مجموعة من الشباب المصورين المصريين تجربة فنية جديدة أسفرت عنها ورشة عمل استمرت على مدار شهر كامل. هذه التجربة تتمثل في التقاط صور فوتوغرافية تعبر عن شخصيات وأجواء وعوالم الأديب نجيب محفوظ (11 ديسمبر 1911 – 30 أغسطس 2006)، بداية من روايته “همس الجنون” حتى آخر أعماله القصصية “أحلام فترة النقاهة”.العرب شريف الشافعي [نُشر في 2017/11/20، العدد: 10818، ص(14)]كاميرات تصور شخصيات محفوظ القاهرة - في خطوة طريفة قامت مجموعة من الشباب المصريين بتصور فوتوغرافي لشخصيات أشهر روايات الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ، فصوروا شخصيات فتوّات حي الجمالية والحرافيش و”سي السيد”، والأم “أمينة”، ومحجوب عبدالدايم (بطل رواية “القاهرة الجديدة”)، وسعيد مهران (بطل “اللص والكلاب”)، وغيرهم من شخصيات أعمال نجيب محفوظ الشهيرة، التي صارت أناسا من لحم ودم من خلال كاميرا 13 فنانا شابّا ضمتهم ورشة قراءة وعمل نادي “إن فوكس” للفوتوغرافيا، ويحتضن لقطاتهم الفريدة المعرض الجماعي “أحلام فترة النقاهة” بقاعة الكلمة في “ساقية الصاوي” بالقاهرة الذي اختتم أمس الأحد، بعد أسبوع من العرض المتواصل. ونادي “إن فوكس” هو ملتقى فوتوغرافي اجتماعي، يهدف إلى نشر ثقافة الفوتوغرافيا بمختلف مجالاتها في مصر، ويستغل الميديا الإلكترونية في تطوير أنشطته الفنية، وقد حصل مصوروه على جوائز عالمية وميداليات ذهبية من الاتحاد الدولي. ومركز “ساقية الصاوي” الثقافي هو أحد أبرز المراكز الثقافية الخاصة بمصر وأوسعها انتشارًا، تأسس عام 2005، ويهتم بألوان الفنون والإبداعات المختلفة ويتضمن مكتبة وفضاء سينمائيا ومسارح وقاعات عرض للفنون التشكيلية، ويرتاده أكثر من 20 ألف زائر شهريًّا و150 ألف زائر إلكتروني، خصوصًا من الشباب.الفنانون هدفوا إلى ابتعاث روح نجيب محفوظ من جديد، من خلال شخصياته الشهيرة وأحداث قصصه ورواياته الأثر الخالد يمثل معرض “أحلام فترة النقاهة” الفوتوغرافي التجربة الثالثة في هذا الإطار لنادي “إن فوكس”، بعد معرضين فوتوغرافيين سابقين استلهما أعمال الكاتب توفيق الحكيم، أحدهما بعنوان “خط أحمر”، والآخر بعنوان “عودة الروح”. جاءت أعمال المصورين الفوتوغرافيين في معرض “أحلام فترة النقاهة” ثرية ومتنوعة، إذ تمثل اللقطات تجسيدًا لمراحل نجيب محفوظ المختلفة، بداية من أعماله التاريخية مثل “همس الجنون” و”عبث الأقدار”، مرورًا بمرحلته الواقعية التي شهدت روايات “القاهرة الجديدة”، “بين القصرين”، “قصر الشوق”، “السكرية”، “خان الخليلي”، “زقاق المدق”، وغيرها، ثم مرحلته الفلسفية والرمزية التي أسفرت عن “الحرافيش”، “اللص والكلاب”، “الشحاذ”، “السراب”، وغيرها، انتهاء بأعماله القصصية المختزلة في سنواته الأخيرة ومنها “أصداء السيرة الذاتية” و”أحلام فترة النقاهة”. تضمن المعرض أكثر من خمسين لقطة فوتوغرافية، لثلاثة عشر فنانًا هم: حسين محمود، محمد عبدالغني، رحاب حسن، سلوى كريم، هاني سلطان، شيماء علاء، حبيبة إبراهيم، هند وهدان، كريمة محمود، أحمد خالد، محمد إيهاب، كريم نبيل، مروان محمد. هدف الفنانون إلى ابتعاث روح نجيب محفوظ من جديد، من خلال شخصياته الشهيرة وأحداث قصصه ورواياته ذائعة الصيت، التي تحولت إلى أفلام سينمائية وأعمال درامية، فضلًا عن طقوس وأجواء عوالمه القاهرية، الفنية والشخصية في آن واحد، والأحياء والأمكنة الشعبية والمقاهي التي كان يرتادها مع أصدقائه من شلة الحرافيش. واهتمت لوحات المعرض على نحو خاص بمجموعته الأخيرة “أحلام فترة النقاهة”، وهي تجربة مغايرة، يمزج فيها الكاتب بين التخييل الفني والأحلام التي يعاينها بالفعل في منامه، وتعتمد على التكثيف الشديد، واللغة الشعرية، والحكمة، وقد حملت الكثير من الأحلام المحفوظية تنبؤات بأحداث سياسية وعسكرية واقتصادية، محلية وعربية ودولية، جرت لاحقا على أرض الواقع. وتعدّ “الأحلام” أسلوبًا جديدًا في السرد القصصي المعاصر، وشخصياتها حقيقية في بعض الأحيان (سعد زغلول، جمال عبدالناصر، أم كلثوم، إلخ.)