سوريا بين المطرقة الأمريكية والسندان الروسي

  • 3/22/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

د. عبد المنعم المشاط تنعكس طبيعة العلاقات الأمريكية - الروسية بصورة تكاد تكون مباشرة على الأوضاع العسكرية في سوريا؛ ففي الوقت الذي تقترب فيه العلاقات الثنائية بينهما من التحسن، تحدث انفراجات في الأوضاع السورية خصوصاً العسكرية منها، بينما إذا اتجهت العلاقات إلى مزيد من التوتر، إما بسبب اتهام روسيا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 أو بسبب تدخلها في أوكرانيا، تشتعل الجبهات السورية ويتم التصعيد العسكري بين روسيا المتحالفة مع نظام الأسد والقوات الأمريكية التي تقود تحالفاً دولياً من ستين دولة.يرجع التنافس بين الطرفين على مستقبل سوريا إلى عام 2015 حينما استدعى بشار الأسد المساندة العسكرية الروسية في مواجهة كل من داعش والقوى الدولية التي تلعب عسكرياً على أرض سوريا سواء كانت الولايات المتحدة أو تركيا، ومنذ بداية الحرب الأهلية وتشكيل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، اتضحت خطط الولايات المتحدة في إسقاط نظام الأسد باعتباره نظاماً ديكتاتورياً مناهضاً للحرية وحقوق الإنسان ومعادياً للمصالح الأمريكية، من ثم؛ أيدت «الجيش السوري الحر» و«قوات السورية الديمقراطية»، وهي الميليشيات الكردية الساعية للانفصال عن سوريا، والتي حاولت تشكيل الفيدرالية الديمقراطية في شمال سوريا، كما أقامت الولايات المتحدة أكثر من عشرين قاعدة عسكرية داخل الأراضي السورية التي تم تحريرها من داعش، وقامت بمساندة الجيش السوري الحر وجماعات المعارضة السورية ضد القوات العربية السورية خصوصاً في شرق سوريا الغنية بالبترول والغاز، وهي بذلك تحاول منع حكومة الأسد وحليفتها إيران من السيطرة على هذه المنطقة الاستراتيچية، والتي يمكن أن تكون حلقة وصل للوجود الإيراني في العراق وسوريا وامتداده المحتمل إلى البحر المتوسط عبر لبنان.وفي الوقت ذاته، تحالفت تركيا مع كافة المنظمات الإرهابية، مثل؛ جبهة النصرة، وهيئة تحرير الشام المتفرع عن القاعدة، وفيلق الرحمن، وغيرها من الميليشيات والمرتزقة، وأخيراً، شنت العملية العسكرية الكبرى ضد عفرين، والتي أطلق عليها «غصن الزيتون»، وعلى الرغم من أن تركيا أحد الدول الثلاث الراعية لمفاوضات السلام في آستانة بكازاخستان منذ يناير 2017 وإحدى الدول المسؤولة عن إدارة مناطق الحد من الصراع/ التهدئة، إلا أنها قررت -كرد فعل لمحاولات الولايات المتحدة دعم انفصال الأكراد عن سوريا وتشكيل كيانهم المستقل، وهو ما يهدد أمن واستقرار تركيا؛ حيث يشكل الأكراد حوالي 30% من سكانها- أن تستولي على عفرين المنطقة الكردية الرئيسية في سوريا، وهي بذلك تحقق عدة أهداف يأتي على رأسها وأد أي محاولة من جانب أكراد سوريا للانفصال، وهو ما قد يؤجج مطالبة حزب العمال الكردي التركي بالاستقلال أيضاً.