كان مدهشها بالنسبة إلي أن أكتشف خلال زيارتي للبلد أعمال محمد شكري والطاهر بن جلون وفاطمة المرنيسي وغيرهم من الكتاب العرب في طبعات صربية أنيقة.العرب حسن الوزاني [نُشر في 2017/11/18، العدد: 10816، ص(16)] زرتُ قبل أيام المعرض الدولي للكتاب ببلغراد الصربية، لحضور حفل الإعلان عن اختيار المغرب كضيف شرف دورته المقبلة. وإذا كانت المعارض الدولية تتشابه من حيث الفكرة، فلكل معرض هويّته الخاصة التي تعكسُ هوية البلد، بشكل تبدو معه المعارضُ كرسائل موجهة إلى بقية العالم. ويبدو معرض بلغراد، الذي راكم أكثر من ستين سنة، أكثر شبابا وتألقا، بحكم مهنية تنظيمه. غير أن المدهش هو احتفاله الاستثنائي باللغة الصربية. فبالرغم من طابعه الدولي، يبدو أن هناك اختيارا لجعل المعرض ناطقا بلغة البلد. والحقيقة أن المعرض يعكس وضعَ الكِتاب بصربيا، ومعه الجانب اللغوي للبلد، حيث يبدو مدهشا أن تعرف صربيا حركية هامة على مستوى الإنتاج الثقافي، إذ صارت لها دُورُها الكبيرة التي تملك القدرة على إيجاد مكانها الخاص داخل مجال النشر بالعالم. ولا يحيل احتفاء صربيا بلغتها على انغلاق البلد على المستوى الثقافي، كما قد توحي إلى ذلك المؤشرات السابقة، فآخر الإنتاجات الأجنبية تملأ مكتبات البيع، كما كان مدهشها بالنسبة إلي أن أكتشف خلال زيارتي للبلد أعمال محمد شكري والطاهر بن جلون وفاطمة المرنيسي وغيرهم من الكتاب العرب في طبعات صربية أنيقة. وإذا كان ذلك يحدث في بلد لا يتعدى سكانه العشرة ملايين نسمة، فثمة في الضفة الأخرى، أكثر من عشرين بلدا عربيا، يُفَوتُ ناشروه سوقا كبيرة تتقاسم نفس اللغة ونفس الذوق الأدبي، مع بعض الاختلاف بالطبع. وتماهيا مع ذلك، وخارج حالتي لبنان ومصر، اللتين راكمتا تجربة عريقة على مستوى النشر والتوزيع، تستمر دور النشر ببقية الدول العربية في لعب دَوْر الدُّور الصغيرة التي تكتفي بالنشر والتوزيع داخل حدود بلدانها الضيقة. ولذلك يبدو عاديا أن لا يتجاوز معدلُ سحب الكِتاب بدول كتونس والجزائر والمغرب وغيرها، الألفَ نسخة من عناوين قد تضاهي، من حيث القيمة، ما قد يصدر بالقاهرة أو ببيروت. كما يبدو مفارقا أن يقرأ المشارقة أعمالَ عبدالفتاح كيليطو ومحمد عابد الجابري وغيرهما من الأسماء اللامعة أو الجديدة عبر مناسبات معارض الكتاب، في اللحظة التي تملأ كتبُ المشرق، سواء الجيد منها أو القريب منها إلى الخردة، مكتبات المغرب والبلدان المشابهة. يكفي التذكير هنا أن قيمة مجموع واردات المغرب في مجال الكتاب، تضاعفت بعشرين مرة مجملَ قيمة صادراته. وهي نسبة ترتفع بشكل مذهل إذا تحدثنا عن وارداته من بلد صغير كلبنان، حيث ترتفعُ هذه النسبة إلى حوالي أربعين مرة. لا مبرر لاستمرار هذا الوضع المفارق في ظل استفادة الكِتاب من الإعفاءات الجمركية وأيضا من دعم الدول، كما هو الأمر بالنسبة إلى المغرب وتونس. يحتاج الأمر فقط للشجاعة وللكثير من المهنية. كاتب مغربيحسن الوزاني
مشاركة :