لقد كان الكاتب الروسي مكسيم غوركي مخطئاً في وصفه للأدب الذي يُعنى بقضايا الإنسان والواقع بـ «الواقعية الاشتراكية»، إذ أن هذا أتاح لمفكري ونقاد البرجوازية، أن يصنفوا الأدب الذي يمس قضايا المجتمع ويسلط الضوء على معاناة الإنسان ويعمل على تحريك وعيه، بأنه دعاية سياسية تغفل جماليات الشكل الفني. ولتهميش هذا الأدب شجعوا الفن والأدب الشكلاني أو ما يسمى الفن للفن، من أجل طمس وعي الإنسان المضطهد وحرف اهتمامه عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي، كما اتجه الكثير من الأدباء والشعراء والفنانين التشكيليين، لعدم اظهار هذه المعاناة بشكل واضح، فغرقوا بالرموز الغامضة، واعتنوا بالمفردة على حساب المضمون. وقد ساهم في تأكيد هذه الفكرة، بعض الأدباء الذي اعتنوا بالمضمون السياسي على حساب الشكل الفني المتطور، فتحولت الآداب إلى منشورات سياسية بصيغة أدبية، وتوالدت التصنيفات فخرجت مفاهيم مثل الأدب النسائي وأدب السجون وأدب المقاومة وغيرها، رغم أن ما يسمى بالأدب النسائي مثلاً يمكن أن يكتبه رجل مبدع، وهذا ينطبق على بقية التصنيفات، فمن يتناول الواقع لا يفرق بين رجل وامرأة وطفل أو حتى حيوان في إبداعه. ومثلاً درج بعض النقاد على تصنيف برتولد بريخت على أنه كاتب اشتراكي، وهم هنا لا يتحدثون عن انتمائه الفكري أو أيديولوجيته التي يعتنقها، بل عن مسرحياته، وهي في واقع الحال تتحدث عن واقع المجتمع من منطلق فهمه ورؤيته، وهذا ينطبق على كتاب كبار ولدوا وكتبوا قبل ظهور الدولة الاشتراكية في روسيا، مثل تشيخوف وتولستوي ودوستويفسكي وغيرهم. ولم يمجدوا الاشتراكية كنظام أو كأيديولوجية، بل أكثر من ذلك، فمن المعروف أن الكاتب الكبير نجيب محفوظ كان يكره الماركسية وحاربها في مقالاته، ولكن أدبه ورواياته جميعها كتبت بواقعية اجتماعية. قد يقول قائل إنها واقعية اشتراكية، ومثال واضح آخر هو الكاتب الأميركي جون شتاينبك، والمعروف بمعاداته للشيوعية وللأفكار الماركسية، لكن روايته الرائعة «عناقيد الغضب» شككت بعض النقاد الأميركيين بأنه كان اشتراكياً. إذاً كان الاتجاهان النقديان على خطأ، قادهم إلى ذلك انحيازهم وإلى الدعاية لأفكارهم، ولم ينظروا إلى الأدب والفن على أنهما مرتبطان بالحياة وفعل جمالي، وأن بين المضمون والشكل علاقة جدلية أو تبادلية، فلا يطغى هذا على ذاك، حسب القانون العلمي الموضوعي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن للفن قوانينه الخاصة. والسؤال المحير، كيف نصف الموسيقى؟ osbohatw@gmail.com
مشاركة :