في هذا الإطار، بدأت روسيا في عام 2015 تقديم المساعدة العسكرية للحكومة السورية؛ أولاً- لتثبيت أقدامها على الأراضي السورية وبناء قواعد عسكرية سواء في اللاذقية أو طرطوس أو غيرها من المناطق الاستراتيچية، وثانياً - وفي مواجهة مفاوضات جنيف التي دعت إليها الولايات المتحدة في عام 2012 وعقدت منها ثماني جلسات دعت إليها كافة أطياف المعارضة السورية دون أي نتائج إيجابية تذكر سواء في تقليل حدة الصراع العسكري أو التوصل إلى فرص أوسع لمفاوضات سلام فعالة، بادرت روسيا بالدعوة إلى مفاوضات آستانة بمشاركة كل من إيران وتركيا والحكومة السورية، ومن المعارضة السورية من يلتزم بوحدة سوريا وتكامل ترابها الوطني، وهي المفاوضات التي أسفرت عن التوصل إلى إنشاء خمس مناطق للحد من الصراع/ التهدئة والاتفاق على بناء لجنة دستورية يتولى تشكيلها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا.ولا شك أن هناك صراعاً واضحاً على سوريا بين الولايات المتحدة من ناحية، وروسيا من ناحية أخرى؛ حيث لا تملك الولايات المتحدة أي سند قانوني لوجودها العسكري في سوريا؛ فقد صرح فاسيلي نينزيا، السفير الروسي في الأمم المتحدة أنه بينما يستند الوجود الروسي في سوريا إلى دعوة من الحكومة الشرعية عام 2015؛ فإن الحكومة السورية لم تقم بدعوة الولايات المتحدة أو قواتها إلى سوريا، وهكذا؛ فإن ما تقوم به الولايات المتحدة في سوريا لا يعدو أن يكون عملاً عدائياً.وفي الوقت الذي تتضح فيه الأهداف الروسية في سوريا، سواء بمساندة الأسد وبقائه في الحكم إلى أن يتم إجراء انتخابات جديدة، أو الوجود المكثف لها في سوريا كوسيلة لوجودها في البحر المتوسط، أو التودد للدول العربية بحماية وحدة سوريا وتكامل ترابها الوطني؛ فإن الولايات المتحدة لم تستطع حتى هذه اللحظة تحديد الأهداف الأساسية من وجودها العسكري في سوريا، والذي يرقى إلى مستوى الاحتلال خصوصاً بعد القضاء على داعش؛ فهي تتحالف مع الميليشيات الكردية الانفصالية، وهي ذات القوات التي تعاونت مع الجيش السوري الحر وغيره من الميليشيات للقضاء على داعش، ومع ذلك كانت القوات العسكرية الروسية هي العامل الحاسم في دحر داعش.ونظراً لتفاقم الآثار السلبية للعمليات العسكرية في الغوطة الشرقية وعفرين، اتفقت كل من روسيا والولايات المتحدة وبقية أعضاء مجلس الأمن على استصدار القرار 2401 في 21 فبراير 2018، والذي يقضي بوقف إطلاق النار في سوريا لمدة شهر مع رفع الحصار عن الغوطة الشرقية وتسهيل تقديم المساعدات للمدنيين مع استمرار القتال ضد فلول داعش والقوى الإرهابية مثل القاعدة وجبهة النصرة، وفي إطار التصعيد البريطاني، والذي يتبعه تصعيد أمريكي ضد روسيا بعد تسميم العميل المزدوج سيرچي سكريبال في بريطانيا الأسبوع الماضي؛ فإنه يمكن توقع العودة إلى التصعيد العسكري على الأراضي السورية، وإن كان من الممكن أن تتطور الاستراتيچية الأمريكية في اتجاهين؛ أولاً- زيادة الوجود العسكري في المناطق التي تسيطر عليها، وثانياً- العودة إلى التعاون العسكري مع تركيا، وإن تطلب ذلك مساندتها على حساب الأكراد في سوريا، كل ذلك قد يحدث لمواجهة استراتيچية روسيا في ترسيخ وجودها العسكري في سوريا ومحاولاتها المستميتة ليس فقط لإحراج الولايات المتحدة، وإنما أيضاً لإجبارها على الانسحاب عسكرياً من سوريا، ويشكل جوهر السياسة الروسية في سوريا توطئةً لمد علاقاتها الاستراتيچية بدول عربية أخرى.

مشاركة :