هل يكون التكريم عادة لمن بلغ عمرا مديدا في العمل، أم في قيمة ما قدمّه ويقدمّه الممثل أو المخرج؟ مع ملاحظة الغياب التام لتكريم المخرجين والغياب التام أيضا لتكريم شخصيات من العالم الخارجي في مهرجان يريد أن يستقطب أنظار العالم.العرب أمير العمري [نُشر في 2017/11/29، العدد: 10827، ص(16)] كان من بين الأشياء التي لفتت اهتمامي مؤخرا، أن يصرح المدير الفني لمهرجان القاهرة السينمائي يوسف شريف رزق الله، وهو علامة بارزة في سماء الثقافة السينمائية في مصر، أن المهرجان لن يعرض فيلما مصريا في مسابقته الرسمية، ربما للمرة الأولى منذ نشأته قبل 41 عاما (أقيمت الدورة الأولى عام 1976). سبب الدهشة أنني أعلم -كما يعلم يوسف شريف دون شك- أن من بين شروط الاتحاد الدولي للمنتجين للاحتفاظ بصفة المهرجان الذي يسمح له بتنظيم مسابقة دولية، كما هو الحال بالنسبة لمهرجانات القاهرة، جنبا إلى جنب مع كان وفينيسيا وموسكو وكارلو فيفاري وطوكيو وبرلين.. وغيرها، ضرورة أن تتضمن المسابقة الرسمية فيلما واحدا على الأقل من الدولة التي تنظم المهرجان. وكان يمكن بالطبع ضم فيلم تسجيلي طويل مميّز، طالما أن المسابقة لا تشترط أن تكون كل الأفلام المتسابقة من الأفلام الروائية بالضرورة، أو فيلما مصريا من الأفلام التي ظهرت خلال الفترة الأخيرة، ولا بد أنها موجودة حتى لو لم تكن رائعة في مستواها. ما واجهه المهرجان من انتقادات شديدة في العام الماضي بسبب اختيار فيلمين لم يكونا على المستوى، أولهما عُرض في افتتاح المهرجان (وكان هذا خطأ دون شك)، واشتراك فيلم ثان ضعيف المستوى في المسابقة، وما أثاره هذا الاختيار من لغط كبير وتقوّلات كثيرة ألقت بظلال من الشك على دوافع الاختيار، ربما تكون وراء ما بدا من حذر شديد في اختيار أفلام مصرية للعرض في مسابقة المهرجان هذا العام، بل خارجها أيضا. الأمر الثاني يتمثل في موضوع التكريم الذي يتكرّر عاما بعد عام دون أن يتوقّف المهرجان ويراجع سياسته في هذا الموضوع، فمن المتعارف عليه أن يشمل التكريم فنانا مبدعا من البلد المضيف، وآخر من العالم الخارجي لكي يرسّخ صفة “الدولي” أو “العالمي”، وعدم الإفراط في تقديم التكريمات (والجوائز أيضا) “بالجملة”. ما أثار الدهشة أن يمنح المهرجان تكريما لثلاث شخصيات مصرية، هي أولا الممثل الكوميدي سمير غانم (80 عاما)، والممثل المصري ماجد الكدواني، والممثلة التونسية-المصرية هند صبري، بمنحهم جائزة تحمل اسم الراحلة فاتن حمامة. كما قرّر المهرجان أن يُهدي الدورة إلى المطربة شادية، وأسند الرئاسة الشرفية للمهرجان إلى الممثلة يسرا، وبذلك يكون مهرجان القاهرة قد أصبح مهرجانا منغلقا على نفسه تماما، بل وأصبح يبدو شبيها بالمهرجانات المحلية التي تقيمها جمعية الفيلم مثلا، فما كل هذا الإعجاب بالذات المصرية في مهرجان يفترض أنه مهرجان دولي منفتح على سينما العالم كله! من ناحية أخرى هل يكون التكريم عادة لمن بلغ عمرا مديدا في العمل، أم في قيمة ما قدمّه ويقدمّه الممثل أو المخرج؟ مع ملاحظة الغياب التام لتكريم المخرجين والغياب التام أيضا لتكريم شخصيات من العالم الخارجي في مهرجان يريد أن يستقطب أنظار العالم، فهل من المناسب تكريم هند صبري الآن قبل أن تتضّح ملامح تجربتها السينمائية المتميزّة، رغم اعترافنا بموهبتها الكبيرة؟ السؤال البديهي مع كل التقدير والاحترام: ما الذي أضافه سمير غائم إلى الكوميديا السينمائية، لكي يتمّ منحه هذا التكريم الخاص في مهرجان سينمائي دولي كبير؟ كان يمكن الاكتفاء بتكريم ماجد الكدواني، والبحث عن سينمائيين من العالم العربي والعالم الخارجي لتكريم اثنين منهم، لكي يحتفظ المهرجان بمصداقيته، مع التخلص من العادة المكرّرة التي تتمثل في إسناد الرئاسة الشرفية إلى الممثلة يسرا، فما قيمة هذه الرئاسة الشرفية، وما الذي تضيفه للمهرجان، باستثناء ظهور يسرا على خشبة المسرح بملابسها البرّاقة وابتسامتها الجذّابة؟ وهل هناك قرار ما من جهة ما بضرورة إسناد الرئاسة الشرفية إلى يسرا تحديدا مرّة بعد أخرى، وهي التي سبق وأن تمّ إسناد الرئاسة الشرفية إليها في مهرجانات عديدة سابقة داخل مصر، من ضمنها مهرجان القاهرة نفسه؟! ناقد سينمائي مصريأمير العمري
مشاركة :