لا شك في أن حكومتي حيدر العبادي ونوري المالكي تتشابهان من حيث أنهما جاءتا نتيجة توافقات سياسية بين الكتل البرلمانية المختلفة، وأن هذه الكتل اشتركت فيهما جميعاً، إلا أن هناك نقاط اختلاف جوهرية بين الحكومتين تجعل كثيرين في العراق والعالم يشعرون أن العراق سيتغير جذرياً خلال السنوات الأربع المقبلة. أولى مزايا حكومة العبادي هي شخصية رئيس الوزراء نفسه. الرجل هادئ الطباع ومثقف مقبول وطنياً وعربياً ودولياً، وعارف بتفاصيل السياسة والإدارة الحديثة، وإسلامي شيعي حظي بثقة معظم السياسيين العراقيين، من إسلاميين وعلمانيين وقوميين، ابتداء من حزبه (الدعوة الإسلامية) وكتلته (دولة القانون)، أو التحالف الشيعي الذي يضم كتلاً أخرى هي «المواطن» و «الأحرار» و «الفضيلة» و «الإصلاح»، إلى تحالف القوى العراقية (السني) وتحالف القوى الكردستانية وائتلاف «الوطنية» العابر للطوائف والمناطق الذي يقـوده الدكتـور إياد علاوي. وهذا ما لم يحظَ به سلفه نوري الماكي. لقد عبر سياسيو الكرد عن ارتياحهم لخطوات العبادي الأولى وموافقته على المقترحات التي قدمها شركاؤه السياسيون من الكتل الأخرى ودفع رواتب موظفي الإقليم التي أوقفتها الحكومة السابقة. كما أعرب السياسيون السنة، وبينهم الدكتور ظافر العاني، أحد أقطاب تحالف القوى العراقية (السني) الذي اعتاد على توجيه الانتقادات اللاذعة للحكومة السابقة، عن ارتياحه للإجراءات التي اتخذها العبادي حتى الآن. ومن الجدير بالذكر أن الكتلتين السنية والكردية، بالإضافة إلى كتل أخرى ضمن التحالف الشيعي، كانت مستاءة من سياسات سلفه المالكي وكان عدم تعاونها سبباً في فشل حكومته. كما عبرت دول العالم عن ثقتها بالحكومة الجديدة بما في ذلك إيران وتركيا والولايات المتحدة الأميركية والعديد من الدول العربية المهمة، وهذا وحده مكسب كبير لحكومة العبادي لأنه سيساعد على إنجاح الكثير من السياسات داخلياً وخارجياً، بينما كانت هذه الثقة الدولية غائبة عن الحكومة السابقة. العراق بحاجة إلى الدعم العسكري والديبلوماسي الأميركي في المرحلة المقبلة، وتعاون واشنطن ضروري لنجاح العبادي في إلحاق الهزيمة بالجماعات المسلحة التي تعيث خراباً وتدميراً منذ أشهر عدة في العديد من المدن العراقية غرباً وشمالاً وشرقاً. وقد لاحت بوادر هذا الدعم في السياسة الأميركية مؤخراً إذ أعلن الرئيس أوباما بمناسبة الذكرى الثالثة عشرة لهجمات 11 أيلول (سبتمبر) حرباً واسعة النطاق على تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسورية، وذكر أن بين الأسباب التي دعته إلى ذلك وجود حكومة عراقية تحظى برضا جميع العراقيين. وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري أول مسؤول دولي يصل الى العراق في عهد العبادي وذلك بعد يومين من مصادقة البرلمان على حكومته، وقد أكد كيري في زيارته دعم الإدارة الأميركية لهذه الحكومة في كل المجالات، بينما لم تتعاون الإدارة الأميركية مع حكومة المالكي في سنواتها الأخيرة بعد تأزم علاقته مع السنة والأكراد. ومن مزايا حكومة العبادي ونقاط القوة فيها أنها ضمت جميع القادة