نجاة الفارسهناك مبدعون يصعب أن يكررهم التاريخ، لما تركوه من آثار خالدة شاهدة على عبقريتهم وتفردهم، كانوا ولا زالوا عظماء، ولعل الأديب المسرحي سعد الله ونوس قامة تستحق أن تكون من ضمن هؤلاء المبدعين، يكفي أن نعلم أنه ترك لنا أكثر من 26 عملاً إبداعياً مسرحياً. ولد ونوس سنة 1941 في قرية حصين البحر قرب طرطوس في سورية، من أسرة فقيرة، وعندما التحق بالمدرسة الابتدائية نصحه مدرس اللغة العربية أن يكثر من المطالعة، حتى عشق القراءة لدرجة أنه كان يشتري كتبه بالدّين، وبعد حصوله على الثانوية العامة نال منحة دراسية للحصول على ليسانس الصحافة في جامعة القاهرة، وفي هذه السنوات الأربع من الدراسة استطاع أن يتعرف إلى الأدب المسرحي من خلال محاضرات الدكتور محمد مندور. بعد تخرجه عيّن مشرفاً على قسم النقد بمجلة «المعرفة» بدمشق، ثم سافر عام 1966 في إجازة دراسية إلى باريس لدراسة الأدب المسرحي، في جامعة السوربون، وبعد هزيمة 1967 تأثر كثيراً واعتبرها هزيمة شخصية له، وعبر عن ألم هذه الهزيمة في مسرحيته «حفلة سمر من أجل 5 حزيران». وفي فرنسا ساهم مع زملائه في إقامة أحد المنابر للتعريف بالقضية الفلسطينية، وبعد أن أنهى دراسته عاد إلى دمشق وعيّن رئيساً لتحرير مجلة خاصة بالأطفال، وفي عام 1975 عمل محرراً في صحيفة السفير البيروتية، وعندما نشبت الحرب الأهلية في لبنان عاد إلى دمشق ليعمل مديراً لمسرح القبّاني، ثم عمل مع مجموعة من المتحمسين للمسرح على إقامة مهرجان دمشق المسرحي الأول ونجح المهرجان على مستوى الوطن العربي، لكنه توقف في 1978. وفي أعقاب الغزو «الإسرائيلي» للبنان وحصار بيروت عام 1982 اعتصم ونوس عن الكتابة لعقد من الزمن، ثم عاود الكتابة في أوائل التسعينات بمجموعة من المسرحيات السياسية. وفي عام 1992 أصيب المبدع مرهف الإحساس بسرطان البلعوم، وقد حدد له الأطباء الفرنسيون مدة المرض القاتل بستة أشهر، لكنه كافح المرض الخبيث من خلال إصراره على الكتابة والتأليف والإبداع. وقد ذكرت زوجته أنه لم يترك الكتابة والورق والأقلام حتى في أيامه الأخيرة بالمستشفى وهو يودع الدنيا، فقد كان مؤمناً بأهمية المسرح، ويتضح ذلك من قوله «إن المسرح ليس تجلياً من تجليات المجتمع المدني فحسب، بل هو شرط من شروط قيام هذا المجتمع».Najatfares2@gmail.com
مشاركة :