فُجعت صباحاً على خبر وفاة أستاذي ومعلمي وأبي الروحي يحيى الربيعان. وكأن نوفمبر يزداد ثقلا وهيمنة وضغطا بوحشية مضاعفة على قلبي و وجداني. غادر أستاذي الكريم يحيى الربيعان، بوعهدي. صاحب مكتبة ودار الربيعان للنشر... أول من آمن بي ككاتبة قصة قصيرة. ونشر لي أول مجموعة قصصية «امرأة تتزوج البحر» عام 1989 وأنا طالبة في بريطانيا. ثم نشر لي ثاني كتبي، ديوان «عناكب ترثي جرحا». وواجه معي القضية المرفوعة ضد قصيدة فيه في قاعات المحاكم. ساندني ولم يتخل عني يوما. آمن بفكري وموهبتي وكان خير الأب والمعلم. كان شجرة استظل بظلها واستند لجذعها المتين فلا تقتلعني رياح الظلم أو الإنكار والإحباط. طوال مسيرتي في مجتمع لم يتقبل أو يقدر فكري،كتبي وإنتاجي. ثم نفذ حظ النشر والكتب ولم يتمكن من الإبقاء على مكتبته الجميلة بالدور الأرضي في مجمع رئيسي بشارع ابن خلدون في حولي. فتكفل الأستاذ البابطين بنقلها للدور الأول في مجمع آخر بالشارع نفسه. لكن تغير بوعهدي. حزن كثيرا. خاب ظنه بالقراءة والبلد. وانطفأ البريق في عينيه. اشتد عليه المرض وتراجع عن الظهور والمشاركات. أذكر مقالا حزينا عنه في صحيفة وهو جالس على كرسي وحوله رفاقه الكتب مكدسة على الأرض كالجثث... كانت جنازة الكتاب والنشر والفروسية والنبل. رأيته آخر مرة عام 2013 في مبنى المعلومات المدنية في مشرف. لم يعرفني. كان على كرسي ومعه مرافق هندي. يده ترتعش من دون توقف. جلست عند ركبته، قلت: أنا عالية. فمسح على رأسي بحنان وقال بصوت مبحوح: «هلا هلا». وبكيت... بحرقة بكيت. وداعا بوعهدي؛ ناشر مثقف خلوق لن يتكرر. نعزي الكويت كلها برحيلك. اخترت أن ترحل في ذكرى وفاة أبي في نوفمبر الحزين المظلم وكأني أصبح يتيمة من جديد. لو كنا في بلد يحترم القامات التاريخية بإنجازها الثري وعطائها الغزير كأبو عهدي لوجدنا تقديرا واهتماما لشخصيات تبنت ثقافة البلد، النشر والاهتمام بالكتب ونشر الثقافة بزمن كان لا يلتفت أحد لمعنى الكتاب وقيمة المعرفة فيه. وأجزم بأن مَنْ نشطوا يومها بالكتابة عن وفاته لم يعاصروا معاناته. لم يقدموا له يد المساندة والتقدير حين كان يحتاجها. رحمة الله عليه.
مشاركة :