إذا ما استمر المشهد كما نراه ونعيشه.. فالأسوأ هو القادم. كنا ولا نزال ورغم كل ما حصل نطمح، نفخر ونعتز، لا بل كنا نتباهى بما نحن عليه كمنظومة خليجية تصنف تجربتنا واحدة من التجارب الناجحة، حتى ممن لا يريد أن نكون هكذا. أربعة عقود مرت رغم ما شابها من عثرات كان لابد منها لتستقيم تجربة ناجحة لشعوب متجانسة تربطهم الكثير من أواصر الود والمصلحة، بعد أربعة عقود حافلة بالأمل بدأ المشهد يتغيّر.. تشرذم وتباين في الرؤى يسير بخطوط متوازية لا يراد لها أن تلتقي، كنا نريد المزيد من التلاحم والمحبة والاحترام، نريد ترجمة عاقلة متأنية لما أكده بصوت مسموع وجليّ المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز في أحد اجتماعات القمة الخليجية، عندما قال: لا نريد أن نقف عند هذا الحد، نريد وتريد شعوبنا المزيد من الوحدة والتلاحم، لنكون أكثر قوة بناء وازدهاراً، وإذا ما تطلب الأمر نكون قوة يُحسب لها حساب. وإذ بنا نعود خطوات سريعة إلى الوراء لنعيش ظروفاً استثنائية لم تكن في الحسبان، وزعتنا الظروف المستجدة رغم إرادتنا لثلاثة فرق، زادت قوة الخلاف واحتدت، انتقلت إلى شعوب متآخية تربطها روابط الدم والمصلحة، أججها غالباً إعلام غير منضبط إلى أن أصبح الخوف والريبة هاجسنا، لا ندري ما يخفيه الغد. هنا نحن الآن في أشد الحاجة الى تفعيل همم الرجال الوطنيين الأوفياء من الدول الخليجية الست، هكذا هي الشعوب الحيّة لها دورها الفاعل، وألا ترضى بقبول الأمر الواقع. أقول مطلوب أن يتحرك المخلصون درءاً لما هو آت، ليدعموا جهوداً مع من بذل بسخاء ولا يزال (أميرنا أمير الإنسانية)، مهمتهم دعم الصوت العاقل والصريح في أن شعوبكم تحبكم ومخلصة لأوطانها، تعيش القلق والخوف مما هو آت، تريد وأد هذا الكابوس، وتريد تخفيف حدة المواقف لمستقبل دولكم. التنازل لمصلحة الأوطان ليس هزيمة، بل هو قمة الإيثار والعقل، تلك هديتكم لشعوبكم الحية التي تأمل أن ترى مستقبلاً مشرقاً لديمومة منظومة وضعتم قبل أربعة عقود أساساً صالحاً وصلباً، لنضيف عليه معاً كل ما هو نافع لنا وللعالم. دعونا نقرأ معاً مقتطفات من مقدمة بن خلدون وما قاله في القرن الرابع عشر الميلادي: «عندما يشتد الخلاف ما بين الدول يكثر المنجمون والشحاذون والمنافقون والشعراء وقارعو الطبول وقارئو الكف وعابرو السبيل، تنكشف الأقنعة، يضيع التقدير ويسوء التدبير ويختلط الصدق بالكذب، ويتحول الصديق إلى عدو والعدو إلى صديق وتزداد غربة العاقل، ويصبح الانتماء إلى القبيلة والطائفة وإلى الأوطان ضرباً من ضروب الهذيان، ويضيع صوت الحكماء ويتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالخيانة والعمالة، ويتدبر المقتدر أمر رحيله والغني أمر ثروته، ويتحول الوطن إلى محطة سفر». اللهم وفق دولنا لكل ما فيه الخير والاستقرار. سامي فهد الإبراهيم
مشاركة :