شهدت السنوات الأخيرة تراجعاً مخيفاً لمعدلات مبيعات الكتب والمطبوعات بشكل عام، ويعود سبب هذا التراجع إلى عوامل عدة متشابكة منها: إيقاع العصر الحديث والثورة الإعلامية التكنولوجية التي يشهدها العالم، وتسارع الاحداث، وإلى جذور تربية ضاربة في الأعماق، وتربية تعود إلى سياسة التعليم، وحشد المعلومات بحيث تظل صورة الكتاب في الأذهان (المقرر الدراسي) صورة مخيفة مرهقة، لأنها حشد معلومات يعقبها امتحان صارم، والإنسان، أي إنسان، يرفض بكل صورة أن يكون في موضع اختبار، لذلك ما ان ينصرم العام الدراسي حتى يلقى بالكتاب أحياناً إلى سلة المهملات، لأنه صورة لإرهاق الأعصاب، وخوف كامن من الفشل! إضافة إلى خروج الطالب إلى معترك الحياة فيرى أن ما قرأه، يعني ما درسه، في هذا الحشو من الكتب الصارمة لا يطبق منه حرف، ولا يستفاد منه على أرض الواقع العملي أو الحياتي الذي يصطدم به، تربية أسرية لم تعوّد ولم تتعوّد على اقتناء الكتاب للقراءة، فنحن مجتمعات صنفت على أنها من المجتمعات التي لا تقرأ، وفي كثير من الأحيان ان قرأت فهي لا تعي ما تقرأ، وتبقى المكتبة من كماليات ديكور المنزل، والمضحك أن الكتب مرصوصة بنظام شديد، وأحياناً بمغلفاتها، إشارة إلى أن يدا لم تلامسها، سوى ايدي الخدم للتنظيف من الغبار العالق عليها! لم يبق في الوقت الحاضر إلا «الصحيفة» فهي المقروءة الوحيدة، ولذلك تبقى الصحافة هي «الملكة» الوحيدة المتوجة في بلاطها، فهي الجامعة الشاملة، وهي الوسيلة الابقى والأمثل لنقل وجبة فكرية ثقافية سريعة تتماشى وروح هذا العصر مهما اختلفت آراؤها وتعددت مشاربها، بل على العكس من ذلك هو دليل على اطلاق حرية الفكر واغناء للمعرفة، وتشغيل لإعمال الفكر في المقارنة والمفاضلة وحرية الاختيار. مواجهة ومجابهة الواقع بسلبياته وايجابياته، هي الخطوات الأولى لإيجاد سبل حياة أفضل، مهما كانت قسوة ومرارة ذلك الاكتشاف، سبل حياة افضل في كل منحى من مناحي الحياة، ننقد ذاتنا والآخرين للوصول إلى «رؤية» صادقة تحاكي الواقع ومعطياته.. العالم كله يعاني اليوم من ازمة تراجع الكتاب، فها هو «المعهد الالماني للقراءة» الذي حضرت جانبا من ندواته في ألمانيا، وقد هاله التقرير الأخير الذي كان موضوع المناقشة.. هاله الفشل الذريع لمعرض الكتاب الأخير في فرانكفورت، رغم ضخامة المعروض عددا وقيمة، وقد سبب هذا التراجع والفشل للمعرض صدمة للباحثين في معهد التقارير! وقبله «معرض الكتاب الدائم في بيروت» الذي – ولأول مرة – تتحول اجزاء كبيرة من مساحته إلى عربات لبيع الشاورما، والذرة والمكسرات لجذب الحضور للشراء وحضور المعرض وللكسب الحلال، فالحالة الاقتصادية وقسوتها هما اللتان تحكمان العالم اليوم لا الكتاب، وها هي بيروت، التي عرفت بأنها منارة العالم العربي على مدى الزمن الطويل، وراعية دور النشر منذ أن عرف الكتاب، تصاب بهذه الانتكاسة. فاطمة عثمان البكر
مشاركة :