السياسيين المنتقدين لسياسات سلفه. فقد تولى رؤساء الوزراء السابقون الثلاثة، إياد علاوي ونوري المالكي وإبراهيم الجعفري، مناصب عليا، وهي نيابة رئاسة الجمهورية للأول والثاني، ووزراة الخارجية للثالث، بينما أصبح نائب رئيس الجمهورية السابق والقيادي في كتلة «المواطن»، عادل عبد المهدي وزيراً للنفط، وهي وزارة مهمة وكانت سبباً في إثارة خلافات بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية. وكون عبد المهدي يحظى بثقة الزعماء الأكراد فإنه سيكون قادراً على التوصل إلى اتفاقيات ضرورية في هذا المجال تعزز علاقة الإقليم بالمركز. وزير المالية الجديد، روز نوري شاويس، وهو قيادي في الحزب الديموقراطي الكردستاني ونائب لرئيس الوزراء والجمهورية سابقاً، أعرب عن تفاؤله بالوضع الجديد وقال إن هناك فرصة لإصلاح الأوضاع في العراق في ظل قيادة الدكتور حيدر العبادي للحكومة. الزعيم الصدري المنتقد سابقاً لحكومة المالكي، بهاء الأعرجي، أصبح نائباً لرئيس الوزراء بينما تولى وزراء من كتلته وزارات مهمة. وقد تولى باقر جبر الزبيدي، رئيس كتلة «المواطن» البرلمانية، منصب وزير النقل، بينما تولى نائب رئيس الوزراء السابق وزعيم كتلة «مستقلون» حسين الشهرستاني وزارة التعليم العالي. إذاً، هذه حكومة جامعة لكل الكتل السياسية ويشارك فيها زعماء الكتل أنفسهم وليس من ينوب عنهم، كما كان يحصل سابقاً في حكومتي المالكي الأولى والثانية، ما يعني أن قراراتها سوف تنفذ من دون أي عرقلة من البرلمان لأن الجميع مشارك فيها أو موافق عليها. وما يزيد في قوة وتماسك حكومة العبادي التهديدات الخطيرة التي يواجهها العراق والتي أشعرت السياسيين العراقيين أن الوقت لم يعد مناسباً للجدل السياسي والتناحر، بل هو وقت الوحدة والتكاتف من أجل إنقاذ العراق من الضياع على أيدي الجماعات الإرهابية واستعادة السيطرة على المناطق التي تحتلها حالياً. غير أن تأجيل تسمية وزيري الداخلية والدفاع، ووزارات أخرى مثل الموارد المائية والمرأة والسياحة والآثار، يشكل نقطة ضعف تُخِل بتماسك هذه الحكومة وقدرتها وثقة المواطنين بها، إلا أن العبادي وعد بأن يسمي هؤلاء الوزراء خلال أسبوع بعدما تتفق الكتل السياسية عليهم وإن لم تفعل فإنه سيأتي بمرشحيه إلى البرلمان لنيل ثقته بهم. إن تعاون الكتل السياسية المتنافسة لإنجاح سياسة الحكومة تجربة جديدة في العراق، والجميع يتمنى نجاحها خصوصاً المواطنين العراقيين الذي عانوا كثيراً من تدهور الأمن والبطالة وانتشار الفساد ونقص الخدمات الأساسية. لكن الشكوك لا تزال قائمة عند بعضهم حول استمرار التعاون الحالي لفترة طويلة خصوصاً أن الكتل المشاركة كانت متخاصمة إلى عهد قريب. فإن كانت الخصومات قد خفت كثيراً مع مجيء العبادي، فإن من غير المتوقع أن ينتهي أو يتقلص «التنافس» السياسي الذي عطل عمل الحكومة سابقاً عندما تطور إلى خصام مستحكم وعداء شخصي بين المسؤولين. لكن الأمل معقود على قدرة العبادي على استيعاب الأصوات الناقدة وتلبية مطالب الكتل السياسية المختلفة كي يتواصل التماسك الوطني والتفاؤل السائدان حالياً.
مشاركة :