عن عقدة المصالحة بين «فتح» و «حماس»

  • 11/25/2017
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

انتهى الاجتماع الفلسطيني الذي عقدته الفصائل وشخصيات مستقلة (القاهرة، 22 - 11)، والمخصّص للمضي في اتفاق المصالحة بين «فتح» و «حماس»، وتوحيد الكيان الفلسطيني، كأنه لم يكن، أو أنه انتهى إلى مجرد بيان تضمن كلاماً عمومياً عن «مواجهة الأخطار التي تواجه القضية الفلسطينية»، وهي كثيرة طبعاً، و «التمسك بالثوابت»، مع التشديد على «أهمية الوحدة الوطنية»، والنضال «من أجل تحرير الأرض والعودة والاستقلال وتقرير المصير»، إضافة إلى تشكيل لجان وتحديد اجتماعات لبحث القضايا العالقة. وكانت الحركتان الفلسطينيتان الرئيسيتان توصلتا إلى اتفاق مصالحة بينهما (12 - 10)، يفترض أن ينهي انقساماً عميقاً دام عشرة أعوام، استنزف طاقة الفلسطينيين وأضعف مكانتهم في مواجهة السياسات الإسرائيلية، وهذا لم يتحقق بعد، على النحو المطلوب، ولا حتى على نحو يرضي كل واحدة من الحركتين، ما يثير الخشية من فشل هذا الاتفاق كما حصل لسلسلة الاتفاقات السابقة (مكة والدوحة وصنعاء والشاطئ والقاهرة). هكذا، لم يستطع المجتمعون في القاهرة التوصّل إلى قرارات حاسمة حيال القضايا المطروحة، إذ إن «فتح» غير مستعدة بعد لمناقشة موضوع تفعيل أو إعادة بناء منظمة التحرير، ولا موضوع التقرير في تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية للسلطة، قبل البتّ بتمكين حكومة «الوفاق الوطني» من تسلم الوزارات في غزة، والأهم قبول «حماس» بما تعتبره «فتح» قراراً واحداً وسلاحاً واحداً، مع ما يعنيه من حلّ أجهزتها الأمنية في غزة، أو إعادة هيكلتها ودمجها ضمن أجهزة السلطة. في المقابل، فـ «حماس» التي تنطلق من كونها الندّ لحركة «فتح»، بحكم فوزها بغالبية مقاعد «المجلس التشريعي» في انتخابات 2006، تعتبر من حقها أخذ الحصّة التي تناسب حجمها في إدارة الشأن الفلسطيني، وهذا يشمل السلطة والمنظمة، وأنه لا يمكن أن تسلّم كل شيء بلا مقابل مناسب، وضمن ذلك، بالطبع، حفاظها على أجهزتها الأمنية، وعدم تسليم السلاح، باعتباره سلاحاً للمقاومة، فيما الوضع الفلسطيني ما زال في إطار التحرر الوطني ومواجهة الاحتلال. المشكلة أن الطرفين يعتبران نفسيهما حركتي تحرر وطني، وهما في الحقيقة يتصرّفان كسلطة، إزاء شعبهما، وإزاء الفصائل، وإزاء بعضهما، إن في ما يتعلق باحتكار الموارد، أو بالسلاح، أو بتقرير خيارات الفلسطينيين، وهذا في ظل غياب الإطارات الشرعية، سواء المنبثقة من المنظمة أو السلطة. فإذا تجاوزنا عقبة استيعاب الـ40 ألفاً من الموظفين الذين عيّنتهم «حماس» في الأجهزة الإدارية والأمنية، لدى أخذها السلطة في غزة (2007)، فالعقدة الأساسية التي تثير الشبهات حول سلامة المصالحة والوحدة، تتمثل بالذات في مسألة إبقائها السلاح في يدها وإبقائها على القوات الخاصة بها. وتؤكد جملة التصريحات الصادرة عن قياديي «حماس» أن هذه المسألة بمثابة خط أحمر، لا يمكن النزول عنه، فالسلاح هو للمقاومة ولا يمكن التفريط فيه، فيما القيادة الفلسطينية، وهي قيادة المنظمة والسلطة و «فتح»، تصر على وحدانية السلاح والأجهزة الأمنية، وأنه لا يمكن المصالحة أن تتم من دون ذلك. واللافت أن القيادة الفلسطينية تستشهد في هذا بعدم السماح لحركة «حماس» في غزة بتكرار تجربة «حزب الله» في لبنان، حيث يهيمن على الدولة والمجتمع اللبنانيين، وعلى خيار الحرب والسلم، من دون أن يكون في السلطة، وحتى من دون وجود مقاومة بعد توقفها منذ 2006. وقد يمكننا أن ننتقد كثيراً خيارات القيادة الفلسطينية، وطريقة إدارتها الوضع الفلسطيني، لكن ما يلفت الانتباه، ويستوجب النقد أيضاً، طريقة «حماس» في إدارتها غزّة، أحادياً وإقصائياً، وعدم استطاعتها تقديم نموذج للسلطة في غزة غير سلطة «فتح» في الضفة، ناهيك باضطراب رؤيتها لمكانة غزة في العملية الوطنية، وتحميلها مهمة مقاومة إسرائيل، أو تحرير الضفة، على رغم خضوع مليونين من الفلسطينيين فيها للحصار والانقطاع عن العالم الخارجي، ناهيك بتعرضها لثلاث حروب مدمرة (2008 و2011 و2014). ثم إن أزمة العمل الفلسطيني لا يمكن التعاطي معها كأزمة انقسام فقط، على رغم خطورته، إذ تتعلق أساساً بتأكّل وفُوات البِنى الوطنية (المنظمة والسلطة والفصائل)، وإخفاق الخيارات المعتمدة، سواء المتعلقة بالمقاومة أو بالمفاوضة، وبتغير البيئة العربية المحيطة، ما يجعل الفلسطينيين مكشوفين إزاء السياسات الإسرائيلية أكثر من أي وقت مضى. هكذا، فاستعادة الوحدة أمر بالغ الأهمية، إذ يخفف من معاناة فلسطينيي غزة، لكن استنهاض الوضع الفلسطيني يحتاج إلى متطلبات كثيرة، بينها إعادة بناء الكيانات الوطنية (المنظمة والسلطة والفصائل والمنظمات الشعبية) على أسس جديدة، وتعزيز مكانتها، وكذلك توليد رؤى سياسية تتأسس على نقد التجربة الماضية، بما لها وما عليها، وعلى الموازنة بين الإمكانات والطموحات، وبين المرحلي والمستقبلي، والواقعي والمبدئي، إذ لم يعد ينفع الكلام عن خيار الدولة في الضفة والقطاع، وخيار المفاوضات، بعد تجربة ربع قرن على أوسلو (1993) بل ينبغي قول شيء جديد ومغاير يفيد الفلسطينيين وحقوقهم بالملموس. وفي الإطار ذاته، بات من الأهمية بمكان إعادة تعيين التوازنات بين الفلسطينيين، للتخلص من نظام الكوتا، ومن الفصائل التي لم تعد لها مكانة ولا دور، وذلك عبر الانتخابات كونها الشكل الوحيد لاستكشاف ذلك. والخلاصة أن تركيز جهود الفلسطينيين على بناء مجتمعاتهم، وتنمية مواردهم، وتعزيز كياناتهم، أفضل ما يمكن فعله وأنسبه في هذه المرحلة الصعبة، وفي ظل هذه المتغيرات العاصفة كلها، والخراب الدولتي والمجتمعي في المشرق العربي.     * كاتب فلسطيني.

مشاركة :