تشكلت شخصية لاعب خط وسط آرسنال الإنجليزي غرانيت تشاكا بفعل قصة وحشية أشعلت نيران الغضب بداخله، ومن العجيب أن يتمكن هذا اللاعب الشاب من روايتها لأنه لا يمكن الحديث عنها بسهولة. ومثله مثل والده – راجيب – الذي أمضى ثلاث سنوات ونصفا كسجين سياسي في يوغوسلافيا السابقة، لا يعد تشاكا من نوعية الرجال الذين يهربون أو يختفون خوفا من التحديات والمشاكل التي تواجههم.يقول تشاكا: «على حد علمي، كانت الأشهر الأولى التي قضاها والدي في السجن على ما يرام، ثم بدأ يتعرض للضرب بعد ذلك».كانت جريمة والد تشاكا هي المشاركة في مظاهرات ضد الحكومة المركزية الشيوعية في بلغراد عام 1986. عندما كان طالبا يبلغ من العمر 22 عاما ويدرس في جامعة بريشتينا في كوسوفو، التي كانت آنذاك مقاطعة ذاتية الحكم في يوغوسلافيا. وألقي القبض عليه وصدر حكم بسجنه لمدة ست سنوات. سُجن والد تشاكا في زنزانة واحدة مع أربعة رجال آخرين، ولم يكن يسمح له بالخروج من الزنزانة إلا مرة واحدة في اليوم لمدة عشر دقائق.يقول تشاكا: «لأنني نجله، فقد لمست هذه القصة أعماق قلبي بكل قوة. ولكي أصف والدي بشكل صحيح، يجب عليك أن تقدر العمق الكامل لما حدث له، لأنها قصة مأساوية للغاية. أحيانا أسأله: أخبرني بما حدث لك مرة أخرى. لكني ما زلت أعتقد أنه لم يكشف عن تفاصيل كل ما حدث له. لقد كانت هناك دائما لحظات من الصمت أشعر خلالها بأنه أسقط شيئا ما لم يرغب في الحديث عنه ولم يقل الحقيقة. ربما مر بالعديد من الأشياء وكان يرغب في ألا يشعر أطفاله بكل هذا الحزن».وأضاف: «كان فخورا بانتمائه لكوسوفا، وكان يعتقد أن لهم الحق في الوجود. كان يدافع عن حقوقهم، والتي كانت حقوقا ديمقراطية في الأساس - الضرورات، مثل القدرة على التصويت في الانتخابات. لم يكن وحده من اعتقل، بل تم اعتقال أشخاص آخرين، من بينهم عمه، الذي كان قد سجن قبل ذلك بعدة سنوات وحكم عليه بالسجن لمدة 15 عاما. لقد كانت أحكاما سياسية تماما، وكان والدي يسأل: لماذا لا نطبق الديمقراطية هنا؟ نحن نستحق أن نكون ديمقراطيين. نحن نستحق أن تُسمع أصواتنا».ولكي تفهم تشاكا يتعين عليك أن تفهم عائلته أولا، وكيف عانى أفراد عائلته وكيف تعاونوا معا وعملوا بلا كلل من أجل التغلب على المشكلات التي تواجههم.يلتزم تشاكا بعدد من المبادئ التوجيهية أهمها الولاء والاحترام، فعندما يلتزم بشيء ما تجاه شخص ما، فإنه لا يدخر جهدا للقيام بكل ما التزم به، تماما مثل والده ووالدته، إيلي.يقول تشاكا: «من بين التفاصيل التي لها دلالة كبيرة هي أن والدي ووالدتي كانا قد قضيا سويا ثلاثة أشهر فقط قبل اعتقال والدي. أنا أكن كل الاحترام والتقدير لوالدتي، لأنني لم أسمع قط عن امرأة قضت مع رجل ثلاثة أشهر فقط - وهي في سن صغيرة - ثم تنتظره لمدة ثلاث سنوات ونصف. والدتي شخصية رائعة حقا».