فيما يتنقل رئيس الوزراء المستقيل «سعد الحريري» بين الرياض وأبوظبي وباريس والقاهرة، قبل أن يعود إلى بيروت في عيد الاستقلال، ظل الرئيس اللبناني «ميشال عون» ومعه ميليشيا «حزب الله» الإرهابية، ومن خلفهم جميعاً طهران، منهمكين في تشويه صورة المملكة العربية السعودية، وكأن الصدمة الإيجابية التي أحدثها الحريري بتقديم استقالته قد نبّهت قوى الشر في المنطقة إلى ضرورة صرف النظر عن مشروعهم التوسعي، فوجدوا في هجومهم على المملكة وتشويه صورتها ملاذاً لهم، فكان شغلهم الشاغل طوال الأيام الماضية هي التشكيك في سياسات المملكة داخلياً وخارجياً، بينما ظلت مملكة العزم والحزم ماضيةً في مسيرتها لفضح ممارسات وانتهاكات تلك القوى الخبيثة، ومواجهتها ومنع شرورها عن المنطقة، وقد نجحت أولى خطوات التصعيد بخروج الاجتماع الوزاري العربي الذي دعت إليه المملكة، بإجماع موحد حول إدانة التدخلات الإيرانية وممارسات ميليشيا «حزب الله» الإرهابية. فقد صنفت جامعة الدول العربية ميليشيا «حزب الله» كمنظمة إرهابية، موجهة في الوقت ذاته رسائل تحذيرية شديدة اللهجة لإيران وأذرعها في المنطقة، كما كلف اجتماع وزراء الخارجية العرب، المجموعة العربية في نيويورك بمخاطبة رئيس مجلس الأمن الدولي لتوضيح الخروقات الإيرانية لقرار مجلس الأمن رقم 2231 في ما يتعلق بتطوير برنامج الصواريخ البالستية، وكذلك توضيح ما قامت به إيران من انتهاكات لقرار المجلس رقم 2216 بتزويد الميليشيات الإرهابية في اليمن بالأسلحة، واعتبار إطلاق صاروخ باليستي إيراني الصنع من الأراضي اليمنية تجاه الرياض بمثابة عدوان إيراني وتهديد للأمن والسلم العربي والدولي، وإبلاغه بضرورة قيام مجلس الأمن بمسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم الدوليين، وفي الإطار أعلن البيان الوزاري إدانته للاعتداءات الإيرانية على المملكة وتأييده الكامل لجميع ما تتخذه من خطوات للحفاظ على أمنها، وإدانة جميع الأعمال الإرهابية التي تقوم بها إيران في مملكة البحرين، من خلال مساندة الإرهاب وتدريب الإرهابيين وتهريب الأسلحة والمتفجرات وإثارة النعرات الطائفية لزعزعة الأمن والنظام والاستقرار، والتي كان آخرها تفجير خط أنابيب النفط البحريني. كما أدان المجلس الوزاري استمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث، وكذلك تغذية ظهران للنزاعات الطائفية والمذهبية وتأكيد ضرورة امتناعها عن دعم الجماعات التي تؤجج هذه النزاعات وبالذات في دول الخليج العربي، ومطالبتها بإيقاف دعم وتمويل الميليشيات والأحزاب المسلحة في الدول العربية، وخاصة تدخلاتها في الشأن اليمني، وتهديد الملاحة البحرية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وقد حمل المجلس «حزب الله» اللبناني مسؤولية دعم الإرهاب في الدول العربية بالأسلحة والصواريخ الباليستية وتأكيد ضرورة توقفه عن نشر التطرف والطائفية في محيطه الإقليمي. وأكد وزير الخارجية «عادل الجبير»، خلال كلمته في الاجتماع، على أن الممارسات العدوانية الإيرانية جعلت المجتمع الدولي يصنفها الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم، متابعاً أن «المملكة لن تقف مكبلة ولن تتوانى في الدفاع عن أمنها الوطني»، مشيراً إلى أن إيران لم تتوانَ عن استهداف المناطق المقدسة، وأن أي تراخٍ في التعامل مع هذه السياسات الإيرانية العدوانية من شأنه أن يشجعها على التمادي في عدوانها، يأتي هذا فيما ثمّن «د. أنور قرقاش»، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، القرار الوزاري العربي بشأن التدخلات الإيرانية، واصفاً إياه بالتاريخي، وقال في تغريدة له على تويتر: «قرار الجامعة العربية حول التدخلات الإيرانية الْيَوْمَ تاريخي ويرسل رسالة واضحة حول فاعلية العمل العربي المشترك، هي صفحة جديدة أكثر إشراقاً تتضح ملامحها وتؤسس لمرحلة أكثر تمكناً وتمكيناً»، في حين