يواصل البرلمان اليوم نسف قانون الأحوال الشخصية رقم 88 لسنة 1959 وتثبيت مواد مجحفة تستند إلى فقه مذهبي يناقض المواثيق الدولية فيما يخص قضايا الزواج وعواقب الطلاق وتبعاته والإرث والقيمومة على الأطفال.العرب لطفية الدليمي [نُشر في 2017/11/19، العدد: 10817، ص(10)] بعد عقودٍ من نضالات المرأة العراقية لنيل حقوقها الإنسانية المشروعة ومساهمتها الفعالة في بناء الوطن يعمل طائفيو البرلمان العراقي اليوم على إعادة المرأة إلى عصور الجواري بتعديلاتهم الفقهية الغريبة على مجتمعنا؛ ففي كل يوم تتفاقم الغلال المسمومة التي أفرزتها الطائفية الممسكة بخناق العراق ونظامها الذي يمعن تنكيلا بالمجتمع ولا تقف في وجهه مواثيق الأمم المتحدة ولا الإعلان العالمي لحقوق الأطفال ولا يعترف ببنود الإعلان العالمي للتمييز ضد المرأة التي كان العراق من أوائل الموقعين عليها، فقد اختار المشرعون الطائفيون إدراج تعديلات مهينة للإنسانية على قانون الأحوال الشخصية وانتقوا أسوأ ما نصت عليه اجتهادات الفقهاء فيما يخص التعامل مع المرأة والطفل في موضوعة الزواج والإرث والقيمومة، حتى تماثلت رؤيتهم للمجتمع والمرأة مع الممارسات الداعشية التي أّذلّت النساء العراقيات من مختلف الأديان والأعراق واغتصبتهن وتعاملت معهن كغنائم حرب وجرى بيعهن واقتسامهن بين المسلحين في المناطق التي هيمنوا عليها في شمال العرق وغربه، ومازالت مئات المواطنات العراقيات الإيزيديات والمسيحيات والمسلمات الأسيرات لدى داعش مجهولات المصير مع صمت مريب من الحكومة العراقية إزاءهن، ويبدو ذلك منطقيا إذا ما علمنا أن الأحزاب الطائفية لا تعترف بمفهوم المواطنة قدر إيمانها بالتبعية الدينية والمذهبية الممتدة خارج حدود البلد الواحد. وإذا ما ألقينا نظرة متفحصة على ما أنجزه البرلمان الطائفي من تشريعات تخل بالحقوق الأساسية للإنسان، تأكدنا أن جميع الأحزاب الإسلامية غير معنية بمصلحة البلاد قدر اهتمامها باقتناص الثروات وامتلاك العقارات وتقييد الحريات الأساسية والزواج بعدد من النساء قانونا مع شرعنة زيجات تسيء لكرامة المرأة مما تعتبره القوانين الإنسانية نوعا من دعارة مستترة. تبالغ التعديلات التي اقترحها البرلمان في ترويج الرؤية المنحطة للعلاقة الزوجية القائمة على المحبة والتراحم وقبول طرفين ناضجين مسؤولين عن خيارهما وتحولها إلى مجرد فعل جنسي واغتصاب مشين وبيع وشراء يتحكم فيه أولياء الأمور فيما يخص تزويج طفلة التاسعة التي تستحق الرعاية والتعليم والحرص على حقوقها الطبيعية في اللعب والعلاج والحماية من قبل الوالدين والمجتمع، وتأتي جميع التعديلات المستندة إلى الفقه المذهبي -في نظام يدعي الديمقراطية- مناقضة في مجملها لقانون الأحوال الشخصية العراقي الذي ضمن كرامة الرجال والنساء من غير أن تتعارض مواده ونصوصه مع الشريعة التي استمد أفضل ما فيها وعززها بما أقرّته القوانين الوضعية المتقدمة، وكان المشرع العراقي المعني بالوطن ومستقبل أجياله من الحكمة والإقرار بحقوق الإنسان والمرأة حريصا على انتقاء الأحكام الشرعية -من دون التقيّد بمذهب معين- ليسكبها في قاعدة قانونية ارتضتها غالبية المجتمع وبذلك أرسى سيادة القانون والقواعد الأولى لبناء مؤسسات الدولة. لقد انطوى الدستور العراقي -الذي كتب بعجالة من قبل الطائفيين غير المتخصصين بالقانون عشية الاحتلال- على مواد عديدة تناقض مفهوم المساواة أمام القانون، بل إن ديباجة الدستور سيّدت الطائفية علانية وتعارضت المواد المتعلقة بحقوق الإنسان مع كثير من مواده المتناقضة، إذ كتب الكثير منها بصيغ مبهمة يسهل تأويلها فقهيا لصالح التشدد ويتيح للحاكم تحديد الحريات الأساسية وتقييدها بل وحظرها إذا لزم الأمر. ويواصل البرلمان اليوم نسف "قانون الأحوال الشخصية رقم 88 لسنة 1959" وتثبيت مواد مجحفة تستند إلى فقه مذهبي يناقض المواثيق الدولية فيما يخص قضايا الزواج وعواقب الطلاق وتبعاته والإرث والقيمومة على الأطفال، وانتهى الأمر به إلى تكريس التمييز العنصري بين المواطنين من الأديان الأخرى وحرمانهم من حقوق تتعلق بالمواطنة سبق وأقرتها القوانين الوضعية السابقة. كاتبة عراقيةلطفية الدليمي
مشاركة :