وأضاف: «من بين الأشياء الغريبة أننا لا نعرف لماذا أفرج عن والدي قبل انتهاء مدة الحكم عليه، لكنه خرج من السجن في نفس الوقت الذي خرج فيه عمه. لم يكن أي من أفراد الأسرة يعرف أنهما سيخرجان من السجن حتى وصلا إلى باب المنزل. أشعر بأنهما قد اتفقا على أن يلتزما بقواعد السجن ولا يتحدثا إطلاقا ولا يتسببا في أي مشكلات. وأعتقد أن هذا هو السبب في أنهما قد خرجا من السجن قبل انتهاء المدة المقررة، لكني لست متأكدا من ذلك».أدرك والدا تشاكا أنهما بحاجة إلى بداية جديدة في حياتهما، ولذا هاجرا إلى سويسرا في عام 1990 وأنجبا طفلهما الأول، تولانت، في بازل عام 1991. ثم غرانيت بعد 18 شهرا. ويلعب تولانت الآن في خط وسط نادي بازل السويسري ويعد أحد أبرز لاعبي الفريق.وقال تشاكا: «لقد أظهر والدي قوة لا تصدق، وقد اكتسبنا أنا وتولانت قوة ذهنية كبيرة منه. إنه بمثابة نموذج ومثل أعلى نحتذي به، فهو الذي علمنا أن نكون أقوياء من أجل تحقيق أهدافنا. لذلك نشأنا أقوياء للغاية. وهذا هو السبب الذي يجعلنا نتحلى بهذه القوة الذهنية الكبيرة داخل الملعب، وهي التي تمكننا من التغلب على التحديات التي تواجهنا».يدين تشاكا بكل شيء لسويسرا لأنها هي التي منحته العديد من الفرص واحتراف كرة القدم، لكنه لا يستطيع أن ينسى جذوره الألبانية الكوسوفية التي لا تزال موجودة بداخله حتى وهو يعيش في العاصمة البريطانية لندن.يقول تشاكا: «لقد وجدت بعض الأشخاص الألبانيين الرائعين هنا في لندن. بعضهم يدير مكانا لغسيل السيارات وقد غسلت سيارتي هناك. أنا أتحدث معهم بطبيعة الحال في بعض الأشياء، لكننا نتحدث في الأساس عن كرة القدم. بعضهم يشجع ليفربول، وبعضهم يشجع مانشستر يونايتد، وكثير منهم يشجع آرسنال. هناك الكثير من المزاح والمنافسة فيما بينهم». يعيش تشاكا في منطقة بارنيت اللندنية مع زوجته ليونيتا، لكن لديهما منزل في كامدن بوسط لندن، ويذهبان إلى هناك بضع مرات كل أسبوع للتسوق وتناول الطعام. يقول تشاكا: «أشعر بأن هناك اتصالا بيني وبين كامدن يعيدني إلى طفولتي. عندما كنت أنا وتولانت طفلين، قمنا بأول رحلة بالحافلة من بازل إلى بريشتينا حتى نتمكن من زيارة أجدادنا لأول مرة. كان أبي وأمي يعملان بدوام كامل، وعلاوة على ذلك كانا يعملان ليلا في تنظيف المكاتب، ووفرا المال اللازم لشراء التذاكر لنا. توقفت الحافلة في أماكن مختلفة ورأيت كل هذه الأسواق، التي تذكرني بها كامدن الآن. وكان هناك أيضا سوق في بازل».ويضيف: «أنا رجل بسيط جدا أحب الحياة الطبيعية وأحب الناس العاديين. أحب تناول الطعام العادي، لأن هذه هي الأشياء التي نشأت عليها. الأجواء في كامدن تناسبني تماما، لأنها بسيطة ولطيفة وواقعية. كما أنني أحب التفاعل مع الناس في هذه المدينة أيضا لأنهم طبيعيون وأنا شخص طبيعي. ربما لا يتوقع الناس أن يأتي لاعب كرة قدم في نادي آرسنال إلى السوق في كامدن وأن يكون شخصا عاديا».أوقف شخص يدعى تشارلز، وهو نيجيري المولد ومن مشجعي آرسنال، تشاكا في الطريق وقال له إنه لاعب جيد لكن يجب أن يلعب أمامه شخص أكثر مهارة، مثل لاعب تشيلسي إيدن هازار، وأضاف: «أنا أفضله عن أليكسيس سانشيز».