لأول مرة منذ عام 2005، تاريخ أول انتخابات عراقية بعد صدام حسين، وضعت الحكومة يوماً من فصل الصيف القاسي منتصف مايو المقبل موعداً افتراضياً (قابلاً للتأجيل) للانتخابات العامة والبلدية، مما أثار استغراباً إزاء ظروف الاقتراع، غير أن جهات فنية تؤكد أن متطلبات تنفيذه وسط أوضاع الحرب وما بعدها تجبر الجميع على الانتظار بعض الوقت حتى لو دخلوا في ظرف مناخي غير مرغوب فيه. وتكشف المصادر السياسية أن الأمر أكبر من ذلك، إذ لا يوجد موقف مؤكد لا من الحكومة ولا من خصومها، ولا حتى من البعثة الدولية في البلاد، إزاء قرار تأجيل الانتخابات أو تنفيذها قبيل انتهاء ولاية البرلمان الحالي والحكومة المنبثقة عنه. ويذكر المراقبون أن هذه أصعب ولعلها أغرب انتخابات يجريها العراقيون، فلأول مرة ينقسم حزب الدعوة الحاكم بشدة بين رئيس الحكومة حيدر العبادي وسلفه نوري المالكي، وينشق الحزبيون في قائمتين متخاصمتين حسبما يبدو، كما أنها تجري في حين أن المدن الكبرى للطائفة السنية شبه مهدمة ويعاني مئات الآلاف من أهلها آثار التشرد، مما سيصعب إكمال الإحصاءات المطلوبة التي تقيد التلاعب، رغم الاستعانة بأجهزة حديثة من أسواق آسيا تمنع التزوير، مع ملاحظة أن التدرب على استعمالها يتطلب وقتاً إضافياً. أما أصعب التحديات، فيخص الدور الإيراني الذي يحلم بالاحتفاظ بنفوذ سياسي ملحوظ عبر دعم قوائم مرشحين تخطب ود طهران، إذ لأول مرة يوجد نحو عشرين إلى ثلاثين ألف مسلح ضمن ميليشيا الحشد الشعبي «كثير منهم من القبائل السنية» تربطهم مصالح عسكرية ومالية وسياسية مع الحرس الثوري الإيراني، ويتحركون بطموح كبير إلى القفز على موانع تشريعية لترشحهم، وتشكيل كتلة نيابية لن تكون كبيرة بالضرورة، لكنها قادرة على إشاعة الفوضى حين يتطلب الأمر. ويقول ساسة سنة إنهم قلقون من مدى ضمان «بيئة آمنة» لانتخابات المدن ذات الأغلبية السنية، ليس لأنها تعاني ويلات الحرب والنزوح فحسب، بل لأن الفصائل الشيعية تحاول كذلك دعم وجهاء ورجال عشائر وشخصيات سنية في الموصل والأنبار وتكريت، واللجوء لاستغلال نفوذ وربما تلاعب يمنع القيادات السنية المعارضة تقليدياً لطهران من تحقيق نتائج كبيرة، ويساهم في إحداث شرخ داخل تلك المجتمعات ليسهل التلاعب بها ويضمن بقاءها عاجزة عن تحقيق مطالب مثل اللامركزية الإدارية وبعض الاستقلالية في ملفات الأمن والإدارة. ويرجح ساسة سنة أنهم بحاجة إلى تأجيل الانتخابات لنحو عشرة شهور حتى ضمان بعض الاستقرار في مدنهم، أما المفارقة فهي أن الفصائل الشيعية تطمح هي الأخرى إلى تأجيل مشابه، متوقعة أن يفقد العبادي بعض شعبيته حين يجري نسيان الانتصارات العسكرية الأخيرة، وظهور مشاكل في الاقتصاد المنهك بشكل خاص.
مشاركة :