أشاد وزير خارجية مملكة البحرين «خالد بن أحمد آل خليفة» بنتائج الاجتماع وذكر في تغريدة مماثلة أن القرار العربي يدين إيران وأذرعها في المنطقة، وأولها «حزب الله» اللبناني الإرهابي، من جهته فقد صرح الأمين العام للجامعة العربية «أحمد أبوالغيط» بأن تدخلات إيران سببت عدم الاستقرار في اليمن، وقوضت أي فرصة لبناء الثقة مع العرب، معتبراً أن إيران تسعى إلى أن يكون اليمن شوكة في خاصرة السعودية والعالم العربي. يأتي هذا فيما تتواصل النقاشات دولياً للتباحث حول كيفية مواجهة التهديدات الإيرانية، حيث نقلت وكالة «فرانس24» أن الرئيسين الأمريكي «دونالد ترامب» ونظيره الفرنسي «إيمانويل ماكرون» قد ناقشا الوضع في لبنان وسوريا، واتفقا على ضرورة العمل مع الحلفاء لمواجهة الأنشطة المزعزعة للاستقرار التي يقوم بها حزب الله وإيران في المنطقة. رئيس الوزراء (المستقيل) سعد الحريري سعى جاهداً للحفاظ على الاستقرار في بلده الصغير، فَعَمِدَ إلى مسايسة الوضع القائم والتعايش مع حالة الدويلة داخل الدولة، لكن دويلة حزب الله المدعومة إيرانياً قد تمادت في أفعالها، ما عرض لبنان للحرج والضغوط والخطر على حد السواء، ولم يعد مع هذا الوضع الاحتمال، فلم يكن أمام الحريري مفر من تقديم استقالته، خوفاً على حياته من غدر حزب الله، واعتراضاً على تغول الحزب في مفاصل السلطة البنانية، وتنفيذه لسياسات طهران، وهو ما يعرض أمن واستقرار لبنان للخطر. لكن بدلاً من التباحث في أسباب الاستقالة والتنبه إلى ما يمكن فعله لتقييم الأوضاع وإعادتها إلى مسارها الصحيح، ذهب الرئيس «ميشال عون» إلى اتهام السعودية باحتجاز رئيس الوزراء المستقيل «سعد الحريري»، وهي الكذبة التي أطلقها من قبله «حسن نصرالله» ورددها «عون» دون تمعن أو حتى تكليف نفسه بتحري الأمر أو الاتصال بالحريري أو التواصل مع المملكة للاطلاع على مجريات الأمور، تلك الادعاءات التي وصفها وزير الخارجية السيد «عادل الجبير» بأنها «ادعاءات باطلة وغير صحيحة»، مضيفاً أن «الحريري مواطن سعودي كما هو مواطن لبناني، يعيش هو أسرته في المملكة بإرادته». وعلى الرغم من ذلك إلا أن «عون»، ومعه صهره ووزير خارجيته «جبران باسيل»، وكذلك أبواق ميليشيا حزب الله، لم يكتفوا بذاك الادعاء، بل قالوا إن المملكة هي من ضغطت على الحريري لتقديم الاستقالة، وهو ما نفاه الحريري بنفسه أكثر من مرة، بل وسبب إحراجاً للدولة والمؤسسة الدبلوماسية اللبنانية أمام العالم، ولاسيما بعد وصول الحريري إلى باريس ولقائه الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون»، هذا بخلاف زيارته لعواصم عربية أخرى. وعقب الاجتماع العربي الوزاري الأخير بالقاهرة، الذي أجمع المشاركون فيه على الطابع الإرهابي ل «حزب الله» وداعمته إيران، خرج «حسن نصر الله» مرة أخرى ليلقي بمزيدٍ من الأكاذيب والادعاءات الباطلة، إذ قال إن الحزب لم يرسل أسلحة لليمن أو البحرين والكويت، رافضاً اتهام الجامعة العربية للحزب بالتورط في الإرهاب وزعزعة استقرار المنطقة، والمضحك المبكي هنا أنه قد أقر في الوقت ذاته بدور الحزب في العراق وفي سوريا، تصريحات «نصر الله» المتناقضة تعكس عمق أزمة حزبه ومحاولة التملص من مسؤولية تهديد الاستقرار في لبنان والتدخل في شؤون الدول العربية، لدرجة أنه أعلن استعداده لسحب عدد كبير من قادته من العراق بعد هزيمة تنظيم الدولة هناك، فكيف إذن لا يتدخل الحزب في شؤون الجيران كما ادعى الرئيس «ميشال عون» لاحقاً، مدافعاً عن «حزب الله» في تغريدات له على تويتر، ففي الوقت الذي يعترف «حسن نصرالله» علناً بتدخل الحزب في سوريا والعراق، غرّد الرئيس عون قائلاً: «إن لبنان ليس مسؤولًا عن الصراعات العربية أو الإقليمية التي تشهدها دول عربية، وهو لم يعتد على أحد ولا يجوز بالتالي أن يدفع ثمن هذه الصراعات من استقراره الأمني والسياسي»، فغالب الأمر هنا أن الرئيس «عون» لم ينتبه لاعتراف «نصرالله» قبل أن يكتب تغريدته السابقة!