البير كامو.. العاشق الولهان!

  • 11/26/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

سليمة لبال | ارتبط الكاتب الفرنسي ألبير كامو حتى وفاته، بقصة حب أسرت حياته، وحوّلته إلى عاشق ولهان، بالممثلة الاسبانية- الفرنسية ماريا كازاريس. لقد عشقها وهام بحبها، مثلما شغفت به رغم عدم زواجهما، ولعل أبرز ما يدل على قوة هذه العلاقة الغرامية، تلك الرسائل التي تبادلها العاشقان المغرمان على مدى سنوات. من يقرأ رسائل ألبير كامو اليوم، التي تشجعت ابنته على نشرها بعد سنوات من التردد، سيدرك تماما أن الزمن تغير كثيرا وأن التفاصيل التي كان الحب يسكنها، ما عاد لها مكان بيننا اليوم. بدأت المراسلات بين ألبير كامو ومحبوبته ماريا كازاريس في 1944، وهو العام الذي التقيا فيه، واستمرت حتى 30 ديسمبر 1959، أي بعد وفاته بخمسة أيام، وكانت جميع هذه الرسائل مفعمة بالحيوية والحب والعواطف الجياشة، لقد كتب لها في أكتوبر 1959 «أنتظر أن تتجدد المعجزة دوما بحضورك»، و«كنت أعتقد اني سأجد صعوبة في العيش بعيدا عنك، ولكن هذا ليس صحيحا، لاني لا أستطيع العيش أبدا بعيدا عنك»، و«لوكان علي أن اختار بين العالم كله وأنت، لفضلتك على الحياة والسماء»، و«أنت توازني، أنت دمي واحلامي والحقيقة التي تغذيني». اللقاء الأول التقى ألبير كامو الممثلة ماريا كازاريس في 19 مارس 1944 في منزل ميشال ليريس في باريس، لكنهما صارحا بعضهما للمرة الاولى بالحب في ليلة الخامس إلى السادس يونيو 1944. لقد كان في الثلاثين من عمره ومتزوجا، بينما كانت في الـ21 من عمرها. ارتبط البير كامو بفرانسين فور في 3 ديسمبر 1944، لكن الحرب فرّقت بينهما، حيث عادت فرانسين الى مدينة وهران الجزائرية التي تنحدر منها، لكن برجوعها الى باريس في سبتمبر 1944 للالتحاق بزوجها، تمزق قلب ماريا كازاريس، التي قررت قطع علاقتها بكامو، ما آلم ألبير كثيرا. بعد أربعة أعوام بالضبط وبالتحديد في السادس من يونيو أيضا التقيا مجددا في شارع سانت جارمان، لكن لا أحد منهما قاوم او استطاع أن يهرب من الحب. ما ميز العلاقة بين هذين العاشقين هو تلك الثقة المتبادلة بينهما وذلك النضج، ولكن أيضا الشوق الذي فرضته تلك الغيابات المتكررة، بسبب التزام كل منهما بعائلته ومشاغله المهنية والمخاوف التي كانت تعتريهما، خشية انهيار حبهما. يقول كامو في إحدى رسائله «قررت أن نرتبط إلى الابد.. كل هذه الظلال الخفيفة ستمر وستبقى أرضية حبنا»، فترد كازاريس «أحبك بلا رجعة مثلما نحب البحر». لقد كانا يدركان عمق حبهما ولا يتوقفان عن الحديث بينهما عن ذلك، خاصة ان ما يجمعهما كبير جدا، فكلاهما كان بعيدا عن الوطن، هو من الجزائر وهي من اسبانيا وكلاهما اكتشف وطنه من خلال الآخر.. لقد كانت «الوحيدة» بالنسبة له، و«لذته» و«رمله الجميل» و«ضوءه الاسود»، وكان هو «قدرها» مثلما كانت تقول.الرجل السعيد لجأ والد ماريا كازاريس، وكان وزيرا جمهوريا سابقا في اسبانيا، إلى فرنسا في 1936، العام الذي كتب فيه ألبير كامو اول مسرحية له، وهي «ثورة في أستورياس»، وقد تخرجت ماريا في الكونسر فاتوار العالي للفنون الدرامية، وبسرعة اعجب كامو بالممثلة الصاعدة التي ابدعت في اداء دورها في مسرحية «مارتا مالونتوندو» على مسرح ماتوران في 24 يونيو 1944، ومسرحية «دورا» التي عرضت للمرة الأولى على مسرح هيبيرتو في 15 ديسمبر 1949، ولدى زيارتها لاميركا الجنوبية في 1956 لعرض مسرحياتها، استقبلت ماريا كازاريس استقبال الابطال، ففي بوينس إيرس رحب بها 3600 شخص وقفوا وهتفوا باسمها، وعن ذلك كتبت له «كلمات الشكر التي قلتها، نطقت بها وأنا أفكر فيك». وبعد الاعلان المفاجئ بفوزه بجائزة نوبل للاداب في عام1957، ارسل لها كامو تلغرافا جاء فيه «أبدا لم اشتق اليك مثل الآن.. الكفاح من اجل بلوغ القمم يكفي لملء قلب رجل. عليك ان تتخيلي سيزيف سعيدا». كان كامو رجلا سعيدا أيضا، فحين توفي في حادث سيارة في 4 يناير 1960 وهو في الـ47 من عمره ،كان قد أنهى كتابة مؤلفه «الرجل الأول» الذي عثر على مخطوطته على المقعد الخلفي لسيارته. نشرت هذه الرواية بعد وفاة مؤلفها، وكان ينتظر ان تكون باكورة مرحلة ثالثة من حياة الكاتب بعد «العبث» و«الثورة»، هي مرحلة «الحب». كنز أدبي جاءت مراسلات ألبير كامو في 1312 صفحة، وتعد كنزا بالنسبة للمهتمين بأدب ألبير كامو لاكتشاف المزيد عن هذا الروائي. فبعيدا عن باريس وحين كان يعالج من داء السل، كان ألبير كامو يكتب احيانا عشرات الرسائل يوميا لعدد من الاشخاص العزيزين عليه، لكن الـ835 رسالة التي تبادلها مع ماريا كازاريس لها وقع خاص وطبيعتها خاصة ايضا. قامت ابنة ألبير كامو بشراء هذه الرسائل من الممثلة التي التقتها أول مرة بعد وفاة والدتها في 1979، لكنها ترددت كثيرا في نشرها، ففي عام 2003 لم تكن كاثرين كامو تنوي الكشف عنها، على الرغم من تزايد ضغوط الباحثين الجامعيين بحجة ان الوثائق حميمة جدا، لكنها انتهت اخيرا الى نشرها في كتاب بعد أن ايقنت ضرورة أن يطلع الجمهور عليها ويدرك قيمتها الأدبية والإنسانية. (لوموند)

مشاركة :