وتحدث تشارلز باللغة الإنجليزية، ولم يتمكن تشاكا – الذي يتحدث الألمانية والألبانية والفرنسية أيضا – من فهم كل ما قاله تشارلز وطلب منه توضيح بعض الأشياء بعد ذلك. لكن تشاكا كان مهتما بما يقوله تشارلز وتفاعل معه، لأنه يعلم جيدا أن كل المشجعين قد تحولوا إلى نقاد وأنه لا مفر من حقيقة أن نادي آرسنال بالتحديد لديه الكثير من مثل هؤلاء المشجعين. ويحتل آرسنال الآن المركز السادس في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بفارق نقطة واحدة عن توتنهام هوتسبر، بعدما فاز المدفعجية على توتنهام في ديربي شمال لندن السبت بهدفين دون رد على ملعب الإمارات.ورغم ذلك، يشعر كثيرون من مشجعي آرسنال أن الفريق لن يكون قادرا على الفوز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز مرة أخرى تحت قيادة المدير الفني الفرنسي آرسين فينغر، كما تظهر العديد من المشكلات في كل مرة يتعرض فيها الفريق للهزيمة. وحتى عندما يحقق الفريق الفوز فإن ذلك لا يعني سوى تأجيل الأزمات لفترة بسيطة من الوقت ثم تعود الأجواء للتوتر مرة أخرى مع أول هزيمة، ولذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف يمكن للاعبين أن يقدموا أفضل ما في وسعهم في مثل هذه الظروف؟ يقول تشاكا: «كنا نستحق النقد بعدما فشلنا في التأهل لدوري أبطال أوروبا الموسم الماضي. وهذا بالتأكيد بالنسبة لي يجعلك النقد أقوى من ذي قبل، لكني أعتقد أن هؤلاء النقاد يؤثرون بشكل سلبي على لاعبي آرسنال، لأنهم لا يساعدوا اللاعبين».ويضيف: «يمكنني أنا أن أتعامل مع النقد، وخاصة لو كنت أستحق التعرض لمثل هذا، لأن والدي لم يقل لي مطلقا كلمة: أحسنت. لقد كان يفعل ذلك عن قصد حتى لا أشعر بالغرور وأحافظ على تواضعي. بالنسبة لنا، نرتكب الكثير من الأخطاء القليلة، ولا نرتكب أبدا أخطاء كبيرة. فبعد التعادل السلبي أمام تشيلسي في سبتمبر (أيلول) الماضي، قلت لنفسي: حسنا، يمكننا أن نبني على ذلك. لكن في المباراة التالية تعرضنا للهزيمة بهدفين مقابل هدف وحيد أمام واتفورد، ومن هنا بدأت تشكك في قدراتك». وفي ملعب «فيكاراج رود»، تعرض تشاكا لانتقادات كبيرة بسبب فشله في رقابة لاعب واتفورد توم كليفرلي، الذي أحرز هدف الفوز القاتل لفريقه في الوقت المحتسب بدلا من الضائع. ومن المعروف أن تشاكا يكره أن يخسر. وعندما يحدث ذلك، فإنه ليس من قبيل المبالغة أن نقول إنه يتجاوز ذلك من خلال «ازدراء الذات». ووفقا لزوجته ليونيتا، فإنه من المستحيل أن تتحدث إليه لمدة تصل إلى ساعة بعد صافرة النهاية في حال الخسارة. فهل هناك لاعبون آخرون في آرسنال يلومون أنفسهم إلى هذه الدرجة في غرفة خلع الملابس في حال الخسارة؟ يقول تشاكا: «في بعض الأحيان، يكون من الصعب علي أن أتقبل الهزيمة. وعند حدوث الخسارة فأنا أركز بشكل أكبر على نفسي، وأسأل نفسي: ما هو الخطأ الذي ارتكبته؟ أنا لا أنتقد زملائي في الفريق أبدا قبل أن أنظر إلى نفسي، وهذه هي طريقتي في التعامل مع الأمور منذ أن كنت طفلا. ولو سألتني عما إذا كان ذلك يجعلني أضع الكثير من الضغوط على نفسي، فسأقول لك نعم بكل تأكيد. ويزداد الأمر سوءا مع تقدمي في السن. عندما كنت أصغر سنا، لم أكن أفكر كثيرا في الهزيمة كما أفعل الآن».وتنقسم الآراء بشأن تشاكا منذ انضمامه لآرسنال قادما من بوروسيا مونشنغلادباخ الألماني في صيف العام الماضي. ويثني المعجبون بأدائه على حسن توقعه والطريقة التي يقرأ بها المباراة، فضلا عن رؤيته الثاقبة في التمريرات، ويكفي أن نعرف أنه كان صاحب أكبر عدد من التمريرات الناجحة الموسم الماضي في الدوري الإنجليزي الممتاز، كما أنه يحتل المركز الثالث في قائمة شركة «أوبتا» للإحصائيات الرياضية للاعبين أصحاب أكبر عدد من التمريرات الناجحة هذا الموسم حتى هذه اللحظة.وقدم تشاكا أداء رائعا في المباراة النهائية لكأس الاتحاد الإنجليزي والتي فاز فيها آرسنال على تشيلسي في مايو (أيار) الماضي، وأظهر ما يمكن أن يقدمه المدفعجية عندما يكون هو وباقي زملائه في مستواهم الطبيعي. لكن على الجانب الآخر، يتعرض تشاكا لانتقادات بسبب تهوره وأخطائه الدفاعية القاتلة.وحصل تشاكا على البطاقة الحمراء مرتين مع آرسنال الموسم الماضي. ويقول اللاعب السويسري: «أعتقد أن كرة القدم في إنجلترا كان من المفترض أن تكون أكثر قوة. أنا أوافق على تعرضي للطرد أمام بيرنلي، لكني لا أفهم سبب الطرد أمام سوانزي سيتي. لقد كنت أشعر بالدهشة أكثر من شعوري بالغضب في البداية. كنت دائما ما أشاهد مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز وأعتقد أن الكثير من الأخطاء التي تحتسب الآن لم تكن تحتسب في الماضي».ويعد تشاكا من نوعية اللاعبين الذين يجيدون الاستحواذ على الكرة، وليس من نوعية اللاعبين الذين لا يجيدون سوى اللعب القوي ولا يملكون المهارة، لكن الأمور تختلط عليه في بعض الأوقات، ويعود السبب في ذلك بصورة جزئية إلى حماسه الشديد ومزاجه المتقلب. في الحقيقة، يجب الإشادة بالقدرات التي يملكها تشاكا، وليس انتقاده بسبب الأشياء التي لا يملكها.يقول تشاكا: «كنت أصف نفسي في الواقع بأنني صانع ألعاب وهمي - أو بعبارة أخرى، صانع ألعاب يلعب في الخلف بصورة أكبر. لكني أعتقد أنني لاعب واثق للغاية من مهاراته في كرة القدم العالمية، وفي نفس الوقت مقاتل يتفانى في عمله». ويتطلع تشاكا للمشاركة في نهائيات كأس العالم في نهاية الموسم، بعد أن تأهلت سويسرا للمونديال بفوزها على آيرلندا الشمالية. وقد أثيرت حالة من الجدل الشديد حول ركلة الجزاء التي منحت سويسرا بطاقة التأهل لكأس العالم، وقد اعترف تشاكا بأن الجدل الذي أثير حول ركلة الجزاء قد قلل من فرحة التأهل. يقول تشاكا: «من الذي يهتم بذلك؟ كنا الفريق الأفضل في مبارتي الذهاب والعودة. ومن الواضح أن الأمر لم يكن يتعلق بالكامل بركلة الجزاء لأننا صنعنا فرصا كافية. عندما لعبنا أمام مانشستر سيتي قبل فترة التوقف الدولية، سجل مانشستر سيتي هدفا من تسلل واضح، لكن لم يتحدث عنه أحد بهذا الشكل. إنه خطأ لكن يجب عليك أن تتقبله».
مشاركة :