدبي كمدينة للمحبة والتسامح والتقارب والانفتاح، فهي مدينة الفرح تسر أعين الناظرين في مبانيها وبنيتها التحتية والمناظر الخلابة التي تضفي أجواء الفرح والاستقرار والسعادة على ساكنيها وزائريها». تواصل بين الشعوب إن دولة الإمارات العربية المتحدة التي تولي اهتماما كبيراً للعلم والعلوم والثقافة والفنون والإبداعات البشرية، تسعى دائماً لتوطيد علاقاتها الثقافية والعلمية بالدول الكبرى التي لها شهرتها وإسهاماتها التاريخية الكبيرة في هذه المجالات، وذلك انطلاقاً من مبدأ أساسي تنتهجه دولة الإمارات في سياساتها الخارجية وهو ضرورة التواصل مع الشعوب والثقافات والعلوم والحضارات الأخرى كأساس لخلق علاقات تقهر التخلف والجهل وتحارب الإرهاب والتطرف والرجعية الفكرية المدمرة التي باتت تهدد منطقتنا العربية والعالم أجمع. ومن هذا المنطلق كان سعي دولة الإمارات للتواصل الثقافي والعلمي مع جمهورية فرنسا التي تتبنى نفس التوجهات في محاربة الإرهاب والتطرف والأفكار الهدامة، وهذا ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، في افتتاح متحف اللوفر، حيث قال سموه: «فرنسا شريكنا الثقافي والحضاري، نشاركهم الانفتاح والتسامح والروابط الاقتصادية والسياسية عميقة». وأشار سموه إلى أن قبة متحف اللوفر في أبوظبي، هي بمثابة قبة النور في منطقة يحاول أصحاب الفكر الظلامي أن يرجعوا حضارتها إلى عصور الجهل والتخلف. كما أكد ذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بقوله: «افتتاح اللوفر يوجه رسالة إيجابية من دولة الإمارات إلى العالم كله، بأننا قادرون على صنع الأمل لشعوب هذه المنطقة، بالرغم مما تعانيه من حروب ونزاعات». مجالات التعاون لقد شهدت العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية فرنسا، تطوراً كبيراً خلال الأعوام الماضية، في مختلف القطاعات الاقتصادية والتبادل التجاري والاستثمارات والطاقة المتجددة والنووية والنفطية والدفاع والأمن والتربية والثقافة. العلاقات الإماراتية ــ الفرنسية، النموذجية، القائمة على مبادئ المصالح المتبادلة والتعاون المشترك، اتسمت بالتطور المطرد في مختلف المجالات، بما يحقق مصلحة البلدين والشعبين الصديقين. وهذه العلاقات قديمة ولها جذور تسبق حتى تأسيس دولة اتحاد الإمارات، فبعض الشركات الفرنسية مثل «توتال» كانت موجودة في هذه المنطقة قبل ذلك بكثير، تحت اسم «الشركة الفرنسية للبترول» (CFP). وسرعان ما قامت دولة الإمارات العربية المتحدة الجديدة بعد الاستقلال بالانفتاح على العالم وعلى المجتمع الدولي وأسست علاقات قوية وراسخة مع جمهورية فرنسا وكافة الدول الكبرى في العالم، ونسجت علاقات زعماء فرنسا المتعاقبين مع المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ومن بعده مع صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، روابط الثقة والمودة التي أسست لعلاقات متميزة وقوية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية فرنسا على مر السنين، لم تشبها شائبة ولم تعكر صفوها أية مشاكل أو عقبات، بل ظلت تنمو وتزدهر على كافة المستويات والأصعدة. علاقات سياسية ولم يكن اهتمام البلدين منصباً فقط على العلاقات الاقتصادية والتجارية والعسكرية، بل امتد ليشمل كافة المجالات، وخاصة المجالات الإنسانية الثقافية والعلمية، والتي أثمرت استضافة دولة الإمارات لجامعة السوربون ومتحف اللوفر في أول خروج لهما من فرنسا للعالم. وشهدت العلاقات بين الإمارات وفرنسا في السنوات الماضية تطوراً ملحوظاً على جميع المستويات، فعلى المستوى السياسي نشهد الحوار قائما بشكل دائم، واللقاءات الوزارية والحكومية كثيرة كل عام، وتعددت زيارات الوفود البرلمانية، ولقد نشأت الاتصالات على أعلى المستويات بين البلدين بشكل سريع وتلقائي وطبيعي مما يجسد الاهتمام الذي توليه فرنسا كما الإمارات لتطوير العلاقات الثنائية. وتتسم العلاقات بين الإمارات وفرنسا بتطابق كبير في وجهات النظر حول المسائل الإقليمية، حيث تدعم فرنسا الانفتاح على العالم والتسامح بين الشعوب اقتناعاً منها بان التنوع بين شعوب وحضارات وثقافات العالم هو مصدر إثراء، وهذا ما ينطبق على توجهات دولة الإمارات العربية المتحدة، القائمة على السعي بجدية لأجل التقارب بين البلدان والشعوب والثقافات، والحرص على تجنب الصراعات والمواجهات. السلام