إعداد: أحمد الغر 2017/11/30 كم مرة وجدت نفسك في المنزل، واقفاً أمام عدة أشياء اشتريتها من السوق، لتجدها غير مفيدة أو أنك لست في حاجة إليها؟! قد تشعر بالندم بعض الشيء، وتعزم على عدم تكرار، لكنك للأسف تقع في الفخ نفسه عندما تذهب مرة أخرى للتسوق، لأن الأمر أصبح أشبه بالإدمان وقد تمكّنَ هوس الشراء منك، فإدمان التسوّق حالة تصيب كثيراً من النساء وقليلاً من الرجال، وباتت المتاجر تتفنن في جذب الزبائن عبر مهرجانات التخفيضات أو من خلال «الجمعة البيضاء» التي شاعت مؤخراً.. فهل التسوق العشوائي ضرورة يفرضها نمط الحياة أم تسلية واستمتاع وتقضية وقت؟، وهل من الممكن التخلص من هذا الهوس؟ إدمان الشراء! تشير الدراسات إلى أن الكثيرين حول العالم يعانون من «هوس الشراء»، الذي يقال في تعريفه: إنه اضطراب مرتبط بالقدرة على السيطرة والاندفاع، ويقع ضمن طيف الوسواس القهري، إلا أنه يختلف عنه بوجود المتعة لدى الشخص عند قيامه بالشراء ويحمل معنى التكرار وحتمية الشراء.. في البداية تخبرنا «إسراء حسن» الطالبة بكلية الإعلام، أنها وصديقاتها اعتدن التسوق كهواية روتينية يمارسنها من وقت لآخر، تقول: «نخرج على سبيل التنزه، ليس بالضرورة أن نشتري من المتاجر التي ندخلها، لكن مجرد الدخول إلى المولات التجارية والتجول بين المحال، خاصة محال الملابس ومستحضرات التجميل والأحذية، يشعرنا بالسعادة»، وتضيف: «النساء عموماً مولعات بالشراء، وبعضهن قد تستدين لتشتري ما أعجبها في المتاجر.. لي صديقة مولعة بالتسوق، لديها حالة أشبه بالهستيريا كلما مرت بجانب مول تجاري، تنفق الأموال التي بحوزتها دون شعور بأن بعض هذه الأشياء قد لا تستخدمها كلها فيما بعد». أما «مصطفى محمود»، مهندس بشركة خاصة، فيقول: إنه يستمتع أكثر بالشراء عبر مواقع التسوق الإلكترونية من خلال الإنترنت، ويضيف: «عروض ال (بلاك فرايداي) أو ما نسميها بالعربية: الجمعة البيضاء تكون حقيقية، والتخفيضات فيها تكون بنسبة كبيرة وملحوظة، خاصةً في عمليات الشراء أونلاين، وفي بعض الأحيان قد أؤجل شراء بعض المستلزمات التي أريدها حتى يأتي موسم تخفيضات الجمعة البيضاء»، ويستدرك: «لا أحب التجول كثيراً بين المحال للشراء، لذا ألجأ إلى الإنترنت لاقتناء معظم أغراضي التي أريدها». من جهته يؤكد «بسيوني محمد»، أحد العاملين في محل تجاري، أنه في مواسم التخفيضات تنشط حركة البيع والشراء، وتكون فرصة للتخلص من البضائع المكدسة بطيئة البيع، كما تزيد المبيعات مقارنةً بالأوقات العادية، ويضيف أن التخفيضات في المحل الذي يعمل به قد تصل إلى 40 %، وهو ما يسبب حالة من الزحام الشديد طوال أيام التخفيضات، التي تبدأ دائماً في أوقات يحتاج الناس إليها لعملية الشراء كالأعياد ومواسم الإجازات والسفر ومهرجانات التسوق، وكثيراً ما يأتي لدينا بعض الزبائن لمجرد المشاهدة فليس بالضرورة كل من يدخل المحل يأتي للشراء، بعض السيدات يأتين لمشاهدة أحدث المعروضات. فيما يرى «محمد أحمد»، محاسب بأحد البنوك، أن «ثمة مواسم عديدة للتخفيضات تأتي خلال العام الواحد، لكن الفكرة هل تكون التخفيضات حقيقية؟!