داعش يستعين بسلاح الطائفية لترسيخ نفوذه بسيناء بقلم: هشام النجار

  • 11/26/2017
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

داعش يستعين بسلاح الطائفية لترسيخ نفوذه بسيناءكشف الهجوم الإرهابي الذي شنّ، الجمعة، على مسجد الروضة بشمال سيناء عن استراتيجية جديدة للتنظيمات المتطرفة تهدف إلى بث صراع طائفي وتأجيجه داخل مصر، وكانت الطرق الصوفية ضحية أدوات داعش الجديدة، ويكشف التنظيم بذلك رغبته في تدارك خسارته الميدانية بسوريا والعراق وانحسار نفوذه باستنساخ النموذج الطائفي العراقي في الحالة المصرية للبحث عن موطئ قدم جديد.العرب هشام النجار [نُشر في 2017/11/26، العدد: 10824، ص(4)]الإرهاب يطرق أبواب المساجد القاهرة - تنظر التنظيمات المتطرفة إلى سيناء كبيئة مثالية بديلة عن معاقله الرئيسية التي فقدها في كل من سوريا والعراق خلال الآونة الأخيرة، وباتت سيناء تشكل مساحة لترجمة نظريته المعروفة بإدارة التوحش التي تقوم على استخدام الوحشية المفرطة في الهجمات، بالإضافة إلى توفير صبغة طائفية للهجوم واستنساخ أساليبه السابقة، بغرض بسط نفوذه على جزء من إقليم الدولة ليصبح نقطة انطلاق لما يسمّونه “إمارة إسلامية”. لم يتوقف استهداف داعش عند المساجد الشيعية التي فجرها خلال عامي 2015 و2016 بتفجيره لمساجد سعودية وكويتية، لكن هاجمت التنظيمات مسجدا سنيا في سيناء لأول مرة والتي لم يسبق لأيّ تنظيم سلفي متشدد أن فعلها من قبل. وبحسب الفكر العقائدي السائد لدى جماعات السلفية الجهادية يعد كافة المسلمين الذين لم يبايعوا داعش على ضلال وتستحلّ دماؤهم إلى جانب الشيعة الذين يعتبروا في نظرهم “كفارا” بل أكثر كفرا من المسيحيين واليهود، لاعتقاد هؤلاء أن” الشيعة حرفوا تعاليم الدين الصحيح”. ويهدر داعش دماء الجماعات الأخرى كالقاعدة والإخوان المسلمين من السنة باعتبارهم جماعات مرتدة عن مبايعة “الخلافة الإسلامية الصحيحة”. يشار إلى أنه قبل حادث مسجد الروضة في شمال سيناء كان داعش يرفض مهاجمة مساجد سنية باعتبارها بيتا من بيوت الله، حتى وإن كان مرتادوها من المسلمين على “ضلال” أو “كفرة” من وجهة النظر الأيديولوجية التي يتبناها داعش. ويعد مسجد الروضة أكبر مساجد الطرق الصوفية بمدينة بئر العبد، وتبعد 50 كيلومترا غرب مدينة العريش، ويقع المسجد في منطقة صحراوية ويتردد عليه أتباع إحدى الطرق الصوفية من تلاميذ الشيخ سليمان أبوحراز الذي اختطفته عناصر من تنظيم بيت المقدس الذي أعلن مبايعته لداعش وقطعت رأسه العام الماضي وكان عمره يناهز الـ100 عام، وكان أبوحراز شيخا ضريرا وأحد قيادات الطرق الصوفية بسيناء التي تناصبها السلفية العداء بمختلف درجاتها.الحكومة المصرية تشدّد إجراءاتها الأمنية على الكنائس والأديرة التابعة للمسيحيين بعد تكرار استهدافها من قبل داعش، الأمر الذي زاد من صعوبة الوصول إليها من قبل التنظيمات المتطرفة ويرجّح البعض من المراقبين أن”يكون الاعتراض على سلوك الصوفية هو المخرج الذي اعتمد عليه منفذو الهجوم لتشريع تفجيرهم للمسجد وقتل المصليين”. ويرى غالبية السلفيين أن”الصوفيين خارجون عن الملة بسبب تقديسهم لمقامات أولياء الله الصالحين واستنجادهم بهم في الدعاء”، وهو ما يعد مرتبة من مراتب الكفر بالله، وتعتبر أغلب الجماعات المتشددة الصوفيين “أهل بدعة وضلال”. ويخدم الهجوم على الطوائف الدينية المختلفة هذه الاستراتيجية من جهة تأجيج الصراع الداخلي ودفعها إلى امتلاك السلاح والدخول في صراع مسلح مع التنظيم ليتصاعد الإرهاب الطائفي، وتدخل مصر بذلك في دوامة جديدة من العنف والعنف المضاد بعد عجزها عن حماية الطوائف. وشددت الحكومة المصرية إجراءاتها الأمنية على الكنائس والأديرة التابعة للمسيحيين بعد تكرار استهدافها من قبل داعش، الأمر الذي زاد من صعوبة الوصول إليها من قبل التنظيمات المتطرفة. ويسعى التكفيريون من وراء التركيز على طوائف إلى صناعة بيئة توحي بالفوضى الطائفية، وجذب الآلاف من مقاتلي داعش الفارين من سوريا والعراق والمنتقلين إلى