شهر مرّ على اللبنانيين أشبه بأحلام اليقظة، قام خلاله رئيس وزرائهم سعد الحريري بتقديم استقالته من الرياض، وهدّد وتوعد بقطع يد إيران وأعوانها في المنطقة، وما لبث أن عاد وسحب استقالته أو «تريث» نزولا عند طلب الرئيس ميشال عون الذي وعد بمعالجة أسباب الاستقالة. «تريث» الحريري - ولو برمزيته - أوهم اللبنانيين بأن «محنة» رئيس الوزراء ولبنان قد ولّت إلى غير رجعة، وأن «تحرير» الحريري وعودته إلى لبنان وضعا حدا لكابوس كان سيؤدي إلى إنهاء التسوية السياسية و«العهد القوي» لعون. ناهيك عن مشهد تقاطر أنصار الرئيس الحريري «السريالي» إلى منزله متضامنين ومعززين في الوقت نفسه رواية أصدقائه المستجدين، وعلى رأسهم الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله، أن الاستقالة باطلة كونها حصلت تحت «الإكراه». من جانبه، وقبل عودته إلى لبنان، أكد الحريري أن الاستقالة ليست نهائية والعودة عنها مرهونة بتبني الدولة اللبنانية بوضوح سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية، وهو مبدأ كان اشترطه نظريا عندما أتمّ مع عون الصفقة التي أوصلت الأخير إلى سدة الرئاسة. اتفاق سرعان ما نقضه أركان «الحكم العوني»، وعلى رأسهم جبران باسيل الذي لم يفوت فرصة أو خطابا للدفاع عن نظام بشار الأسد المجرم، ناشراً في الوقت عينه العنصرية تجاه اللاجئين السوريين مع الترويج لإمكانية عودتهم بعد انتهاء الحرب السورية. يضاف إلى ذلك، أن الدولة اللبنانية وعلى رأسها العماد عون دأبت، ولا سيما قبل زيارات الرئيس الخارجية، على المجاهرة بأن «حزب الله» وسلاحه يحظيان بغطاء الدولة كون الحزب أثبت فاعليته في مقاومة إسرائيل ومحاربة الإرهاب، وهما مهمتان «فشل» الجيش، وفق قائده السابق، في تنفيذهما. ورغم الجنوح الجلي للحكومة اللبنانية في المسائل المذكورة أعلاه، أتى الإيقاظ السعودي للحريري كنتيجة مباشرة على تغاضي أو حتى تغطية عون وأعوانه على مغامرات «حزب الله» الإقليمية. فحسب منطق الميليشيا الإيرانية، وجودهم العسكري في أي نقطة من بقاع الأرض واجب شرعي وأخلاقي حتى لو تضمن خرق سيادة بلاد عربية شقيقة للبنان مثل السعودية والكويت والبحرين واليمن. المقلق في مجريات الأمور - في منحاه اللبناني على الأقل - يتجاوز المشروع الإيراني في المنطقة وضرره على مشروع الدولة في لبنان ليطال المنطق، أو تحديدا غياب هذا المنطق في طريقة تصرف الحريري في مرحلة ما بعد التريث. في المرحلة السابقة برر الحريري تغاضيه عن تجاوزات «حزب الله» بأن وجود الحزب مشكلة إقليمية وليس للبنان أي إمكانية في مواجهة تمدده. المنطق نفسه كرره الرئيس عون عندما ربط سلاح المقاومة بالصراع السرمدي مع إسرائيل. يستمر اللبنانيون وعلى رأسهم رئيس الوزراء «المتريث» بتجاهل السبب الفعلي للغضب العربي تجاه لبنان. وتجاوزات «حزب الله» تجاه العرب ليست بجديدة وتدخل ضمن الصراع مع إيران، أما التسوية الرئاسية والتي حاول الحريري إقناع اللبنانيين بأنها تحظى بمباركة سعودية فقد سقطت بعد قيام عون بتحوير مدار لبنان من فلكه العربي إلى الفلك الفارسي. تصريحات الحريري وتوجيهه النقد لـ «حزب الله» وتسريب معطيات مفادها بأن عودته الكاملة مرهونة بعودة الحزب من اليمن، هو استخفاف بعقول اللبنانيين وهروب من تشخيص «المرض» الحقيقي الذي أوصل بلبنان إلى الأزمة الحالية. حتى اللحظة، امتنع الحريري عن تسمية أو حتى الإشارة إلى شركائه في المحاصصة السياسية والمالية في المرحلة السابقة كجزء من الأزمة، وهذا الامتناع يكشف مصير المناورة الحريرية التي - وحسب البعض - تقع ضمن حركة عونية بالتنسيق مع فرنسا لتنفيس الغضب العربي والاستمرار بالتسوية السابقة تحت شعارات مستجدة تعد العرب بحياد لبنان، في حين يستمر الحزب بالتلطّي خلف الحكومة ورئيس الجمهورية. تعريج الحريري على قبرص قبل عودته إلى لبنان، أمر كافٍ للتذكير بأن النفط أو الغاز هما أحد أهم أسباب «التريث»، فالحريري لم يزُر الجزيرة القبرصية طمعاً «بجبنة الحلوم المشهورة بل لإتمام صفقة الغاز التي ستدرّ على الأطراف» المتريثة «ثروة قد تغنيهم عن موارد الخليج». يتوهم اللبنانيون بأن «حزب الله» قد يتنازل عن خططه التوسعية الإقليمية سانحا المجال أمام الحريري وعون بالتمتع بمغانم السلطة المعنوية والمادية. لكن الرهان على عودة حلفاء إيران - بشقيهما الشيعي والمسيحي - إلى ربوع الوطن كالمراهنة على أن يعتنق الحبر الأعظم دينا جديدا، ورهان الحريري على الاستمرار في السلطة ومهادنة إيران في لبنان والبقاء «متريثا» في مسائل مصيرية كهوية لبنان العربية واتفاق الطائف وسلاح حزب الله قد ينهي «أحلام اليقظة» اللبنانية ويحولها إلى كابوس طويل لا نهاية له. ملاحظة: هذا المقال لا يمت للواقع بصلة وأحداثه خيالية كون الشخصيات الواردة فيه تطوف في الخيال السياسي اللبناني. @makramrabah
مشاركة :