تعدد الصالونات لم ينعكس بصورة إيجابية على الحالة الثقافية، وبدت هذه المسألة عادة أو تقليدا أكثر منها تعبيرا عن رؤية ومشروع فكري يريد استنهاض الهمم وتحفيز القوة الناعمة المصرية على النهوض من الركود الذي واكبها على مدار السنوات الماضية. كما أن النتيجة تظل محصورة في نخبة ضئيلة لم تستطع الخروج من قوقعتها والوصول إلى قطاع عريض من الجمهور، فمعظم فعاليات الصالونات الثقافية تظل محصورة في أصحابها ولم تتمكن توسيع نطاق خطابها ليصل إلى الجمهور العريض عبر وسائل الإعلام المختلفة. وتحدث الشاعر السيد الجزايرلي عن تجربة مغايرة هي إنشاء صالون ثقافي مصري للمغتربين في المملكة العربية السعودية، مشيرًا إلى أن الصالونات التي تنحاز للنزعة الفردية تنكشف سريعًا وتخفت ثم تموت، وفي المقابل تحتفظ الصالونات التي تنشأ من حاجة الجماعة الثقافية بقدرة أكبر على النجاح والاستمرار والتأثير برغم المعوقات. ويوضح الجزايرلي أن تجربة الصالون المصري بالسعودية انطلقت في الأساس من الاحتياج الثقافي الجمعي لمجموعة من المغتربين الذين يقاومون الفقد بمحاولات جادة للتعويض، ويقول “تولدت لدينا رغبة في الاتفاق على لقاء دوري يجمعنا في موقع ما، وقد تحمس للفكرة العم مجدي شحاتة رحمه الله، وكان يكتب القصة القصيرة ويعيش وحيدًا في منزله معظم الوقت، فاستمر لسنوات يجمعنا في بيته كل خميس ويحرص على توفير أجواء مصرية خالصة أثناء السهرة”.عبدالناصر هلال وتطور الصالون بانتقاله إلى أحد المقاهي ذات الطابع المصري وسط العاصمة السعودية الرياض، تحت مسمى “صالون مجدي شحاته الثقافي” برئاسة هشام السحار، ثم كبر الصالون وصار يعقد بمكتب جامعة القاهرة في الرياض، وصار له برنامج ثقافي دوري متنوع، جنبًا إلى جنب مع صالون آخر يرعاه المركز الثقافي المصري بالرياض. ويقول الجزايرلي “هدفنا الاحتفاء بالإبداع والمبدعين أينما كانوا على اختلاف جنسياتهم، ودائمًا الحاجة الثقافية ذات البعد الجماعي هي التي تعطي الصالون الثقافي القدرة على التأثير والاستمرار”. ثقافة بديلة أصبحت الصالونات الأدبية من أبرز النشاطات التي يحاول المثقف من خلالها مناقشة التطورات التي يمرّ بها المجتمع، ويساهم بشكل أو بآخر في خلق الوعي المناسب، ويزدهر النشاط الثقافي والمجتمعي بشكل كبير بعد الثورات والتحوّلات المجتمعية الكبرى. وظهرت الصالونات أو المجالس الأدبية في العصر الجاهلي، وكان الشعراء يعكفون على مدح الملوك والأمراء، مثلما هو الحال في عكاظ، وغيره من المجالس التي كانت تقام لمناقشة الأشعار والقصائد وتبيان أوجه الجمال بها. كما أقام سيف الدولة الحمداني واحدًا من أشهر المجالس الأدبية وكان يضم عددًا كبيرًا من الشعراء البارزين كالمتنبي وأبي فراس الحمداني، فضلا عن المجالس الأدبية في العصرين الأموي والعباسي، ومن أبرزها مجالس المأمون، عبدالملك بن مروان، والشريف المرتضى وغيرهم. وقال الناقد عبدالناصر هلال إن صالونه الثقافي حلقة جديدة موصولة تضيف إلى جهود من سبقوه في هذا الإطار لتقديم محتوى فكري وثقافي جاد والعمل على نشر ودعم الثقافة المصرية والعربية ودفع حركة الإبداع بمجالاتها المختلفة إلى الأمام. كاتب من مصر
مشاركة :