حالة تنافسية تشهدها الساحة السورية في الأونة الأخيرة، بين القطبين الكبيرين، الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية، وروسيا من الناحية الأخرى، للبحث عن موضع قدم في المنظومة الجديدة، التي ستكون عليها حال الدولة المنهكة داخليا، لاسيما مع قرب هزيمة تنظيم داعش في سوريا، وعقد عدد من الجلسات مع قوى المعارضة السورية للتوصل إلى ىحل للأزمة. مؤخرا كشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، أن الولايات المتحدة تسعى إلى بقاء طويل الأمد في سوريا، بعد القضاء على تنظيم داعش، وسيطرة القوات السورية والموالية لها على آخر معاقل التنظيم في البوكمال. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين، أن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا يعد ضرورياً، لضمان عدم عودة فلول تنظيم داعش، وأيضاً لضمان استقرار المجتمعات المحلية المتضررة. وقال أحد المسؤولين، شريطة عدم الكشف عن هويته، إن المعركة ضد تنظيم داعش لم تنته بعد، مؤكداً أنه تجرى الآن مناقشة الخطط الخاصة بالبقاء الأمريكي في سوريا إلى أجل غير محدد، مبيناً أن هذه الخطط من شقين. وأوضح المسؤول الأمريكي، أن توسع تنظيم داعش بسوريا جاء نتيجة الفراغ في السلطة، الذي خلفته الحرب السورية، وعدم وجود عملية سياسية مشروعة، ومن ثم فإنه إذا لم يتم توفير حل سياسي، فإن “داعش” أو أي مجموعة مسلحة أخرى يمكن أن تحل محلها. وكان وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، أكد أن قواته لم تذهب إلى سوريا حتى تحارب وتوفر حلاً عسكرياً وحسب؛ بل إن تلك القوات لن تغادر سوريا قبل أن تتوصل المعارضة السورية والنظام إلى حل سياسي وتسوية، وإنها باقية حتى تهيئ الشروط لهذا الحل. وأوضح ماتيس، أنه “لم يتم اتخاذ قرار بشأن القوات التي ستبقى في سوريا، وأنهم ينتظرون نتائج مفاوضات جنيف، ولكن هذا لا يعني أن الجميع سيبقى هناك، بعض الجنود سيغادرون”. من جهته، اعتبر نيوكولاس هيراس، من مركز الأمن القومي الأمريكي في واشنطن، أن خطط الإبقاء على قوات أمريكية بسوريا عقب هزيمة تنظيم داعش، تشير إلى أن هناك تحولاً في استراتيجية البيت الأبيض، وأن ذلك سيكون جزءاً من محاربة النفوذ الإيراني في سوريا. وتابع: “هناك تغيير في الاستراتيجية، من مكافحة داعش إلى حملة على إيران، الولايات المتحدة ليس لديها خطط رئيسة للبقاء في سوريا عقب هزيمة تنظيم داعش، ولكن على ما يبدو فإن هذا الأمر بات موجوداً الآن، والهدف منه محاربة النفوذ الإيراني”. وانتقدت روسيا وإيران وجود أي قوات أجنبية في سوريا ليست مدعوّة من قِبل الحكومة السورية، في إشارة واضحة إلى القوات الأمريكية. على الجانب الآخر، تذكر صحيفة “الواشنطن تايمز الأمريكية”، أن روسيا تعزز نفوذها بالشرق الأوسط من خلال خطة السلام التي طرحتها لإنهاء الحرب في سوريا. وتطرقت الصحيفة الأمريكية إلى استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الإثنين 20 نوفمبر الجاري، في موسكو، رئيس النظام السوري بشار الأسد، وإلى عقد بوتين جلسة مباحثات مع قادة تركيا وإيران، وسلسلة الاتصالات التي أجراها مع زعماء العالم لاطلاعهم على خطة إنهاء النزاع في سوريا. خطة السلام التي طرحها بوتين وعرضها على زعماء العالم، وفقاً لـ”الواشنطن تايمز”، ستحافظ على بقاء الأسد في السلطة حتى الانتخابات الرئاسية والنيابية الجديدة. تنقل الصحيفة عن جيم فيليبس، المتخصص بشؤون الشرق الأوسط، قوله إن التطورات بعد هزيمة تنظيم داعش وهزيمة بعض الفصائل المدعومة أمريكياً، تجعل من بقاء الأسد في السلطة أمراً مرجحاً. وأوضح فيليبس، أن “الحملة الجوية الروسية والدعم الإيراني البري أنقذا نظام الأسد وتمت هزيمة المعارضة. بوتين اليوم يجلس في مقعد السائق بسوريا، في حين ركزت أمريكا على هزيمة تنظيم داعش وليس الأسد”. وتابع: “الآن وبعد أن تمت هزيمة تنظيم داعش في سوريا، فإنه ليس من المرجح أن تبقى أمريكا نشطة في هذه البلاد”. وقال بيان للبيت الأبيض، إن ترامب والرئيس الروسي، أكدا في اتصال هاتفي الثلاثاء، ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي لعام 2015، والذي يدعو إلى تشكيل حكومة سورية انتقالية وموحدة ودستور جديد، وانتخابات ديمقراطية بإشراف الأمم المتحدة وتشمل اللاجئين. وأيضاً، أعرب ترامب وبوتين عن تأييدهما العملية التي تقودها الأمم المتحدة من أجل حل أزمة الحرب الأهلية في سوريا سلمياً، وإنهاء المعاناة الإنسانية، والسماح للسوريين النازحين بالعودة إلى ديارهم، وضمان أمن واستقرار سوريا موحدة. تقول “الواشنطن تايمز”، إن مصير الأسد لا يزال يشكل، على ما يبدو، حجر عثرة أمام التوصل إلى تسوية شاملة، ولكن المؤكد أن عملية السلام في سوريا تُكسب روسيا نفوذاً جديداً في الشرق الأوسط. وأضافت أن القوات الروسية وقفت مع جيش النظام السوري على الرغم من “الفظاعات” التي ارتكبها جيش النظام، وضمنها استخدام الأسلحة الكيماوية. وذكرت أن ترامب أعرب باستمرار عن رغبته في العمل مع موسكو بسوريا بشكل أساسي لهزيمة تنظيم داعش، دون أن يكون هناك أي قلق من بقاء الأسد في السلطة.
مشاركة :