سيادة النزعات الفردية المغلقة والصراعات وتصفية الحسابات الشخصية بين المسؤولين على هذه المخابر والوحدات والمجلات قد كرّس فيها الجمود الأمر الذي جعلها لا تلعب أي دور متميز ومفصلي في خلق البيئة الثقافية.العرب أزراج عمر [نُشر في 2017/12/01، العدد: 10829، ص(15)] عرفت الجامعات الجزائرية في العقود الثلاثة الماضية، بشكل استثنائي، بعض المحاولات الأولية لخلق مؤسسات وآليات بموجبها يمكن المساهمة في الإقلاع الثقافي بشكل عام والبحث الأكاديمي بشكل خاص. وفي هذا الخصوص فإنه يمكن لنا أن نشير إلى ظاهرة إنشاء مخابر البحث العلمي والثقافي والفكري في الجامعات عبر القطر الجزائري، حيث رصدت لها وزارة التعليم العالي ميزانيات مالية سخيّة. لقد توزعت هذه المخابر على مختلف المجالات مثل الفلسفة والنقد الأدبي والبحث اللغوي والثقافة الشعبية والنقد الثقافي والأنثروبولوجيا والدراسات الاجتماعية، فضلا عن التخصّصات الأخرى في شتّى العلوم الإنسانية والدقيقة. لا شك أنّ إنشاء مثل هذه المخابر وحدات البحث فيها وكذلك المجلات الأكاديمية المتخصصة ظاهرة صحية لو حذت حذو تقاليد مخابر البحث والإبداع التي عرفتها وكرستها الجامعات العالمية الكبرى في المعمورة وأصبحت مسرحا للازدهار الثقافي والعلمي وفضاء للحوار الثقافي بين أجيال المثقفين والباحثين. وفي الواقع فإن المفترض هو أن عناصر الإنتاج الفكري والثقافي لهذه المخابر إلى جانب الندوات وحلقات الدراسة والبحث التي تنظم شهريا أو دوريا، هي القادرة على إحداث التحول الثقافي والفكري والعلمي في الوسط الطلابي وفي المجتمع ككل، خاصة وأن هذه المخابر قد أسندت بوحدات وفرق البحث وبمجلات فصلية محكمة يفترض أن تكون مفتوحة للمقالات والبحوث التي ينجزها هؤلاء والأساتذة وطلاب الدراسات العليا، ولكن الملاحظ هو أن هذه الوحدات والمجلات قد أصابها التكلس والعجز ونتيجة لهذا فإن السؤال المطروح هو: لماذا لم ترافق الرعاية البيداغوجية هذا الدعم المالي المعتبر وذلك لكي تضمن وزارة التعليم العالي ازدهار هذه المخابر وقصد توجيهها لكي تتفتح على المجتمع الجزائري ومشاغله ومشكلاته الكبرى، وعلى مستجدات الفكر والعلم والثقافة المتطورة في المعمورة؟ من الملاحظ أن سيادة النزعات الفردية المغلقة والصراعات وتصفية الحسابات الشخصية بين المسؤولين على هذه المخابر والوحدات والمجلات قد كرّس فيها الجمود الأمر الذي جعلها لا تلعب أي دور متميز ومفصلي في خلق البيئة الثقافية والفكرية بين أوساط الأساتذة والطلاب المعنيين مباشرة أو على مستوى المحيط العام. ومع الأسف فقد فشلت هذه المخابر وملحقاتها في إنجاز المؤلفات الجادة في مختلف التخصصات، وفي المساهمة في ترجمة أبرز وأرقى المؤلفات التي أنتجت وتنتج في العالم المتقدم ثقافيا ومهنيا وتكنولوجيا وفكريا وعلميا، وعجزت بالتالي عن نشر الثقافة العالمة المتطورة في المجتمع الجزائري الذي بقي منكمشا على نفسه وتحوّل إلى مجرد ظاهرة فولكلورية منذ الاستقلال إلى يومنا هذا. كاتب جزائريأزراج عمر
مشاركة :