تحقيق:عايدة عبد الحميد وصلت معدلات الإصابة بالسمنة في دولة الإمارات إلى نحو 30% من السكان، وهي مشكلة في تزايد مستمر، وأصبحت من أخطر الأمراض التي تواجه كل الفئات العمرية، لما تسببه من أخطار جسيمة على الصحة. وظل البحث عن النحافة العاجلة والمعاناة من السمنة المفرطة يدفعان المصابين بداء البدانة لتجربة طرق جراحية لا تخلو من أخطار، أبرزها عمليات قص المعدة، أو ربط المعدة أو تحويل مسار المعدة، وهي وإن كانت في المعايير العالمية لا تتجاوز خطورتها حد ال2%.حذر عدد من الأطباء خلال حديثهم ل«الخليج» من ظاهرة الاستشارات الطبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول مواضيع عدة أهمها الرشاقة والوزن، مشيرين إلى خطر الحصول على مشورة الخبراء غير المؤهلين، حيث إن الكثير من النصائح التي يقدمها هؤلاء «الخبراء» مشكوك فيها ويمكن أن تكون ضارة بالصحة.وأوضحوا خطورة استخدام المكملات الغذائية الخاصة بالحمية وإنقاص الوزن غير المرخصة، وغيرها من الأدوية والمستحضرات التي يروج لها وتباع عبر المواقع الإلكترونية، نظراً لما تشكله هذه المستحضرات من أضرار صحية جسيمة على مستخدميها، خاصة أن أغلبها غير مسجل بالدولة ولا عالميا. سن التشريعات أشار د.حسين عبد الرحمن الرند، وكيل وزارة الصحة ووقاية المجتمع المساعد لقطاع المراكز والعيادات الصحية، إلى سن تشريعات بالتعاون مع الجهات الصحية المحلية والمعنية بالدولة، للتقليل من الإصابة بأمراض السمنة والسكري والتدخين وتسوس الأسنان، تنفيذاً لمؤشرات الأجندة الوطنية 2021، لتعزيز تقدم دولة الإمارات صحياً والحد من انتشار الأمراض غير المعدية، وقال الأجندة الوطنية للدولة تستهدف خفض نسبة السكري لدى المواطنين والمقيمين في الدولة إلى 16.3% بحلول عام 2021، وأيضا هناك مؤشر يتعلق بخفض معدل الإصابة بالسمنة لدى الأطفال إلى المستهدف لعام 2021 إلى نسبة 12%.وأضاف: تم تشكيل الفرق التنفيذية الخاصة بذلك، وقطعنا شوطاً كبيراً في مختلف الجوانب المتعلقة بتنفيذ خفض الإصابة بالسكري والسمنة، ومن بين هذه الجوانب، الأمور التشريعية، وذلك بهدف تعزيز أنماط الحياة الصحية، وأن وزارة «الصحة ووقاية المجتمع» وبالتنسيق مع جهات حكومية اتحادية ومحلية وخاصة، تقوم على إنجاز تشريع يلزم الشركات المصنعة على خفض نسبة السكريات في المشروبات الغازية والأطعمة التي تحتوي على نسب عالية لتحسين الأنظمة الغذائية.وأكد أنه من شأن التشريعات الجديدة التي ستصدر وتطبق العام الجاري، الحد من الإعلانات التجارية التي تجذب الأطفال لمنتجات غذائية ضارة، من خلال وضع ألعاب بها، أو منتجات أخرى، مؤكداً أن هذه الممارسات كانت سبباً في إصابة أطفال بداء السكري. وأفاد بأن التشريعات الجديدة من شأنها وضع مواصفات خاصة للأغذية غير الصحية، التي تباع داخل الدولة، وفرض معايير خاصة تضمن سلامة مستهلكيها في الفئات العمرية كافة. علاج ناجح مستشفى القاسمي بات مرجعاً مهماً في التدريب على عملية ال «ساسي» والتي تعتبر الأحدث في عمليات تكميم وقص المعدة، وأسلوب علاجي كبير لمرضى السكري من النوع الثاني، لدى هؤلاء المرضى، وتحسن حالتهم بنسبة 95%.، بهذه الكلمات بدأ د. عبد الواحد الواحدي، نائب المدير الفني استشاري جراحة السمنة في مستشفى القاسمي بالشارقة حديثه لنا، وقال: المستشفى استقبل أطباء متخصصين في السمنة خلال الفترة الماضية من بلدان عديدة، وكذلك من أطباء من مستشفيات داخل الدولة، حيث نظم لهم ورشة عمل وتدريب على تقنية «الساسي» ليقوموا بدورهم بإجرائها في بلدانهم وداخل المستشفيات التي يعملون لديها.