، فالناس يقبلون على الشراء بمجرد أن يشاهدوا كلمات (خصومات تنزيلات تخفيضات ...) والتي تصل إلى نسب خيالية وغير معقولة، وهذه العبارات هى بمنزلة مخلب لاصطياد الزبائن وفتح شهيتهم على الشراء، ومعظم التنزيلات في حقيقة الأمر حيلة من حيل التجار للتخلص من بضاعة راكدة نتيجة عدم الطلب عليها، فالتاجر لا يخسر أبداً»، ويحكي لنا عن موقف تعرض له ذات مرة، حيث يقول: «في أحد مواسم التخفيضات؛ اشتريت ملابس عليها تخفيض بنسبة 70 %، كان ثمنها مرتفعاً بعض الشيء، لكن تضمن العرض المُقدم أنني سأحصل على كوبون مشتريات بقيمة إضافية، وعندما ذهبت لشراء سلع أخرى بالكوبون، وجدت أن هناك سلعاً محددة فقط يشملها الشراء بالكوبون، وكلها لست بحاجة إليها، وبالتالي وجدت أنني قد خُدِعت، لأن الكوبون لم أستفد به، وأن ما دفعته أكثر بكثير مما أدفعه في غير موسم التنزيلات، لذا فإنني لم أعد مغرماً بشراء ما لست في حاجة له، حتى لو كتبوا عليه تخفيضات بنسبة 99 %». Black F*iday ال Black F*iday، أو الجمعة السوداء هو يوم للتخفيضات فى الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية، حيث يتوافد المشترون منذ ساعات الفجر الأولى من يوم الجمعة لحجز أماكنهم أمام كبرى المحال والمتاجر التي تفتح أبوابها منذ الصباح الباكر مع تخفيضات وخصومات هائلة على منتجاتها، قد تصل في بعض الأحيان إلى 90 %، وتعود التسمية إلى القرن التاسع عشر، عندما عصفت الأزمة المالية عام 1869م بالولايات المتحدة التي شكلت ضربة قوية للاقتصاد الأمريكي، فكسدت البضائع وتوقفت حركة البيع والشراء مما سبب أزمة اقتصادية، لم تتعافَ منها الولايات المتحدة إلا عن طريق إجراء تخفيضات كبرى على السلع والمنتجات لبيعها بدلاً من كسادها، ومنذ ذلك التاريخ أصبح تقليداً في الولايات المتحدة أن تقوم كبرى المتاجر والمحال بإجراء تخفيضات كبرى على منتجاتها في يوم الجمعة الذي يعقب عيد الشكر- في نهاية شهر نوفمبر من كل عام - وقد بدأ تداول مسمى «الجمعة السوداء» للمرة الأولى عام 1960م من قِبَل شرطة مدينة فيلاديلفيا، وذلك نتيجة الاختناقات المرورية الناتجة عن تجمهر الزبائن أمام المحال والمتاجر في هذا اليوم، وسرعان ما انتقلت تلك الصيحة إلى مختلف دول العالم، ووصل الرقم القياسي الخاص بمشتريات هذه الجمعة في سنة 2015 إلى 4.45 مليار دولار أمريكي. في منطقتنا العربية؛ تكرر الأمر نفسه، لكن بمسمى «الجمعة البيضاء»، حيث تم اختيار اللون الأبيض بدلاً من الأسود لخصوصية يوم الجمعة لدينا، وتمتد فترة الجمعة البيضاء من 23 إلى 26 نوفمبر، وغالباً ما تكون أكثر انتشاراً عبر مواقع التسوق الإلكتروني العربية، خاصة في دول الخليج ومصر والمغرب، حيث يمكن للمستهلك طلب المنتج والتواصل عبر الإنترنت، وتسلم منتجه في المنزل مقابل مصاريف شحن رمزية، ورغم حداثة هذا التقليد في البلدان العربية، وحالة الرواج التجاري الذي يحدثه، فإن الآراء اختلفت حول اختيار مناسبة أمريكية لاتباعها عربياً، حيث يرى البعض أن تخفيضات الجمعة، سواء أطلقوا عليها بيضاء أو سوداء، أكبر عملية نصب تسويقية تتم في أسواقنا العربية، حيث تكون التخفيضات وهمية في أغلبها، إذ تلجأ بعض المتاجر والمواقع الإلكترونية إلى رفع الأسعار قبل شهر نوفمبر، وعندما تأتي الجمعة