قراءات في التحوّل العَولَمي تطرح أسسا جديدة للعلوم الاجتماعية

  • 11/27/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

بعد أن اقتحم مصطلح «العَولَمة» معجم العلوم الإنسانية والاجتماعية على مدى العقدين الأخيرين، فإن كتاب التحول العَولَمي في العلوم الاجتماعية، الصادر بترجمته العربية عن مؤسسة الفكر العربي ضمن سلسلة «حضارة واحدة»، يشكل مرجعا مهما للباحثين في هذه العلوم، نظرا لقيمته المعرفية العالية، لا سيما أن فصوله العشرين كتبها نخبة من أهل الاختصاص في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا والسياسة، فضلا عن نخبة من المؤرخين والجغرافيين، هم في الواقع من بين الأكثر شهرة في مجال تخصصهم. أشرف على الكتاب الباحثان الفرنسيان ألان كاييه وستيفان دوفوا، ونقله إلى العربية الدكتور جان جبور. ويمكن القول إن الكتاب هو عبارة عن مجموعة قراءات علمية في التحول العَولَمي، وإنه يحمل بين دفتيه أسئلة جديدة واقتراحات ومقاربات حول أسس جديدة للعلوم الاجتماعية، ذهب بعضها إلى تصور ما يمكن أن يفضي إليه ذلك من بروز جماعة علمية، غير مهيمنة حاليا في العلوم الاجتماعية، وذلك من خلال نموذج منهجي جديد، هو التعددية الكونية العلمية. تجاذبات الوطني والعولمي ثمة دراسات مهمة تدور حول هذه المواقف الثلاثة الأساسية التي أظهرتها الدراسات وتناولها الكتاب، إذ تبقى الدول بالنسبة إلى بعض الباحثين اللاعب الرئيسي، بصرف النظر عن تغيرات السياق، وبالنسبة إلى البعض الآخر، ثمة اليوم لاعبون أساسيون آخرون حتى لو حافظت الدول على أهميتها، ذلك أن العَولَمة غيرت بعض الخصائص المهمة للدول وللنظام المشترك بين الدول. وعلى الرغم من التباينات بين هذه الدراسات فإنها تنحو جميعها لتبني الفرضية القائلة إن الوطني والعَولَمي يقومان على عملية الإقصاء المتبادل. ويطرح الكتاب علاقة العَولمة بالعلوم الاجتماعية، ذلك أن زمن العَولَمة الراهن، وبصورة بالغة الجدية، أعاد النظر بالأسس التاريخية والمعرفية والتنظيمية التي بني عليها نظام العلوم الاجتماعية، لا سيما في ظل التعددية الكونية العلمية، وما يرافقها من تحولات في النظام العالمي للعلوم الاجتماعية. لذا وفي مقدمتهما التي جاءت بعنوان «اللحظة العَولَمية للعلوم الاجتماعية»، يشرح المشرفان على الكتاب ألان كاييه وستيفان دوفوا الأمر بالآتي: «إننا نشعر أو نستشعر جميعا أن نطاق العالم ووتيرته قد تغيرا بشكل أساسي، لم يعد باستطاعتنا الاستمرار في وصفه، وتحليله، وتقدير الإمكانات التي يقدمها من دون أن نجري تعديلا على الأقل بالمدى الذي بلغته العلوم الإنسانية والاجتماعية التي تهيكَلت وتشكلت في إطار الدول القومية ومن منظورها». تشابك المحلي والعولمي جاءت دراسة فرانك بوبو بعنوان: «نزاعات بيئية وتنظيم متعدد المستويات: عناصر من أجل تحليل سوسيولوجي»، قدم خلالها مثالا آخر عن تشابك المحلي والعَولمي، انطلاقا من واقعة بيئية بحتة، وتحديدا من خلال جبالتشاكالتايا، وهواينا بوتوسي، وتوني كوندوريري، التي خسرت الكتلة الجليدية التي تطل على مدن لاباز وأل ألتو في بوليفيا أكثر من 90% من سطحها في خمسين عاما، مما شكل تهديدا لتغذية العاصمة بالمياه وبالطاقة الكهرومائية. إذ تحركت السلطات البلدية والحكومية، ونشط خبراء المؤسسات الدولية وأفراد المجتمع المدني من فلاحين وسكان أصليين، ليخلص إلى تبيان كيف تسببت أزمة بيئية مرتبطة بذوبان الكتل الجليدية في بوليفيا بمشكلات اجتماعية من نوع جديد، تستدعي معالجتها عملية تنظيم تشمل مستويات عدة، من المحلي إلى العالمي. الدين في عصر العولمة يذهب فرانسوا غوتييه إلى الغاية نفسها، وذلك في دراسته «الدين في عصر العَولَمة: ما وراء الانقسام بين الخاص والعام»، والتي تتمحور حول كيفية تفسير التأثيرات البنيوية والشاملة للديني بطريقة لا يتم معها حصر هذا العامل بتجلياته المؤسسية والأقلوية ليس إلا، مقترحا قراءة أكثر تعقيدا لجدلية العام والخاص، من خلال قراءته الخاصة لمفهوم المجتمع المدني. فارتكز غوتييه على فرضية التشابك المتعاظم بين الحياة الشخصية والفضاء العام، وعلى قراءة بثلاثة اتجاهات تظهر الطابع غير المحدد بين المجتمع المدني والدولة، والتداخل المتعاظم بين الحياة الشخصية والفضاء العام، وذلك لفهم المنطق الجديد العبر - وطني والمعولم للوقائع الاجتماعية، وكذلك التأثير المتزايد للعامل الاقتصادي، حيث يتيح لنا توسيع مفهوم كمفهوم المجتمع المدني «أن ندرك بشكل أفضل التفاعلات بين حياة الأفراد، والدولة، والسوق، في فضاء اتصال معولَم»، لذا يحذر من جهة من «التقوقع في نماذج لم تعد تلبي متطلبات الفهم والاقتراح العائدة للعلوم الاجتماعية»، ويحذر من جهة أخرى من «الانتساب إلى نظام عالمي جديد وإلى تداخل التخصصات من دون معالم معرفية، متجاهلين كليا التقليد المفاهيمي للعلوم الاجتماعية». 4 أجزاء لفصول الكتاب تحولات تخصصية في بعض تحولات الأشياء نظريات العولمة بين المثال والواقع العلوم الاجتماعية: إعادة تأسيس، إعادة تفكير، إعادة تنظيم؟ 3 مواقف أساسية حول الدولة والعولمة الدولة هي ضحية العولمة وأهميتها آخذة في التقلص التغيرات ضئيلة، وأن الدولة بشكل عام تستمر في القيام بما كانت تقوم به دائما الدولة تتكيف ويمكنها أن تتحول فتواجه بفضل هذا التكيف التراجع وتبقى لاعبا أساسيا ملاحظات دراسات الكتاب وبحوثه هل الدول إلى تراجع؟ هل هي بالقوة نفسها التي كانت عليها في السابق، أم أنها تغيرت عبر التكيف مع الأوضاع الجديدة من دون أن تخسر من سلطتها؟

مشاركة :