يصف سامويل تورجمان توماس مدير مجموعة "نيويورك للموسيقى الأندلسية" سعادته عند رؤية امرأة محجبة تجلس إلى جانب رجل يهودي خلال الحفلات التي تحييها فرقته، قائلا إن هذا المشهد يبعث رسالة قوية للتعايش بين الأديان والثقافات. منذ ما يقارب السبع سنوات تحيي الفرقة حفلات موسيقية أندلسية في نيويورك، بهدف التعريف بهذا النوع الموسيقي، غير المعروف لدى الأميركيين. ويقول سامويل وهو باحث يهودي مختص في علم الموسيقى التي يدرسها في جامعة مدينة نيويورك (CUNY)، لموقع "الحرة" إن الهدف من إنشاء هذه الفرقة كان في البداية نقل التجربة الموسيقية اليهودية في العالم الإسلامي، خصوصا في المنطقة المغاربية إلى الأميركيين. شاهد مقطع من إحدى حفلات الفرقة: فتطورت تجربة هذه الفرقة الموسيقية لتصبح نموذجا للتعايش في نيويورك، لما تضمه من عناصر من مختلف الديانات والأعراق، جمعهم حب الموسيقى الأندلسية. العيش المشترك وفي هذا السياق، يقول سامويل إن الفرقة خلقت فرصة حقيقية للتنوع في مدينة نيويورك، وأعادت إلى الحاضر تجربة العيش المشترك بين المسلمين واليهود بين القرنين الثامن والـ19. وأضاف "كانوا يعيشون معا ولديهم تجارب مشتركة عميقة. نريد أن نتعلم من ذلك من خلال إحياء قيم العيش المشترك وتجسيد تجارب جديدة مبنية على علاقات صادقة". وتضم الفرقة موسيقيين ومتطوعين من أميركا والجزائر والمغرب، وحتى من الصين واليابان، وتتنوع دياناتهم بين مسلمين ويهود ومسيحيين وملحدين. وفي هذا الشأن، تقول الجزائرية فتيحة مخلوفي، عضوة في الفرقة ومستشارة سامويل "نغني باللغات الثلاث العربية والعبرية واللادينو (لغة يهودية قديمة قريبة من الإسبانية)". وأضافت أن أغاني الفرقة لا تخرج عن إطار الأغاني الروحية والحب والدعوة إلى السلام. وتابعت "نحاول أن نعرف بهذه الثقافة التي لا يعرفها الأميركيون كثيرا". وتصر فتيحة على التأكيد على أن الفرقة الموسيقية تمكنت فعلا من نشر فكرة أن الاختلاف الديني لا يمنع الناس من العيش سويا. بعيدا عن السياسة تخصص سامويل في علم الموسيقى وتأليفها، ويؤدي أيضا موسيقى الجاز، غير أن اهتمامه بدراسات الشرق الأوسط، وخصوصا بتجربة العيش اليهودية في المنطقة العربية، ومنها المغاربية، جعله يميل إلى الموسيقى الأندلسية. ويقول سامويل إن الأمر المهم بالنسبة لعناصر الفرقة هو أنهم يؤدون لوحات موسيقية تعود إلى عهد لم يشهد صراعات من النوع الذي نراه في عصرنا الحديث، مثل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. ويضيف "الحوار بيننا مبني على الاحترام. نتحاور رغم أننا نختلف سياسيا. لا يجب أن نحدد العلاقة بين اليهود والمسلمين فقط في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وإنما يجب أن تكون مبنية على فهم للتاريخ والدين والجانب الروحي". حلم قد يتحقق يعمل سامويل على عدة أصعدة، فهو باحث في علوم الموسيقى، ويقدم دروسا فيها في ثلاث جامعات، إضافة إلى التأليف الموسيقي، وأيضا مهتم بدراسات الشرق الأوسط، غير أنه يسعى إلى تحقيق حلمين، واحد في أميركا والثاني خارجها. أما حلمه الأميركي، فيتمثل في نشر تاريخ المنطقة المغاربية، ليس من الجانب الموسيقي فقط، وإنما من خلال تعريف الأميركيين بتاريخ اليهود في المنطقة المغاربية، وذلك من خلال فرقته الموسيقية والمحاضرات التي يلقيها في مختلف المناسبات. يقول "الكثير من الأميركيين لا يعرفون أن اليهود كانوا يعيشون إلى عهد قريب في المنطقة المغاربية في أمن وسلام". ويضيف "عندما يعلم أي أميركي بأن اليهود ما زالوا يعيشون في هذه المنطقة لا يصدق الأمر". أما الحلم الثاني، فيتمثل في الذهاب بالفرقة الموسيقية إلى بلدان المنطقة العربية والمغاربية في جولة موسيقية "لأظهر للناس هناك مستوى التعايش الذي تمثله الفرقة في الولايات المتحدة". أما فتيحة فتحلم بأن تلقى الموسيقى الأندلسية رواجا في المجتمع الأميركي، الذي لا يعرف حسبها الكثير عن الأنواع الموسيقية المنتشرة في المنطقة. "أقصى ما يعرفه الأميركيون عن موسيقانا هو الراي وبعض الموسيقى العصرية. هذا أمر جيد ولكن الغناء الأندلسي يبقى تراثا نعتز به ونسعى إلى تطويره ونشره".
مشاركة :