البيضاء في نهاية الشهر، يتم الإعلان عن الخصومات الهائلة ونسب التخفيضات الكبيرة، لكنهم في الواقع يعيدون الأسعار إلى وضعها الحقيقي قبل التلاعب بسعرها قبل حلول المناسبة.. على الجانب الآخر يرى البعض أن المواقع الغربية تلتزم بتطبيق خصومات حقيقية على المنتجات المعروضة، فمن غير الممكن أن تتلاعب هذه المواقع بثقة الجمهور الذي يتابعها. حماية حكومية لكن إدمان الشراء لا يحده شيء، فعلى الرغم من أن التخفيضات أحياناً تكون وهمية وغير حقيقية، فإن مدمني التسوق لا يأبهون بالأمر، وحرصاً على حماية المواطنين دشنت وزارة التجارة والاستثمار مطلع هذا العام تطبيقاً مميزاً يحمل اسم «تخفيضات»، ليشكل المصدر الرئيس لمعرفة جميع التخفيضات التجارية المرخصة والحديثة في المملكة، وهو ما يوفر الجهد والوقت على عشاق التسوق والتخفيضات، والأهم.. حمايتهم من العروض والتخفيضات الوهمية، كما يمتاز التطبيق بعديد من الإيجابيات، ومن أهمها البحث عن أي منتجات غذائية أو استهلاكية، أو أي محال تجارية يهتم بها المستهلك، مع إمكان معرفة نسبة التخفيض ومدة العرض، ويمكن المستهلكين أيضاً من الوصول إلى مواقع التخفيضات عبر خدمة الخرائط التي يمكن من خلالها كذلك معرفة مختلف التخفيضات التجارية المحيطة بموقع المستهلك. حالة عابرة أم مرض؟! هوس التسوق القهري أو هوس الشراء، هو مرض نفسي يعني قيام الشخص بالتسوق والشراء بدون دوافع منطقية أو احتياج حقيقي للأشياء التي تم شراؤها، وبغض النظر عن أهمية ما يشترون أو قيمته.. وبعد زوال لذة الشراء، يبدأ الشخص بالشعور بآلام نفسية وتوبيخ داخلي على فعلته.. «د. محمود السيد»، إخصائي الطب النفسي، يقول: إن «أعراض هوس التسوق القهري (Compulsive Buying Diso*de*) تبدأ في مرحلة المراهقة، حيث تشير الدراسات إلى أن النساء أكثر عرضة للإصابة بهوس التسوق مقارنة بالرجال، وبنسبة تزيد على 60 %، بسبب طبيعة المرأة، حيث تتحكم العاطفة بسلوكها غالباً، وأن أيّ تراكمات تؤثر فيها بدرجة أكبر منها عن الرجل، كما أن لدى المرأة رغبة دائمة في مواكبة المتغيرات والموضات. وقد توصلت الدراسات إلى أن منطقة معينة في الجزء الأمامي من المخ هى المسؤولة عن التحكم في هذا السلوك، كما أن هناك علاقة بين الولع المرضي باقتناء الأشياء وبين الوسواس القهري»، ويضيف حول الأسباب التي قد تجعل الشخص مدمناً على التسوق والشراء: «الأسباب عديدة، لكن أهمها تأثير الأسرة ودورها المهم أثناء التنشئة خلال فترة الطفولة والمراهقة، فمن الجائز أن يكون الفرد قد مرَّ بمرحلة من الحرمان أثناء صغره، وبعد أن كَبِرَ وصار يمتلك المال فإنه يندفع نحو الشراء ليُثبِت لنفسه أنه لم يعد محروماً، كما أن الكثير من السيدات والفتيات يعانين من فانتازيا الاستهلاك أو إدمان اقتناء كل ما هو جديد، حتى من دون داع، ودون رغبة ناجمة عن الحاجة، وبعض الدراسات وَجَدت أن الإكثار من الشراء يُولّد نوعاً من الحماية لتجنب مواجهة الأحاسيس المحزِنة والمقلقة، وأيضاً إهمال الأزواج لزوجاتهم، قد يدفعهن إلى شراء متزايد للأشياء، خاصةً ذات الماركات المشهورة، حيث تجد المرأة المُهمَلَة من زوجها، فى التسوّق حالة من ملء بعض الفراغ العاطفي الذي