ليبيا الدولة المجاورة لمصر، حيث تعتبر بمثابة حاضنة للتنظيم، الذي يسعى لتحقيق مكاسب عقائدية ونوعية أمام أنصاره. ويرجّع البعض من الخبراء اختلاق معركة عقائدية مع الطرق الصوفية في هذا التوقيت تحديدا بمصر إلى وجود مقاتلين عادوا من سوريا والعراق ونجحوا في التمركز بسيناء، وكان من مهام وممارسات التنظيم في هذين البلدين استهداف الطائفة الشيعية ومساجدها. وطرح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مجددا في كلمته بعد الحادث مسألة وقوف جهات خارجية وراء العملية عندما ألمح إلى أن “مصر تحارب الإرهاب لمنع تدمير ما تبقى من المنطقة” وأن “ما جرى كان هدفه النيل من الدولة المصرية”. ويرى متابعون أنّ الإرهاب الطائفي يتمّ التّعاطي معه من جهة ارتباطاته الخارجية أكثر من التعامل معه من منطلق الأوضاع والدوافع المحلية، لما يمنحه من محفّزات للقوى الإقليمية للتدخل بقصد تعزيز الطموحات التوسعية. ووصف تنظيم داعش الطريقة “الجريرية” التي أسسها عيد أبوجرير شيخ عشيرة الجرارات من قبيلة السواركة، والتي يرتاد مريدوها مسجد الروضة بمدينة بئر العبد في العريش شمال سيناء بأنها “أشد الطرق كفرًا وأكثرها علاقة بالروافض (الشيعة)”. وقام التنظيم بتكفير جميع الطرق الصوفية في مصر، زاعمًا أنها تؤمن بعقائد الشيعة و”تتوسل بغير الله وتقدّس الأولياء”.واستهل التنظيم ممارساته ضد مريدي الطرق الصوفية الذين تتعدّى نسبتهم الـ60 بالمئة من سكان سيناء، باختطاف أعداد منهم، ثم الإفراج عنهم لاحقًا بعد “استتابتهم” وإغلاق زواياهم ومنع إقامة طقوسهم وأذكارهم التعبدية الجماعية. وتلقت الطرق الصوفية في سيناء تحذيرات أمنية قبل الحادث وأنهم سيكونون ضمن أهداف التنظيمات المتشددة في المنطقة، ونبّهت أجهزة الأمن شيوخها بعدم التمادي في احتفالاتهم بالمولد النبوي هذا العام، وأن يتم ذلك بعلم الأجهزة الأمنية لتوفير الحماية اللازمة لهم. وفي العام 2013 تبنى تنظيم داعش تفجير ضريح الشيخ سليم أبوجرير بقرية مزار وضريح الشيخ حميد بمنطقة المغارة وسط سيناء، وهما من كبار مشايخ الطرق الصوفية في مصر. وأعلن داعش في أكتوبر 2016 وضع المنتمين للطرق الصوفية على قائمة الاغتيالات لعدم الالتزام بشروطه التي تتمثّل في التوقف عن ممارسة شعائر الصوفية مثل الموالد وحلقات الذكر بالتزامن مع نشر صحيفة النبأ التابعة للتنظيم مقالًا لأحد قادته يهدّد فيه جميع الطرق الصوفية شيوخًا ومريدين قائلًا “لن نسمح بوجود طرق صوفية في سيناء خاصة ومصر عامة”. ووصف قائد آخر بالتنظيم في حوار له بنفس العدد من الصحيفة الطرق الصوفية بـ“القبوريين” بمعنى أنهم يقدسون أضرحة الأولياء وأنهم داخلون في دائرة حرب التنظيم لكونهم كفارًا ولصلتهم بقيادات الأمن المصري. واقتحمت مجموعة مسلحة تابعة للتنظيم في أكتوبر من عام 2016 زوايا الطرق الصوفية في جنوب مدينة الشيخ زويد بشمال سيناء ومنعت المصلين وألغت حضرة الذكر وتم خطف سبعة أشخاص قبل أن يطلق سراحهم فيما بعد. ولا يعكس هجوم الجمعة على مسجد طريقة الجريرات الصوفية بقرية الروضة في شمال سيناء رغبة انتقامية للتنظيم تجاه قبيلة السواركة التي ينتمي أغلبها للطريقة الجريرية على خلفية انحيازها للجيش، إنما تمثل كذلك صعودًا لذروة الفعل الطائفي في لحظة أرادها التنظيم لصالحه ضمن مساعيه لخلق معقل بديل لخلافته، ولتدارك خسارته الميدانية بالشرق الأوسط. ويطمح داعش إلى استنساخ النموذج الطائفي العراقي في الحالة المصرية، باستبدال الشيعة بالصوفية، ويكشف هذا التوجه أساليبه في التعويض عن الخسائر الكبيرة. ويدرك داعش أنه ينحسر ويخسر مواقعه وحواضنه وعوامل جذبه للجهاديين بما يجبره على اللجوء إلى الإرهاب الطائفي كمدخل لتأسيس شرعية جديدة على الأرض. ويجد التنظيم أنه في حاجة لترسيخ ما يعتبره علامة لتمايزه عن تنظيم القاعدة في سياق الردود العملية على محاولات الأخير وراثته ثم إزاحته عن عرش زعامة الجماعات الجهادية، ومن أوضح علامات التمايز التوحش الطائفي والتوغل في دماء المدنيين.

مشاركة :