والأمن وهناك تطابق كبير في وجهات نظر البلدين الإمارات وفرنسا حول القضايا والملفات الكبرى في منطقة الشرق الأوسط والعالم، والبلدان حريصان على الحفاظ على استقلالية الدول الأخرى واحترام سيادتها ووحدة أراضيها، وملتزمتان بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى. ودائما يؤكد البلدان تعزيز السعي المشترك في خدمة السلام والأمن الدوليين حيثما كان ذلك ممكناً، وذلك ليس فقط من خلال الحوار بل أيضاً بالعمل الملموس المشترك، وذلك ضمن احترام المعاهدات الدولية ومبادئ القانون الدولي، سعياً من البلدين للتوصل إلى الهدف المشترك المتمثل بالمساهمة في السلام والأمن وبتفادي كافة أشكال سوء الفهم والمواجهات والصراعات بين الشرق والغرب، وكان وزير الخارجية الفرنسي الأسبق لوريان فابيوس قد وصف العلاقات بين أبوظبي وباريس بأنها جسر النجاح الاستراتيجي لفرنسا في منطقة الخليج. تبادل تجاري وفي المجال الاقتصادي تعد دولة الإمارات المنفذ التجاري الرئيسي بالنسبة إلى فرنسا في منطقة الخليج العربي، حيث يوجد في دبي ما يزيد عن 600 شركة فرنسية من الشركات المتوسطة التي تقدم صورة إيجابية عن الصناعات الفرنسية في الإمارات. ولا يقتصر الأمر على الشركات المتوسطة فقط وإنما تلعب الشركات الصغيرة دوراً حيوياً هي الأخرى في تعزيز التواجد الفرنسي في السوق الإماراتية، هذه الشركات التي صاحب الكثير منها التطور الكبير لمدينة دبي ابتداءً من المشروع الاستراتيجي لمطار آل مكتوم مروراً بتوجه مدينة دبي لتكون الأذكى عالمياً، ومن ثم وصولاً إلى إقامة معرض إكسبو 2020م الذي يعد فرصة ذهبية للشركات الفرنسية وغيرها للاستثمار في دولة الإمارات. ومن حيث حجم التبادل التجاري مع فرنسا تأتي الإمارات في المرتبة الثانية في دول المنطقة بعد المملكة العربية السعودية التي وصلت فيها قيمة المبادلات التجارية إلى 9,4 مليار يورو في ذلك العام، وتتصدر دولة الإمارات دول مجلس التعاون الخليجي بالنسبة للمبيعات الفرنسية، حيث تحتل الحيز الأكبر بنسبة 42 في المئة متفوقةً بذلك على جميع دول المجلس الأخرى. استثمارات وتمثل دولة الإمارات وحدها 45 في المئة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة لدول الشرق الأوسط في فرنسا، علماً بأن حوالي خمسين شركة في فرنسا مملوكة بشكل كلي أو جزئي من قبل رؤوس أموال إماراتية. كما شهدت العلاقات بين الإمارات وفرنسا في مجال الدفاع والتعاون العسكري تطوراً ملحوظاً، وذلك ضمن مرجعية اتفاقيات الدفاع والتعاون المبرمة بين البلدين. وتعقد دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية فرنسا مشاورات دائمة رفيعة المستوى، ويتيح الحوار الاستراتيجي بين البلدين الذي استهل في عام 2012 ضمان متابعة فنية للمشاريع الرئيسة في العلاقات الثنائية بينهما، وتسهم الزيارات المتبادلة بين المسؤولين من البلدين في إقامة حوار متبادل ومثمر يشمل جميع القطاعات. وما يميّز العلاقات التي تربط بين فرنسا والإمارات هو أنها شراكة حقيقية، فالإمارات العربية المتحدة وفرنسا هما شريكان يتحاوران ويقرران معاً اتجاهات تعاونهما، إنهما يعملان معاً، وينظران معاً بكل حزم وتفاؤل إلى المستقبل، ومن خلال عملهما المشترك بإمكانهما أن يقدما مساهمة هامة وفعالة للسلام والأمن الدوليين في العالم، وذلك من خلال جسور التواصل المستمرة، والاستعمال الكامل لأدوات الحوار السياسي من أجل فض المنازعات بين الدول، وبناء مستقبل أفضل للبشرية. ثقة ليس افتتاح صرحين من أكبر صروح العلم والثقافة والفنون في فرنسا والعالم، في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهما «جامعة السوربون» و«متحف اللوفر»، سوى دليل واضح على مدى ثقة جمهورية فرنسا في دولة الإمارات واحترامها وتقديرها لها، حيث يمثل هذان الصرحان الكبيران شرف وفخر العلوم والثقافة والفنون الفرنسية والعالمية أيضاً، حيث تأخذ جامعة السوربون الفرنسية العريقة من مختلف علوم وثقافات العالم وتعطي، في نفس الوقت، العالم كله نتاج علمها وأبحاثها، بينما يضم متحف اللوفر، أعظم متاحف العالم، أشهر وأروع إبداعات الفن العالمي والحضارات الإنسانية على مر الأزمنة والعصور. إن احتضان دولة الإمارات العربية المتحدة لهذين الصرحين الفرنسيين الكبيرين يعكس مدى نمو وتطور ونجاح العلاقات بين البلدين الإمارات وفرنسا.
مشاركة :