تشعر به، هذا بخلاف أن التسوّق قد يعزز شعور الثقة بالنفس لدى بعض الأشخاص، ويعطيهم الشراء شعوراً بقدرتهم على الاختيار». ومن أجل فهم سلوك الاقتناء المرَضي بشكل أفضل، درس البروفيسور «ستيفن آندرسون» وفريقه البحثي، ثلاثة عشر شخصاً تطورت لديهم حالة اقتناء قهرية بعد إصابة بالدماغ، فوجد الباحثون أن بعض المرضى قد ملأوا بيوتهم بكميات هائلة من المشتريات التي لا قيمة لها، لدرجة أنهم كانوا يقتنون أجهزة منزلية معطلة لأنها كانت تُبَاع بأسعار زهيدة، وقام الباحثون بإجراء مسح لأدمغة المرضى وقارنوا بين نتيجة المسح لديهم ونتائج مسح الدماغ لأشخاص آخرين مصابين بإصابات دماغية ممن لم يظهر عليهم سلوك الاقتناء القهري، وظهر اختلاف واضح بين المجموعتين، وقد لوحِظَ أن إدمان الرجال على التسوق يتركز على اقتناء التحف النادرة والإلكترونيات، أما النساء فينصبّ اهتمامهن على شراء المجوهرات والملابس والأحذية ومستحضرات التجميل. وقد أشارت دراسة أجرتها كلية الإعلام بجامعة القاهرة إلى أن 80% من الإعلانات التلفزيونية موجهة للمرأة، لأنها صاحبة ميول الشراء في الأسرة بشكل أكبر، كما أن الرجل بعد الزواج يشعر بأنه ليس مضطراً إلى الإسراف، بل يميل إلى الادخار للأسرة وللمستقبل، بينما تشعر المرأة أن من أولوياتها الاستمرار في الإنفاق على نفسها ومظهرها لتحافظ على صورتها الجميلة، وهذه فكرة تتوارثها الفتاة وتتربى عليها، ومن هنا ترى أن التسوق وسيلتها الوحيدة، للاحتفاظ بقلب زوجها، إضافة إلى أن شعور المرأة بالوحدة والفراغ قد يعزز هذه الرغبة لديها. نصائح للتحكم بالأمر! كأي مرض نفسي يحتاج إلى العلاج، فإن المصاب بهوس الشراء له علاجه أيضاً، والذي يبدأ بالتوقف عن هذا السلوك، إضافة إلى العلاج السلوكي والنفسي على أيدي إخصائي نفسي، كما أن هناك بعض النصائح التي يجب على الشخص المصاب بداء حب التسوق المرضي أن يضعها في اعتباره قبل أن يفكر في عملية التسوق، منها: أن يحدد الأشياء المرغوب في شرائها قبل الذهاب إلى السوق، وأن يسجلها في ورقة صغيرة، بحيث لا يترك لنفسه العنان في شراء كل ما يريد ويشتهي وهو داخل المتجر، فالقاعدة تقول «ليس كل ما يُشتَهى يُشتَرى»، مع أهمية عدم استخدام البطاقة الائتمانية، لأنها تغري بالشراء أكثر دون أن يشعر الفرد بأنه قد أنفق أموالاً كثيرة، كما ينبغي تركيز الاهتمام على نوعية وجودة السلع بدلاً من التركيز على الثمن، فبعض المهووسين بالشراء يلجؤون إلى الأسعار العالية حباً في التباهي أمام الآخرين، مع ضرورة عدم التعامل مع المولات التجارية على أنها متنزهات أو مكان ترفيهي، بل مكان ذو خاصية معينة، لشراء ما هو مهم وضروري، كما يفضل تخصيص مبلغ معين للتسوق يتناسب مع ميزانية الأسرة، مع تحديد وقت مناسب للتسوق، والحرص على شراء المطلوب دفعة واحدة، دون الاضطرار للذهاب إلى السوق مرة تلو أخرى، وعدم شراء ما فوق الحاجة ولو كان الثمن رخيصاً، حتى لا تكون جيوبنا فريسة لأصحاب الإعلانات الجذابة، أخيراً.. إذهب إلى التسوق وحيداً؛ فالتسوق مع الأصدقاء أو الأقارب قد يدفعك ويشجعك للتسوق كثيراً ودخول محال ومولات تجارية عديدة، وهو ما سيرهق جيبك ويزيد من إدمانك للشراء!
مشاركة :