في الموافقة التونسية على القرار العربي، تفهم وتساوق تونسيين مع السرديات السعودية خاصة، والخليجية بصفة أعم، حيال التهديد الإيراني والمخاطر الأمنية لحلفاء طهران في الشرق الأوسط.العرب أمين بن مسعود [نُشر في 2017/11/22، العدد: 10820، ص(9)] بموافقة الخارجية التونسية يوم الأحد الفارط على قرار المنتظم العربي الخاص بالتدخلات الإيرانية في الدول العربية والذي اعتبر حزب الله تنظيما إرهابيا، تكون تونس قد انتقلت من مرحلة الاتهامات الناعمة للتنظيم إلى الإدانة الكاملة. خرجت تونس من سياق الرمادية السياسية في موقفها من حزب الله، ويبدو أنها رفعت تحفظها الذي بات متلازما مع كافة البيانات الختامية للاجتماعات الدورية لوزراء الداخلية العرب، حيث كثيرا ما كانت الوفود الرسمية التونسية ترجع احترازاتها إلى وضعية حزب الله صلب المشهدية السياسية والبرلمانية والاجتماعية في لبنان، إضافة إلى التوازنات والمعادلات الأمنية والعسكرية في الشرق الأوسط وسرديات الصراع مع إسرائيل. بموافقة تونس ممثلة في كاتب الدولة للشؤون الخارجية صبري باشطبجي على القرار العربي رقم 8218 تكون الدولة التونسية قد كشفت عن الخيط الفاصل بين التكتيك السياسي والخيارات الاستراتيجية، ولئن كان التحفظ وليد ضغط من بعض الفاعلين في المجتمع المدني فإن الخطوط العريضة والقناعات الكبرى للخارجية التونسية تكرست في المصادقة والموافقة على اعتبار حزب الله تنظيما إرهابيا. وفي عمق الموافقة على القرار، تفهم وتساوق تونسيين مع السرديات السعودية خاصة، والخليجية بصفة أعم، حيال التهديد الإيراني والمخاطر الأمنية والعسكرية لحلفاء طهران في الشرق الأوسط. قراءة سريعة وأفقية لكلمة ممثل تونس في اجتماع يوم الأحد، تحيل إلى التقاطع بين الدبلوماسية التونسية والسعودية والبحرينية في مستوى تمثل الأخطار وتشخيص المشاكل وتحديد بؤر التوتر. والحقيقة أن قرار الدبلوماسية بالموافقة دون تحفظ على قرار الجامعة العربية والذي جاء في 15 فقرة كاملة تحمّلُ إيران وحزب الله المسؤولية السياسية والعسكرية والأمنية لوضعية الصفيح الساخن التي يقف عليها الشرق الأوسط، هو مرحلة من مسار التقارب التونسي السعودي وانحياز تونس الناعم والهادئ للمواقف والتموقعات الاستراتيجية. فالدولة التونسية كانت شريكة للسعودية ضمن حلفها العربي في اليمن، سياسيا في حده الأدنى، وفي حلفها الإسلامي ضد الإرهاب عبر مشاركة وزير الدفاع التونسي في اجتماعاته الدورية، كما راعت المواقف السعودية المعارضة والمنددة بالنظام السوري فاختارت الدبلوماسية التونسية نصف خطوة سياسية من خلال إعادة العمل القنصلي في السفارة التونسية من دمشق دون أن تعقبها خطوات أخرى نحو تعيين وتبادل السفراء. ولئن اختارت تونس موقع وموقف الحياد حيال أزمة الخليج نظرا لعدة اعتبارات تبدأ من علاقات النهضة بالدوحة وأثر أي خطوة تصعيدية في توازن المشهد السياسي في البلاد، ولا تنتهي عند الجالية التونسية الوازنة في قطر، فإن تونس اجتبت في المكاسرة السعودية الإيرانية الانزياح والانحياز للمقاربة السعودية. ولعلنا لن نجانب الصواب إن اعتبرنا أن الصراع السعودي الإيراني لا يحتمل الحياد ولا يقبل بمقولة مسك العصا من الوسط، فالرياض تتمثل إيران خطرا استراتيجيا يهدد الحدائق الخلفية ويستهدف الحواضر الكبرى، وإيران تعتبر السعودية حصان طروادة للمشاريع الأميركية في المنطقة، الأمر الذي أوصل النزاع إلى حد المكاسرة في التصريحات الإعلامية بين قادة الدولتين مما يفتح فرضيات الصدام على أكثر من سيناريو وخيار قد لا تصل إلى حد الصدام المسلح المباشر، ولكنه بالتأكيد سيكون بالنار الباردة في أكثر من مفصل وسياق. أدركت طهران أن تونس دولة القوة الناعمة، بعد الثورة وبها قصرا وحصرا، باتت قريبة من الرياض، لا سيما وأن تصريح الرئيس الإيراني حسن روحاني باستحالة القيام بأي خطوة سياسية واستراتيجية في شمال أفريقيا دون التشاور مع إيران ساهم في إثارة التساؤلات والاستفسارات عن حقيقة الدور الإيراني في المنطقة المغاربية. وتقديرنا بأن رسالة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لنظيره التونسي خميس الجهيناوي، والتي قرأها الأخير على أنها استدرار وساطة بين طهران والرياض كتبت بذكاء إيراني قوامه إضعاف جبهة حلفاء الخصم عبر تحويل صديق المنافس إلى وسيط يحافظ على ذات المسافة بين الصديق القريب وعدو الصديق. ومع احترامنا للسفير خميس الجهيناوي إلا أن فحوى الرسالة في المسكوت عنه لا المكتوب، إذ تبتغي إيران أن تبعد من خلالها تونس عن التقارب مع الرياض، فتحولها من حليف إلى وسيط وتقوي في المقابل علاقاتها مع تونس عبر تحويلها من صديق بعيد إلى وسيط قريب، وذلك هو مكمن الدهاء الإيراني. من الواضح أن هناك حالة من الريبة والشكوك والغموض العربي حيال الدور الإيراني عامة وحزب الله خاصة خلال الأعوام القليلة الماضية، فأنْ توافق الجزائر على القرار دون تحفظ وأن تصادق سلطنة عمان عليه دون أي مواربة وأن تقره الكويت جملة وتفصيلا، وأن ترفع تونس احترازاتها السابقة، هي مؤشرات على أزمة ثقة عميقة وعلى فشل الطرفين، إيران وحزب الله، في تبديد الغموض. أمور عديدة أفقدت الفصائل المسلحة رصيدها الرمزي الأمر الذي مكن الفاعلين الرسميين من إدانتها دون مخافة رد فعل في المجال العام، لعل أهمها رفع السلاح في غير وجه العدو الإسرائيلي، وثانيها القتال خارج جغرافيا الصراع العربي الإسرائيلي وتحت راية وسقف قاسم سليماني. تحتاج الفصائل المسلحة وعلى رأسها حزب الله إلى نقد ذاتي عميق وإلى مراجعة شاملة، فمؤشرات كثيرة تؤكد أنها فقدت الكثير من مواقعها وأرصدتها الرمزية في الشارع العربي ولدى قطاعات واسعة من النخبة العربية المستقلة والوطنية، ومؤشرات كثيرة أيضا تلزمها على تصحيح البوصلة وتنقيح الاتجاه. كاتب ومحلل سياسي تونسيأمين بن مسعود
مشاركة :