، بل تواصل دفاع «عون» عن حليفه حزب الله، فقال إن «الاستهداف الإسرائيلي لا يزال مستمراً ومن حق اللبنانيين أن يقاوموه ويحبطوا مخططاته بكل الوسائل المتاحة»، فهو يقرّ بشرعية سلاح الميليشيا الإرهابية، متحججاً بالعدو الإسرائيلي الذي لم يصوب حزب الله نحوه رصاصة واحدة منذ عام 2006م، فيما حصدت أسلحته من أرواح العرب الكثير والكثير. لكن الادعاءات الباطلة لم تتوقف عند حد الأبواق الإيرانية في المنطقة، بل وصل الأمر لوزير الخارجية الألماني «زيجمار غابرييل» خلال لقاء مع نظيره اللبناني «جبران باسيل»، الذي أدلى بتصريحات تخلو من الصحة وغير مقبولة، وهو الأمر الذي دفع بالمملكة لدعوة سفيرها في ألمانيا للتشاور، كما سلمت سفير ألمانيا لدى المملكة مذكرة احتجاج على هذه التصريحات المشينة وغير المبررة ل «زيجمار». ومنذ عام 2011م، وفي عهد الرئيس السابق «ميشيل سليمان» سعى لبنان للنأي سياسياً بنفسه بعيداً عن الأزمات التي تحيط به في المنطقة، وذلك عبر إصدار «إعلان بعبدا»، والذي وافق عليه «حزب الله» في البداية، إلا أنّه سُرعان ما خرج عنه، وذهب لمقاتلة الشعب السوري، والتدخل في شؤون دول عربية أخرى، لكن المشكلة تعاظمت عندما جاء الرئيس «ميشال عون» الذي أعلن مراراً عن الحاجة لميليشيا الحزب في جنوب لبنان، وهو ما يُعد مخالفة صريحة للقرارات الدولية، وليس خافياً على أحد الدفاع المستميت الذي لا يكترث عون في التلميح والتصريح به في أكثر من مناسبة، واضعاً الدويلة قبل الدولة في ترتيب أولوياته. من جهته فقد اتهم وزير الخارجية عادل الجبير «حزب الله» بأنه يعرقل العملية السياسية في لبنان، مؤكداً على أن حزب الله منظمة إرهابية من الطراز الأول ويجب نزع سلاحه، ولا يجوز لميليشيا أن تمتلك سلاحاً، مضيفاً: «قالوا إن السلاح للمقاومة، ولكن ما دخل المقاومة في سوريا؟»، متابعاً: «هو أداة في يد الحرس الثوري الإيراني وتستخدمه إيران لبسط نفوذها في المنطقة وهز استقرارها، وإذا استطاع لبنان تحجيم دور حزب الله سيكون بخير، ويجب إيجاد وسائل للتعامل مع حزب الله وهناك خطوات فعلية بهذا الصدد». من جهة أخرى تستضيف الرياض الأحد 26 نوفمبر الجاري، الاجتماع الأول لمجلس وزراء دفاع التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب تحت شعار «متحالفون ضد الإرهاب»، ليرسم خطط عمل قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى في محاربة التطرف والإرهاب تتضمن مجالات فكرية ومالية وإعلامية وعسكرية، مع التركيز على تجفيف منابع الإرهاب ومصادره، وقد أفادت بعض التقارير بأن وزراء دفاع الدول الأعضاء في التحالف ربما يدرجون «حزب الله» اللبناني ضمن التنظيمات الإرهابية بعد أن أصبح مهدداً للأمن القومي العربي والإسلامي، إثر الصاروخ الباليستي الإيراني الذي أطلق على الرياض بواسطة الحوثيين، واكتشاف الخلية الإيرانية في البحرين، وقبلها خلية العبدلي في الكويت. جديرٌ بالذكر أن رابطة العالم الإسلامي قد أيدت البيان الصادر عن الاجتماع الوزاري لوزراء الخارجية العرب في جامعة الدول العربية بخصوص التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، مؤكدةً أن ما يقوم به محور الشر الإيراني من أعمال إرهابية من خلال نشر مجموعاته في دول تَدَخُّلِه باتت تهدد دول المنطقة بأسرها في سلسلة من الجرائم التخريبية ونشر الفتن الطائفية، ودعت الرابطة جامعة الدول العربية إلى مواصلة موقفها الحازم بمخاطبة الأمم المتحدة للتدخل السريع بفرض عقوبات رادعة للنظام الإيراني الذي انتهك الاتفاقات والمعاهدات والأعراف الدولية التي تنص على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها، وأوضحت الرابطة أن إيران أصبحت مصدر قلق دولي مدفوعةً بأيديلوجيا متطرفة كارهة، ترفع شعار الموت والدمار لكل من يقف أمام مشروعها الطائفي.
مشاركة :