مكتبات سرية بقلم: حسن الوزاني

  • 11/19/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

مكتبات سرية العربحسن الوزاني [نُشرفي2016/11/19، العدد: 10460، ص(17)] رغم أعين الطالبان المنتشرة استطاع بدرام أن يُهَرّب ما تبقى من المكتبة إلى مكان سري بالجبل، ليغادر بعد ذلك أفغانستان إلى أوروبا. تخلق المكتبات لكي تكون مفتوحة للعموم، باحثين أو قراء عابرين. غير أن هناك مكتبات أخرى تنشأ لكي تكون معزولة عن قرائها المفترضين أو تختار أن تدخل السرية لأكثر من داع، سواء بسبب قساوة الحروب التي تأتي على كل شيء أو بحكم طبيعة أرصدة المكتبات نفسها. الأمثلة متعددة وقد تهم كل الحضارات الإنسانية، غير أن من أبرزها حالات مخطوطات البحر الميت التي تمّ اكتشافها، بمحض الصدفة، خلال أربعينات القرن الماضي من طرف راعيين من بدو منطقة التعامرة، ومكتبة القاهرة القديمة المعروفة بالفسطاط التي كانت مخفية بأحد حيطان كنيس بن عزرا، وأرشيف الفاتيكان السري الذي يحتوي المراسلات البابوية التي تعود إلى ما يناهز العشرة قرون. وتضاف إلى ذلك المكتبات المخبّأة في أغلفة مجلدات القرون الوسطى، حيث كانت العادة، كما يشير إلى ذلك المؤرخ الهولندي إريك كواكيل، أن تتم إعادة استعمال الوثائق المكتوبة غير المرغوب فيها لصناعة الأغلفة. وإذا كانت هذه الحالات تعود إلى الآلاف من السنين، فإن إخفاء المكتبات سيستمر مع وجود نفس الدواعي. ولذلك كان عاديا أن يُقْدم شيوخ الزاوية الناصرية، الواقعة بجنوب المغرب، على إخفاء مخطوطات مكتبة تامكروت وراء الحيطان خوفا من وصول أيادي سلطات الاستعمار الفرنسي إليها. أما في سوريا، فقد عمل شبان على تأسيس مكتبتهم السرية تحت بناء مدمّر في مدينة داريّا بريف دمشق، مع فتْحها أمام الجميع، قراء عاديين أو ثوارا يسترقون لحظات للهروب من وجع الحرب. قبل ذلك بسنوات، كان لطيف بدرام، الشاعر الأفغاني ومحافظ مكتبة ناصر خسرو، شاهدا على عملية إحراق رصيد المكتبة من طرف حركة طالبان. لم يكتفوا بذلك. بل أقدموا، بشكل إجرامي، على قتل موظفي المكتبة البسطاء وعلى رمي جثثهم في النهر. وبدا المشهد، كما يصفه لطيف بدرام، كما لو أنه تماما إعادة لما فعله المغول بقيادة جنكيز خان بمكتبة مسجد بخارى قبل قرون. أما المكتبة، التي تحمل اسم ناصر خسرو، الرحالة والشاعر والفيلسوف الفارسي، فقد كانت تضم ما يناهز الخمسين ألف نسخة، حيث كانت تتجاور مخطوطات يعود عمرها إلى ما يناهز العشرة قرون مع كتب كانط وكافكا، بشكل يعكس صورة التسامح والاختلاف التي سيفتقدها الأفغان. ورغم أعين الطالبان المنتشرة، استطاع بدرام أن يُهَرّب ما تبقى من المكتبة إلى مكان سري بالجبل، ليغادر بعد ذلك أفغانستان إلى أوروبا، حيث أشرف على تأسيس المؤتمر الوطني لأفغانستان. تعرفتُ إلى لطيف بدرام خلال لقاء شعري بكندا. شابٌ أنيق في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي. يتكلم بفرنسية راقية. كان متأكدا من فوزه بالرئاسة. ووعدني من باب الدعابة بمنصب وزير الثقافة. عاد بدرام إلى أفغانستان وتقدم للانتخابات الرئاسية الأولى، غير أنه احتل الرتبة الخامسة، بسبب ما اعتبرته أحزاب المعارضة تزويرا. فاز كرزاي. وضاعت المكتبة وضاع المنصب الموعود. كاتب من المغرب حسن الوزاني :: مقالات أخرى لـ حسن الوزاني مكتبات سرية , 2016/11/19 أغنية فوق البوديوم , 2016/11/12 المغرب شارحا, 2016/11/05 المغاربة وكتاب البخاري, 2016/10/29 الفلسفة وأشياء أخرى , 2016/10/22 أرشيف الكاتب

مشاركة :