وذكر أن القسم أجرى أكثر من 60 عملية «ساسي» خلال الفترة الماضية لحالات ذات أوزان مختلفة، وأثبتت جميعها مدى الجدوى العلاجية لمرضى السكري، وتراجع المرض، من النوع الثاني، وذلك وفقاً للتقارير داخل المستشفى أو التي تم تنفيذها عالمياً، وأن هذه التقنية تعتبر أكثر سهولة وأقل مضاعفات عن العمليات الأخرى فيما يتعلق بالسمنة، كما أنها تستغرق من ساعة إلى ساعتين فقط، لافتاً إلى تزايد أعداد الحالات الراغبة في إجراء العملية خلال الفترات الماضية، داخل المستشفى.وأوضح أنه تجرى سنويا نحو 300 عملية جراحة سمنة، بمختلف أنواعها،وتصل قائمة الانتظار إلى نحو 10 شهور، لحين إجراء العملية،وقال إن خطط المستشفى المقبلة، تتضمن إنشاء مركز لعلاج السمنة، وقسم لجراحة سمنة الأطفال، لانتشار الأمراض المتعلقة بالوزن الزائد بشكل كبير، خاصة أنها تعد في كثير من دول العالم حالياً مرضاً، وليست ظاهرة، ويطلق عليه مريض السمنة ويستوجب العلاج. تنظيم الجراحات إن البروتوكول المتبع لجراحي السمنة بوزارة الصحة ووقاية المجتمع بحسب د. عيسى إبراهيم المعلمي، استشاري جراحة السمنة ومساعد مدير مستشفى الكويت للشؤون الفنية، وضع معايير محددة لتنظيم عمليات جراحة السمنة في مستشفيات الوزارة، وأشار إلى هذه الإرشادات تتضمن معايير تحدد من الذي يجب أن يستفيد من عمليات جراحة السمنة والمستشفيات المخولة بإجرائها، وفق بروتوكولات طبية معتمدة علمياً وعالمياً وعلى الأدلة المبنية على البراهين.وأوضح أن المعايير المعتمدة في هذا الصدد تتطلب إخضاع المريض لفحص دقيق لبيان توافقه مع المعايير المطلوبة ومدى الحاجة للعملية ومنها وزن الجسم والسمنة المفرطة، وشرح أن عمليات ربط أو قص (تصغير) المعدة عادة ما يلجأ إليها ما يقوم الأشخاص الذين وصلت أحجامهم لدرجة لا يمكن تقليلها بممارسة أي وسيلة رياضية أو بأي برنامج من برامج التخسيس بعمليات تصغير المعدة أو ربطها أو تحويل مجراها، وأن أوزان هؤلاء الأشخاص لا تقل بأي حال عن ال 100 كيلوجرام بالنسبة للرجال، وعن 80 كيلوجراما بالنسبة للنساء، وأن أحد المرضى الذين أجريت لهم الجراحة بالمستشفى، بلغ وزنه حوالي 135 كيلوجراماً.وحول الاشتراطات والمعايير الواجب توفرها في المرضى الكبار والشباب قال: يجب عدم قبول أي شخص لجراحة السمنة إلا إذا كان قد حاول في السابق وسائل أخرى لتنقيص الوزن كالحمية الغذائية والرياضة والأدوية، كما يجري إخضاع المتعامل لبرنامج طبي وتأهيلي معتمد لعدة أسابيع قبل إجراء العملية بالإضافة لبرنامج غذائي دقيق قبل وبعد العملية.وهناك برنامج لتحضير المرضى للعملية بما في ذلك التحضير قبل وأثناء وبعد الخروج من المستشفى، وبرنامج المتابعة المنتظمة لتجنب المضاعفات والتأكد من التزام المريض بالتعليمات. جراحات الساسي بدوره أشار د. طارق مهدي، رئيس قسم الجراحة بمستشفى القاسمي، إلى أن عمليات «الساسي»، تعتبر الأفضل لدى بعض المرضى، خاصة مرضى السكري من النوع الثاني، كما أن مضاعفاتها الطبية أقل، بالإضافة إلى إمكانية إرجاع المريض لحالته الأولى قبل العملية خلال 20 دقيقة فقط، حال رغبته المستقبلية في ذلك، من خلال فك تدبيس المعدة، وذلك بعد فترة يقررها الطبيب، وهو الأمر الذي لم يكن متوفراً في التقنيات والطرق السابقة. وبين أن المستشفى تفوق في هذا النوع من العمليات، والذي يتناسب مع مرضى السكري من النوع الثاني، وأصبحت معروفة في دول المنطقة بكفاءة ومهارات الفريق الطبي الذي أجراها، وعليه تم تنظيم ورشة العمل الدولية لتدريب الأطباء من دول المنطقة عليه، و أن أي طبيب كان يقوم بعملية قص المعدة في السابق، يستطيع إجراء عملية عبر طريقة الساسي، من خلال تدريب بسيط، مشيراً إلى أن الورشة استضافت 12 طبيباً من أمهر الأطباء حول العالم في إجراء عملية «الساسي»، ليكون المشاركون فيها بدورهم مدربين فيما بعد. وأكد أهمية مواصلة الحملات التوعوية وزيادة الوعي لدى الشرائح كافة في المجتمع، بالسلوكيات السيئة التي تمارس بصورة يومية في منطقة الخليج