دمشق تصعد في الغوطة لتأليب الحاضنة الشعبية على المعارضة

  • 11/20/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

دوما (سوريا) - قتل العشرات من المدنيين بينهم عائلات بأكملها جراء القصف المستمر لقوات النظام السوري منذ أسبوع على الغوطة الشرقية المحاصرة، في تصعيد جديد يشكل انتهاكا لاتفاق خفض التوتر الساري منذ عدة أشهر. ويرى محللون أن هذا التصعيد يضعف موقف الفصائل المعارضة التي تعد الغوطة الشرقية آخر معاقلها قرب دمشق، في الوقت الذي تتكثف فيه المشاورات الدولية لتسوية النزاع السوري قبل قمة رئاسية روسية ايرانية تركية مرتقبة الأربعاء في روسيا. وبعد هدوء إلى حد كبير فرضه سريان اتفاق خفض التوتر منذ يوليو/تموز، عادت الطائرات الحربية والسلاح المدفعي السوري لاستهداف مدن وبلدات الغوطة الشرقية المحاصرة من قوات النظام منذ العام 2013. ومنذ أسبوع، يعيش السكان حالة من الرعب نتيجة القصف العنيف الذي أسفر عن مقتل أكثر من 80 مدنيا بينهم 14 طفلا، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. ودعا هذا التصعيد الأمم المتحدة الأحد إلى مناشدة الأطراف المعنية "تجنب استهداف المدنيين". وفي مدينة دوما كبرى مدن الغوطة الشرقية، يقول مجد (28 عاما)، الأب لطفلين "نضطر أحيانا إلى أن نختبئ داخل المنزل في أماكن غير مؤهلة لذلك، مثل الحمام أو المطبخ حتى أننا ننام فيهما أحيانا"، متحدثا عن رعب تعيشه عائلته كلما تجدد القصف. ورغم أن زوجته تحاول الايحاء لطفليها بأن الوضع طبيعي، إلا أن طفله البالغ من العمر أربع سنوات "حين يسمع صوت القصف يركض ليختبئ داخل خزانة أو خلف باب ويصرخ طيارة طيارة تضرب". وبعد قصف على مدينة دوما الأحد، بدت المشاهد في الغوطة الشرقية قاسية لأطباء يحاولون إنقاذ أطفال أصيبوا بجروح خطيرة يحدقون بعيون خائفة بانتظار تدخل طارئ لمعالجة أطرافهم التي مزقتها الشظايا. وفي احدى الغرف، يعانق رجل جسد طفل لا حياة فيه. وصعّدت قوات النظام قصفها على الغوطة الشرقية إثر هجوم شنته الثلاثاء حركة أحرار الشام الإسلامية المتمركزة في مدينة حرستا على قاعدة عسكرية تابعة للجيش. "مطب قوي" ويأتي هذا التصعيد برغم أن الغوطة الشرقية تعد واحدة من أربع مناطق سورية يشملها اتفاق خفض التوتر الذي توصلت إليه موسكو وطهران حليفتا دمشق وأنقرة الداعمة للمعارضة في استانا في مايو/أيار/مايو. ويقول الباحث في مؤسسة سنتشوري للأبحاث آرون لوند "من الواضح أن اتفاق خفض التوتر في الغوطة الشرقية ليس على ما يرام". وأوضح أنه في السابق "كانت هناك عدة هجمات حكومية وحاليا الفصائل هي من تهاجم"، مضيفا "من الصعب القول إن كان هناك سريان فعلي لوقف إطلاق النار". ويتوقع أن تعمل القوات الحكومية "على المدى الطويل على السيطرة على كامل منطقة الغوطة الشرقية وإن كان ذلك سيحتاج إلى وقت، باعتبار أنها قريبة جدا من العاصمة لتركها على هذه الحال". وترد فصائل المعارضة على التصعيد بإطلاق قذائف متفرقة على أحياء في دمشق، أدت منذ الخميس إلى مقتل 16 مدنيا على الاقل، بحسب المرصد. وفيما يعتبر مدير المرصد رامي عبدالرحمن أن اتفاق خفض التوتر "قد انتهى" على ضوء هذا التصعيد، يرى نوار أوليفر المحلل العسكري في مركز عمران الذي يتخذ من اسطنبول مقرا، أن الاتفاق "لم ينته لكنه تعرض لمطب قوي". وتحاول قوات النظام بحسب عبدالرحمن، من خلال هذا التصعيد "تأليب الحاضنة الشعبية لمقاتلي المعارضة عليهم، لإظهار أنهم غير قادرين على حمايتهم من قصف النظام وباتوا يشكلون عبئا على السكان". ويطال قصف قوات النظام السوري منذ أسبوع معظم مدن وبلدات الغوطة الشرقية التي تعاني جراء الحصار الخانق من نقص فادح في المواد الغذائية والمستلزمات الطبية. وقتلت مساء الأحد عائلة بأكملها مؤلفة من رجل وزوجته مع أطفالهما الأربعة جراء غارات استهدفت مبنى في بلدة مديرا المجاورة لدوما. "مشهد يدمي القلب" وحولت الغارة المبنى إلى ركام، فيما يعمل متطوعين من الخوذ البيضاء (الدفاع المدني في مناطق سيطرة فصائل المعارضة) على البحث عن الضحايا وهم يحملون مصابيح صغيرة. ويقول أحدهم "إنهم ستة أشخاص، وجدنا ثلاثة وبقي ثلاثة آخرين". وأثناء محاولة أحد المتطوعين رفع الحجارة بواسطة عصا خشبية، يعثر على قدم يضعها في كيس أبيض قربه. ويعلق أحدهم قربه "إنها قدم طفل". واستهدفت الغارة، بحسب أحد المتطوعين "ملجأ اختبأ السكان فيه عند آذان المغرب"، مضيفاً "هناك أشلاء كثيرة". ويعمل متطوعو ومسعفو الدفاع المدني وسط ظروف صعبة. وروى المسعف في مدينة دوما فراس الكحال (22 عاما)، تجربة عاشها بعد توجهه مع زملائه إلى منزل استهدفه القصف يوم الجمعة. وقال "فور دخولنا، رأيت طفلة عمرها لا يتجاوز ثمانية أشهر خرجت من تحت الأنقاض وهي تزحف. خرجت من منزلها المدمر"، مضيفا "كان مشهدا يدمي القلب.. كيف خرجت؟ هذه إرادة رب العالمين". وأصيبت الطفلة بجروح في رأسها وتمكنت من النجاة بعد اسعافها. ويستبق هذا التصعيد العسكري قمة يعقدها رؤساء الدول الثلاثة الراعية لاتفاق خفض التوتر في منتجع سوتشي الروسي، بينما عبر وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف عن أمله في أن "تطوى صفحة الارهاب السوداء والمرة في سوريا". ويعقب الجهد الدبلوماسي سلسلة انتصارات ميدانية حققتها قوات النظام السوري مع حلفائها في مواجهة الفصائل المعارضة وتنظيم الدولة الإسلامية على حد سواء. وتشهد سوريا نزاعا داميا تسبب منذ اندلاعه في العام 2011 بمقتل أكثر من 330 ألف شخص وبدمار كبير في البنى التحتية وفرار وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.

مشاركة :