، ومتخيلة في أحيان أخرى، وفق طبيعة الحلم، والحدث الذي يسرده الراوي، والذي قد يكون حدثا أسطوريًّا. اتخذ الفنانون المشاركون بعض عبارات نجيب محفوظ “الرمز والأثر الخالد”، لتكون أيقونة لمعرضهم الجماعي، ومما ورد فيها “إذا ما قرأتم الأحلام الأخيرة، ستكتشفون أنها مترعة بالنسيان، فهكذا ظننت أنني قد مضيت متأبطا ذراع الموت إلى ما لا نهاية، مغادرا الدنيا كجنين يولد في الآخرة من رحم الدنيا”. “لكن روحي قد بعثت”، كما تستطرد العبارات المحفوظية، “وأصولي قد دبت في أرجائها الحياة، حتى ظننت أنني قد عدت شابّا من جديد، أو ربما تلك هي الجنة، أن تغادر الدنيا ليحيا فيها الأثر الذي تركته، ذلك أنني قد نقشته بالهمة والإخلاص، فقد علمت رسالتي، فأخضعت لها كل هواجسي وحواسي، فلما عجزت عن الكتابة، أمليت آخر أحلامي في الدنيا على أذن المريدين”.أعمال المصورين في معرض "أحلام فترة النقاهة" متنوعة، تمثل اللقطات تجسيدا لمراحل نجيب محفوظ المختلفة واقعية وفانتازية يأتي “النبّوت” في يد أحد الفتوات، ليمثل محور الرؤية البصرية في لقطة فوتوغرافية للفنانة رحاب حسن، المشاركة بمعرض “أحلام فترة النقاهة”، وتتخذ الفنانة من الإضاءة والإظلام تقنية لإظهار ما تريد بلورته من رموز القوة، وإخفاء التفاصيل الزائدة. وتضيء الفنانة وجه “الفتوة” بأقصى شحنة ضوئية، مبرزة تقاسيمه وتفاصيله وانفعالاته، في تماس مع العوالم الداخلية والنفسية لفتوات الحرافيش، التي أسهب في تصويرها روائيًّا نجيب محفوظ في ملحمته. في أجواء شبيهة، على نحو أكثر واقعية، يصور الفنان حسين محمود في لقطته الفوتوغرافية مجلسا لمجموعة من الرجال، يمثل أحدهم مركز الزعامة وفي يده النارجيلة وأمامه سلة الفاكهة، ويحيل المشهد إلى أكثر من عمل لنجيب محفوظ، مثل “الحرافيش”، و”الثلاثية”؛ أيقونة مرحلته الواقعية، التي دارت أحداثها في حي الجمالية في القاهرة. لعل “محجوب عبدالدايم” (أحد أبطال رواية: القاهرة الجديدة)، أو “حسنين” (أحد أبطال رواية: بداية ونهاية)، هو المقصود بذلك الشاب الذي يقف أمام المرآة في عمل المصور كريم نبيل، إذ تأخذ النرجسية الشاب إلى حد بعيد وهو يتأمل ذاته وهندامه في المرآة، قبل أن يستكمل أناقته بارتداء الجاكيت المعلق. وتستثمر المصورة سلوى كريم الأجواء المحفوظية في طرح فانتازي مختلف، حيث تقود “الأحلام” إلى تخيل وجه العالم الراهن، في صورة خارطة كبيرة، ومجموعة من التقنيات والأدوات، منها الموبايل، والساعة، والعدسة، وعلبة السجائر، والقلم، وغيرها من مفردات العصر. وتصور الفنانة ذاتها في عمل آخر يدين ضخمتين وهما تطبقان بقسوة على أوراق بيضاء مكتوبة فيها أبيات من الشعر الديني والتصوفي، فتغيب كلمات كثيرة تحت وطأة الأصابع. والتقى الفنان مروان والفنانة شيماء عادل في فضاء “أحلام فترة النقاهة”، من خلال تصويرهما للإحالات الرمزية والدلالية والأجواء التي تقود إليها الأحلام، من إحساس بالاحتراق الداخلي إلى حدّ الجحيم، أو بلوغ قمة النعيم، فضلا عن التحليق في المنام إلى أبعد مدى ممكن بأجنحة الطيور التي لا تعرف التوقف، ولا ينتابها الخمول. وتذوب الشعرة الفاصلة بين النورانية والاشتعال في مشاهد التصوف والوجد التي تنقلها الكاميرا.
مشاركة :