على وجه الخصوص ودول العالم بصورة عامة، عن الإصابة بأمراض السمنة وزيادة الوزن، مثل الوجبات السريعة والأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية، بالإضافة إلى قلة النشاط والحركة، وكذلك الوفرة المادية في متناول الشباب، مما جعلت من عملية الزيادة في الأطعمة أمر طبيعياً، وساهم ذلك في انتشار الأمراض، مع ضرورة التركيز على النشاط البدني، وممارسة الرياضة بصورة يومية. مكافحة الداء بلغت نسبة مواطني دول التعاون الخليجي المصابين بزيادة الوزن والسمنة 70%، منهم 40% زيادة في الوزن، و30% زيادة السمنة، وفقا لما أكده د. محمد الجار الله، وزير الصحة الكويتي السابق، ورئيس الجمعية الخليجية لجراحة السمنة.وأرجع ذلك إلى نمط الحياة والوفرة المادية وعدم ممارسة الرياضة بصورة منتظمة، لافتا إلى ضرورة وضع برامج لمكافحة داء السمنة من كافة الوزارات والمؤسسات بدول المجلس للحد منها، باعتبارها مسببا مباشرا لعدد من الأمراض غير المعدية، كالسكر والقلب والسرطان، الأمر الذي يكلف ميزانيات دول المنطقة أموالاً هائلة في سبيل إيجاد العلاج.وحذر د. محمد الجار الله من استخدام المكملات الغذائية لحرق الدهون كما يوصي البعض على الإنترنت للترويج لمنتجاتهم، حيث تقول إن هذه المكملات هي مزيج من المنتجات المختلفة التي يمكن أن يكون لها آثار ضارة للشخص الذي يعاني خللاً في الغدة الكظرية، وفي نفس الوقت قد لا تكون قادرة على إنقاص الوزن وحرق الدهون برامج علاجية طالب د. عبد الرحمن الرند بضرورة الحد من إعلانات الأطعمة الغنية بالسكريات والدهون المشبعة التي تستهدف الأطفال لمعالجة السمنة والحد من انتشار السكري بين طلبة المدارس، داعياً وسائل الأعلام بوقف إعلانات الأطعمة، خاصة الوجبات السريعة والمشروبات الغازية التي تشجع الأطفال على استهلاكها.وأوضح الرند، أنه من المتوقع أن يتراجع مركز الإمارات عالمياً إلى مراكز متأخرة، من حيث الإصابة بالسكري، عقب تنفيذ هذه التشريعات واعتمادها، خصوصاً أنها تشغل حالياً المركز ال 14 عالمياً، فيما تعمل وزارة الصحة ووقاية المجتمع بالتعاون مع الجهات ذات الصلة إلى الحد من خلال البرامج الوقائية والعلاجية المختلفة.تثقيف وتوعية قال محمد عبد الله الزرعوني، مدير منطقة الشارقة الطبية، إن «أمراض السمنة والسكر انتشرت انتشاراً كبيراً في دول الخليج، لذا أصبح من الضروري الوقوف على أسبابها وطرق العلاج الصحيحة لها»، مضيفاً أن الوزارة نجحت في نشر جراحات السمنة بجميع مستشفياتها. 80 % جراحات النساء بنسبة أشار د. عيسى المعلمي إلى أن جميع العمليات التي تم إجراؤها في مستشفى الكويت كانت ناجحة ولم يكن هناك أية أضرار، حيث يقوم مستشفى الكويت بإجراء 3 عمليات أسبوعياً، موضحاً أن أعمار الحالات التي قامت بالعملية تتراوح ما بين 20 حتى 50 عاماً، و80% منهن نساء. أعباء صحية أشارت د. نوال المطوع، استشاري السكري والغدد الصماء بمستشفى الكويت، أن داء السكري يعتبر من الأعباء الصحية العالمية الأكبر في القرن الواحد والعشرين، وقالت: إن الإحصائيات العالمية أشارت إلى وجود 415 مليون بالغ مصاب بداء السكرى حالياً و318 مليون بالغ مصاب باضطراب تحمل الغلوكوز في العالم وبحلول 2040 سوف تزداد هذه الأعداد لتصل إلى 642 مليون نسمة. وأوضحت بأن كل خمس ثوان هناك شخص يصاب بالسكري ويموت شخص كل عشر ثوان ويفقد أحدهم طرفاً بسبب السكري كل 30 ثانية، وأن التأثير السلبي لمرض السكري لا يتوقف عند عضو معين أو عند جهاز معين بل تأثيره المرضي في حالة عدم التحكم في مستوى السكري يمتد إلى جميع أعضاء الجسم لذا أولت وزارة الصحة ووقاية المجتمع ضمن استراتيجيتها اهتماماً كبيراً لهذا المرض ومكافحته باعتباره تحدياً مهماً لنظام الرعاية الصحية وعائقاً أمام التنمية المستدامة.
مشاركة :