تشير تقديرات إلى أن أصولاً بقيمة تريليون دولار ستنتقل إلى أفراد الجيل المقبل من أصحاب الخبرة والكفاءة في الشركات العائلية في منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة 2015- 2025. ونظراً إلى أن هذه الشركات توظف أكثر من 80 في المئة من القوى العاملة في المنطقة وتساهم بنسبة 60 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي، وفقاً لتقرير صدر أخيراً عن شركة برايس ووترهاوس كوبرز، فإن هذا التحول القادم سيترتب عليه آثارٌ لا تقتصر على الشركات ذاتها، بل ستطاول المنطقة ككل. وخلافاً لمناطق أخرى من العالم، فإن الكثير من الشركات العائلية في المنطقة لا تزال شابة مقارنة بنظيراتها العالمية، بل لا يزال بعضها بيد الجيل الأول ولم يحن الوقت بعد لانتقالها إلى الأجيال التالية. وبغض النظر عن الحجم والقطاعات التي تنشط فيها، يواجه هذا النوع من الشركات في المنطقة تحديات كثيرة، لا سيما في ما يتعلّق بخطط التعاقب الوظيفي. ووفقاً لاستبيان أجرته «برايس ووترهاوس كوبرز» عام 2016، فإن 14 في المئة فقط من الشركات العائلية لديها خطة تعاقب رصينة وواضحة المعالم، فيما أشار 38 في المئة من المشاركين في الاستبيان إلى أنهم لم يضعوا فعلياً خطة لهذا الأمر. ومن جهة أخرى، أشارت دراسة أجراها «مجلس الشركات العائلية الخليجية» بالتعاون مع شركة «ماكينزي آند كومباني» إلى أن أقل من 50 في المئة من الشركات تطبق سياسة واضحة للتوظيف وتعاقب القيادات، وأن 32 في المئة منها لديها سياسة واضحة في شأن الأدوار والمسؤوليات القيادية. شهد القرن الحادي والعشرين تغيرات سياسية واقتصادية هائلة، كما تغيرت اللوائح التنظيمية وقواعد الشفافية أيضاً بالنسبة إلى الشركات. ومن المتوقع أن يكون للتغير التكنولوجي المتسارع الذي نشهده في عصرنا الحالي تأثيرٌ كبير على قطاعات الأعمال كافة. كما أن انتشار ثقافة الابتكار، وتنامي روح الإبداع وريادة الأعمال، باتا يؤثران في قرارات الأفراد ضمن الأسرة الواحدة. لذلك، من الأهمية بمكان بالنسبة إلى الشركات العائلية مراجعة نماذج أعمالها واستراتيجياتها الخاصة بإدارة محافظها الاستثمارية، إضافة إلى التركيز على قضايا مثل تخطيط التعاقب الوظيفي، وتعزيز مشاركة أجيالها الشابة في صنع القرار وترسيخ مبادئ الحوكمة ضمن بيئاتها المؤسسية. وتقع المسؤولية أيضاً على عاتق الجهات التنظيمية والتشريعية لتوفير إطار عمل يدعم هذه الشركات ويوفر البيئات الملائمة لها، كي نتجنّب رحيل أصول ثمينة إلى مناطق اختصاص أخرى. ومن أجل ذلك، أنشأ مركز دبي المالي العالمي لجنة إدارة الثروات العام الماضي لتشرف على تطوير استراتيجيات لمـــساعدة الشركات العائلية على ممارسة عملياتها ضمن بيئة متطورة وداعمة للأعمال، إضافة إلى بحث التـــحديات التي تواجهها هذه الشركات على صـــعيد إدارة الثروات وتخطيط التعاقب الوظيفي. كما وضع أطر عمل تنظـــيمية تـــدعم نماذج الاستثمار التقلـــيدية والمتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، بما في ذلك صناديق الائتمان التي تتيح للشركات العائلية قدرة أكبر على التحكيم بطريقة سير أعمالها. وكان لمذكرتي التفاهم اللتين وقّعهما المركز هذا العام دور في تعزيز هذه الجهود، اذ كانت الأولى مع دائرة الأراضي والأملاك في دبي بهدف توفير آلية عمل تمكن الشركات وصناديق الاستثمار العاملة في المركز من شراء العقارات في دبي وتسجيلها لدى الدائرة. أما الثانية، فكانت مع دائرة التنمية الاقتصادية في دبي من أجل السماح للشركات العاملة ضمن المركز بالحصول على رخصة مزدوجة تمكنها من مزاولة أعمالها في المناطق الخاضعة لنظام الاستثمار الداخلي في دبي. معروف أن الشركات العائلية في منطقة الشرق الأوسط نمت وازدهرت بالتزامن مع تطور الاقتصادات الهيدروكربونية في المنطقة. وبالتالي، ستصبح هذه الشركات جزءاً أكثر أهمية في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المستقبل مع استمرار مسيرة التنويع الاقتصادي. وتتواصل الجهود نحو تشجيع التغيير الإيجابي بين شريحة الجيل المقبل من المواهب القيادية لتجهيزها لقيادة مستقبل الشركات العائلية بما يضمن لها مستقبلاً أكثر ازدهاراً ومواصلة البناء على إنجازاتها التي تحققت حتى اليوم.
مشاركة :